عاد أفيغدور ليبرمان إلى الواجهة مجدداً. في الواقع، هو لم يغب يوماً بتصريحاته العدائية الشديدة التطرف، فلسطينياً وعربياً وحتى إسرائيلياً. لكن زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" اليميني المتشدّد عاد اليوم، بعد استقالته من منصب وزير للخارجية العام الماضي، ليتولى منصب وزير الدفاع في حكومة بنيامين نتنياهو خلفاً لموشيه يعلون الذي قدّم استقالته.
قد لا يحتاج تاريخ ليبرمان ومواقفه كثيراً من الشرح لتبرير المخاوف التي أثارها استلام المنصب الأكثر حساسية في كيان قوامه العسكرة، والتساؤل عما يحمله هذا التطور السياسي في إسرائيل من زيادة في احتمالات دخول حرب جديدة، داخلياً وإقليمياً. اسم ليبرمان وحده يكفي ليجيب عن أن الاحتمالات باتت مضاعفة. أما تصريحاته فلا تؤكد سوى المؤكد. لا يتوقع أحد أن يكون قد طرأ أي تغير على شخصية ليبرمان، ومع ذلك لا شيء مؤكد في دخول إسرائيل الحرب سريعاً في ظل معطيات بالغة التعقيد تفرض نفسها في المنطقة اليوم.
يُعرف ليبرمان، المولود في العام 1958 في مولدافيا والذي هاجر إلى إسرائيل في العام 1978، بمواقفه الداعية إلى تهجير من لا يعترف باسرائيل دولة صهيونية، ويرفض وجود أقلية غير يهودية في إسرائيل.
فلسطينياً، عارض مراراً مفاوضات السلام مع الفلسطينيين وأبرزها حين انسحابه من الحكومة في العام 2006 اعتراضاً على دعم أولمرت لها. وفي ذلك العام تحديداً، دعا إلى قتل كل عضو عربي في الكنيست يجتمع مع أعضاء الحكومة التي تقودها "حماس". وفي العام 2014، وجّه انتقادات حادة ليعلون على عدم حزمه إبان العدوان العسكري على غزة، وفي آخر تصريحاته طالب باعدام منفذي عمليات الطعن، وعدم التردد في فتح النار عند أي اشتباه، ووصف السلطة الفلسطينية بـ"المتخلفة سياسياً"، وهدّد منذ فترة قصيرة (في حال تسلمه وزارة الدفاع) بالانتقام من "حماس" (واسماعيل هنية) في حال لم ترجع جثث الجنود الاسرائيليين في غزة.
وفي وقت كان الجميع متخوفاً من ضرب إيران بسبب امتلاكها "النووي"، كان ليبرمان يصر على الضربة، وهو من هدّد النظام السوري في العام 2010 بجعله يدفع الثمن بـ"خسارة الحرب والسلطة" إذا لم يتخل عن "حزب الله"، ودعا العام الماضي كذلك إلى ضرورة تغيير إسرائيل منهجيتها مع "حزب الله" وبدء الرد بـ"طريقة قاسية". ومن "مآثره" التاريخية التهديد بتدمير السد العالي وإغراق القاهرة.
في هذا لا يشبه ليبرمان من سبقوه من الوزراء "المدنيين" في وزارة الدفاع مثل عمير بيريس وموشيه آرنس، وهو لا يشبه حتى آرييل شارون في موضوع التطرف والعدائية. هذا ما جعل أيضاً المخاوف في الداخل الإسرائيلي بشأن انعكاس تسلمه المنصب على التعيينات في الجيش أو حتى على صعيد العقيدة العسكرية، لا سيما أن ليبرمان يتسلح بحماسة متطرفة من دون امتلاكه خبرة عسكرية (كان قد خدم فترة قصيرة في الجيش كمستوطن قادم من الخارج).
"الصدمة والغضب" سيطرا على العديد من وسائل الإعلام الإسرائيلية، فوصفت "هآرتس" الصفقة مع نتنياهو وليبرمان بـ"الطعنة في ظهر" يعلون الذي أراد رئيس الوزراء "تأديبه". واعتبر آخرون بأن تعيين ليبرمان "خطأ فادح"، إن اعتقد نتنياهو أن بامكانه كبح نزعات ليبرمان المتشددة، إذ أن التاريخ يثبت أن من فكر بهذا الشكل من الزعماء الإسرائيليين في مراحل سابقة فشل، وقد ورط بعض الوزراء إسرائيل في تجارب فاشلة. أما يعلون نفسه فقال إنه فقد الثقة بنتنياهو ويبدو أن "إسرائيل فقدت بوصلتها الأخلاقية". وعلقت تسيبي ليفني قائلة إن "التاريخ لن يغفر لنتنياهو الخطأ الذي تسبب به لإسرائيل.
وفي وقت كان ينتظر من نتنياهو التهدئة في السياسة الإسرائيلية اليمينية، في ظلّ تحضير باريس لـ"مؤتمر السلام الدولي"، وإمكانية تبني واشنطن للمبادرة الفرنسية، فقد فاجأ الجميع بهذا التعيين (وهو أمر ليس جديداً على نتنياهو في الواقع)، وفضّل ليبرمان على أي مرشح آخر، في رسالة تشير إلى عدم تعاطي إسرائيل الجدي مع أي من مبادرات التسوية.
وهكذا تتجدد المخاوف مع ليبرمان، الذي يعيش في مستوطنة نوكديم جنوب الضفة الغربية. يظهر ذلك ما طرحته صحيفة "هآرتس" قائلة إن "المستقبل يقوم على المزيد من العنف والمزيد من الدم الفلسطيني بناء على رؤية ليبرمان التي وافق عليها نتنياهو". وذكرت الصحيفة بأن الطرفين لم يكونا على وفاق دائم، وعرفا في وقت مضى بـ"الإخوة الأعداء"، وكان ليبرمان ذكر مراراً أنه لن يشارك بحكومة لنتنياهو لا تحمل لواء "إنهاء حكم حماس" واستئناف بناء المستوطنات في الضفة والقدس. وتساءلت الصحيفة "هل وافق نتنياهو على ذلك؟".
أما القناة العاشرة فنبشت ماضي الرجلين وبثت تسجيلاً لليبرمان يصف به نتنياهو بـ"الكاذب والمنافق والاستغلالي الذي لا يستطيع اتخاذ قرارات"، مع العلم أنه ربما يصعب إيجاد مسؤول إسرائيلي كان أكثر حدة في وصف نتنياهو. كما ذكرت القناة بقضية الفساد التي لاحق بها نتنياهو ليبرمان في العام 2013. لكن في السياسة وفي الأمن يبدو كل شيء ممكناً، لا سيما أن "الجنون" الإسرائيلي ظهر في محطات وحروب عدة.
وهكذا يظهر مع وصول ليبرمان إلى السلطة، أن ما بذله الجيش من جهد لكبح العدوانية، لن يكون سهلاً في قادم الأيام، وسيترك ذلك أثراً على الإدارة الأميركية بدورها. وهنا يحضر السؤال المضحك/ المبكي: هل يمكن تصور ليبرمان وزيراً للدفاع في إسرائيل في ظل وجود دونالد ترامب رئيساً في البيت الأبيض.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون