يتابع اللبنانيون تعداد قتلاهم بالرصاص الطائش. جنون السلاح المتسيّب في المناسبات الاجتماعية وبعد الخطب السياسية، وعند الاستحقاقات الرسمية، يحصد الأبرياء من مختلف الأعمار والأجناس والجنسيات.
رصاص "الابتهاج" ينهش ضحاياه، وتتسع اللائحة في كل مناسبة، من دون أن تتوقف هذه الظاهرة أو يُلاحق مرتكبو الجريمة. لا أحد بعيد عن مرمى الرصاص الطائش. أو ربما لم تعد تصح كلمة "طائش" هنا، فهذا الرصاص يعرف طريقه جيداً: الأبرياء. والمسؤول عنه أيضاً معروف: تركة الميليشيات اللبنانية والمتوانون عن كبح تفلت السلاح وهمجيته.
آخر الضحايا كان الرقيب في فوج إطفاء بيروت، وسام بليق، الذي سقط بعد إصابته برصاص عشوائي. سقط تاركاً وراءه زوجة وثلاثة أطفال. هو "النجماوي الأول" كما يُعرف، فهو مدير لصفحة فريق "النجمة" لكرة القدم، الذي أخذ على عاتقه أرشفة مباريات الفريق ونشرها على YouTube. يعمل في إطفاء الحرائق التي تشتعل في لبنان، ويعشق كرة القدم.
[caption id="attachment_58644" align="alignnone" width="700"]
Wissam Bleik وسام بليق[/caption]
أثار موته موجة استنكار واسعة تندد بظاهرة ما عادت تحتمل، الرصاص عشوائي نعم، لكن ثمة من يضغط على الزناد ليخرج هذا الرصاص. ثمة مجرم/ مجرمون، لكن لا يبدو أن هناك خطة واضحة لكبحهم قريباً. وهكذا اشتعلت وسائل التواصل بدعوات لمحاسبة هؤلاء، والنزول إلى الشارع تكريماً لروح وسام وغيره من الضحايا، وحفاظاً على أرواح من لم يسقط بعد.
في سياق متصل، يتداول البعض خبر مقتل وسام كحادث مقصود، يستهدفه شخصياً. ليس ثمة ما يؤكد هذه الفرضية حالياً، لكن ذكرها يأتي هنا دليلاً إضافياً على أن السلاح المتفلت بات خطراً، ومستخدمه لا يلاحق جدياً، حتى في حالات القتل المتعمد.
قبل أيام، سبق وسام الطفل حسين خير الدين، الذي أصيب برصاص طائش تزامناً مع كلمة كان يلقيها أمين عام حزب الله حسن نصرالله.
حسن حسين خيرالدين
نصر الله كان دعا في مناسبات عدة أنصاره إلى الامتناع عن إطلاق النار. هدأ بعض هؤلاء لفترة قصيرة، لكن مع احتدام الأحداث السياسية والأمنية التي تفترض شدّ العصب الطائفي/ الحزبي، ومع تخاذل القوى الأمنية في التصدي للظاهرة، يصبح السلاح هنا فعل إثبات وجود بالنسبة إلى مطلقي النار. هنا، الكلمة لثقافة الترهيب وفائض القوة، التي لا تتبناها الأحزاب علانية، لكن جمهورها يكون فيها ملكياً أكثر من الملك.
حسين العيسى، باتينا رعيدي، محمد البقاعي، زهراء شهاب وأطفال غيرهم تراوح أعمارهم بين 3 و8 سنوات، استهدفهم الرصاص الطائش. وكان وقعه حزيناً كذلك على ذوي منير حزينة، الطفل السوري اللاجئ صاحب الخمس سنوات.
فقبل أشهر، ضجت وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات المحلية بصور الطفل ذي الوجه الملائكي بعينين شديدتي الزرقة. تحدث هؤلاء عن ظلم من هرب من الحرب إلى مكان أكثر أماناً، فطاله الموت.
في كل حالة قتل "عشوائي" تصاحب إطلالة الزعيم أو العرس أو التشييع أو الفوز بانتخابات بلدية واختيارية، أو حتى مباريات كرة القدم، يبقى الفاعل مجهولاً، وذلك يزيد من وطأة المأساة على ذوي الضحايا. وتتكرر القصص في هذا الإطار، سعاد كانت تنثر الأرز من شرفتها على موكب العرس الذي كان يمر من تحت شرفتها، فاخترقت رصاصة "ابتهاج" رأسها. حسين كان يجلس على الشرفة ليدرس، فأتى والده ليجده مضرجاً بدمائه بعدما اخترقت رصاصة "تشييع" رأسه. وآخر ما زال يصارع جراحه، بعد أن مزّق صدره رصاص احتفال بفوز في الانتخابات البلدية.
لم تقف المناشدات الرسمية بوقف الظاهرة حائلاً دون تكرار هذه الحوادث، ولم يقف العوز حائلاً دون بذخ فقراء أموالهم على رصاص ليس متدني الكلفة. ولم تقف الحرب، التي يقتل فيها جنود بسبب افتقارهم للذخيرة، أمام من يصابون بـ"هستيريا" الابتهاج أو الحزن أو التبجيل.
في هذا الإطار، أصدر وزير الصحة اللبناني بياناً طالب فيه بـ"وضع حد لهذه الظاهرة البربرية التي تفتك بأرواح المواطنين، لا لشيء إلا لأن هناك أشخاصاً محميين سياسياً بأحزاب ونواب ووزراء ومرجعيات يعتبرون أنفسهم فوق القانون". مضيفاً: "الموت ابتهاجاً قدر من أقدار اللبنانيين".
من ماتوا بالرصاص العشوائي تركوا حسرة في قلب من أحبهم، ومن أصيبوا بإعاقة أو ما زالوا يصارعون في المستشفيات، ليس ثمة من يعوض عليهم معنوياً أو مادياً. في المقابل، يكمل من أطلقوا النار حياتهم بشكل طبيعي، من دون حسيب أو رقيب.


انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوميخلقون الحاجة ثم يساعدون لتلبيتها فتبدأ دائرة التبعية
Line Itani -
منذ يومينشو مهم نقرا هيك قصص تلغي قيادات المجتمع ـ وكأن فيه يفوت الأوان عالحب
jessika valentine -
منذ أسبوعSo sad that a mom has no say in her children's lives. Your children aren't your own, they are their father's, regardless of what maltreatment he exposed then to. And this is Algeria that is supposed to be better than most Arab countries!
jessika valentine -
منذ شهرحتى قبل إنهاء المقال من الواضح أن خطة تركيا هي إقامة دولة داخل دولة لقضم الاولى. بدأوا في الإرث واللغة والثقافة ثم المؤسسات والقرار. هذا موضوع خطير جدا جدا
Samia Allam -
منذ شهرمن لا يعرف وسام لا يعرف معنى الغرابة والأشياء البسيطة جداً، الصدق، الشجاعة، فيها يكمن كل الصدق، كما كانت تقول لي دائماً: "الصدق هو لبّ الشجاعة، ضلك صادقة مع نفسك أهم شي".
العمر الطويل والحرية والسعادة لوسام الطويل وكل وسام في بلادنا
Abdulrahman Mahmoud -
منذ شهراعتقد ان اغلب الرجال والنساء على حد سواء يقولون بأنهم يبحثون عن رجل او امرة عصرية ولكن مع مرور الوقت تتكشف ما احتفظ به العقل الياطن من رواسب فكرية تمنعه من تطبيق ما كان يعتقد انه يريده, واحيانا قليلة يكون ما يقوله حقيقيا عند الارتباط. عن تجربة لم يناسبني الزواج سابقا من امرأة شرقية الطباع