شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
نظريات المؤامرة الإسرائيلية بحيواناتها الجاسوسة

نظريات المؤامرة الإسرائيلية بحيواناتها الجاسوسة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الاثنين 8 أغسطس 201610:28 م

الإعلام العربي زاخر بأخبارٍ خطرة عن الحيوانات الصهيونية الذكية التي تم تدريبها على أيدي أخطر عملاء الموساد، من نسور وسناجب وخنازير برّية، وأسماك القرش ودلافين وجرذان، لتدخل الدول العربية براً وبحراً وجواً، وتتجسس على الوحدات المقاتلة والمعادية لإسرائيل، وتزرع الذعر بين المواطنين، وحتى تقوم بقتلهم أحياناً.

الصورة أشبه بفيلم جايمس بوند، أبطاله حيوانات جاسوسة. لكن هذا هو الواقع الذي تعيشه شعوب عربية عدة من حول إسرائيل، شعوب تؤمن أن حتى الهواء الذي قد يخرج من الأراضي الإسرائيلية، فيه ذرات مؤامرة. هل تلك الحيوانات الجاسوسة مدرّبة فعلاً كأنسبائها في الوكالة الاستخباراتية الأميركية والمخابرات الروسية، لتتسلل إلى أراضينا وتقوم بمهماتها السرية من دون أن يلتفت إليها أحد؟ أم أن الخيال العربي واسعٌ إلى درجة الاستهزاء به في الإعلام الغربي؟

اللغة الصحفية الخيالية

تكفي جردة على الوسائل الإعلامية العربية والغربية بموضوع الحيوانات الإسرائيلية الجاسوسة، كي تعطيكم صورة أوضح عن نظرية المؤامرة، التي تنتاب مختلف شعوب المنطقة وسياسييها، من لبنان وفلسطين إلى مصر مروراً بالسعودية والسودان وإيران. فالحيوانات الذكية جدّية في اجتياح ثقافتنا. اللافت في التقارير الإعلامية العربية هو لغة إنديانا جونز التشويقية التي يتم استخدامها أحياناً لوصف العمليات السرية، المنفذة من قبل حيوانات فقدت ميزاتها الحيوانية الطبيعية.

فقد نشرت صحيفة القدس العربي في أغسطس الماضي مقالاً بعنوان: "الدولفين الجاسوس" آخر الابتكارات العسكرية الإسرائيلية لاغتيال رجال كوماندوس حماس البحريين"، يتحدث عن كيف جندت إسرائيل الدولفين وحولته إلى قاتل لاستخدامه في عمليات قتل كوماندوس كتائب القسام، باعتمادها على خاصية حب الدولفين للبشر واللعب معهم، للوصول إلى أفراد تلك الوحدة المقاتلة. وتحدث الموقع عن تقارير تذكر أن الدولفين ليس مزوداً بجهاز تجسس وكاميرات مثبتة على ظهره فقط، بل هو مرفق بجهاز يطلق سهاماً حديدية لقتل من يقابله. وينهي الموقع مقاله بخبر أن الضفة الغربية تعاني أيضاً من الخنازير البرية والكلاب المتوحشة، التي يطلقها الإسرائيليون لمهاجمة المزارعين القريبين من مستوطناتهم.

ووصفت صحيفة الرسالة عملية القبض على النسر الجاسوس الخطير "آر 56" في مدينة حائل شمالي السعودية عام 2011، كما تلقتها من صحيفة الوئام السعودية، إذ فوجئ أهل المدينة بهبوط طائر جارح ضخم، محزماً برباط فيه جهاز صغير وأساور من نحاس وحديد، وعند محاولة الإمساك به بدأ بلفظ مخلفات بكميات كبيرة من فمه، تنبعث منها رائحة كريهة يصعب معها الاقتراب منه ثم يعاود أكلها مرة أخرى. وبعد نصب فخ بخروف مدمم، ألقوا القبض على الطائر الشرس. وتكمل الصحيفة أن الطائر كان يصدر أصواتاً مأنوسة تشبه صوت الطفل الرضيع، كأنها إشارات وتحذيرات لا سلكية صدرت من الطير الأسير، لإنقاذ ثلاثة طيور كانت على جبلٍ قريبٍ منه. ورداً على اعتراف إسرائيل بأن النسر كان يقوم بتجربة علمية لإحدى الجامعات، توضح الصحيفة أن جميع المؤشرات تؤكد أن هناك مؤامرة جديدة ضد العالمين العربي والإسلامي من خلال إرسال حيوانات جاسوسة لجمع المعلومات.

لغة السياسيين

لنقل إن الصحافة لها ذريعة السبق الصحفي لتقوم بنشر أخبار الحيوانات الجاسوسة بشكلٍ دراماتيكي مضحك، ولنفترض أن المواطنين يتناقلون هذه الأخبار لأنها تؤنس لياليهم الطويلة، ولكن ما هي حجة السياسيين والزعماء لاتهام الحيوانات بالتعامل مع إسرائيل ضدهم.

اتهم منذ أقل من عامين محمود عباس إسرائيل بإرسال خنازير برّية إلى الضفة الغربية لتدمير الحقول الزراعية وتخويف السكان. وفي مصر، هاجمت أسماك القرش عدداً من السياح في عام 2010 فقتلت سائحاً ألمانياً وجرحت آخرين. رجّح اللواء عبد الفضيل شوشة محافظ جنوب سيناء حينذاك، أن الموساد خلف العملية، بحجة أن تلك الأسماك المفترسة لا تعيش في مياه مصر، وتم التحقيق مع غواص اسرائيلي بشأن قرش تم القبض عليه مع نظام تحديد المواقع مثبت على ظهره، للتأكيد أن أسماك القرش المتورطة في حادثة شرم الشيخ تم التحكم بها عن بعد. أسقط عالم الأحياء البحرية حنا فيكل تلك الاتهامات، مؤكداً أن ذلك النوع من الأسماك موجودٌ بالفعل في مياه مصر، والـGPS المزودة به غالباً ما يستخدمه علماء البيولوجيا لدراسة الحياة البحرية، تماماً كما يفعلون مع السلاحف البحرية، فلا بد من إبعاد نظرية Jaws.

أخطر الحيوانات الجاسوسة الأليفة

كل عام يظهر حيوان أو أكثر "إسرائيلي" الهوية، في الدول العربية وغير العربية، آخرها كان النسر الذي تم احتجازه منذ نحو أسبوعين في جنوب لبنان. النسر دخل الحدود من محمية صيد إسرائيلية مزوداً بجهاز تتبع في ذيله، وبعد تدخل الأمم المتحدة لحفظ السلام، تم إطلاق سراحه ليعود إلى موطنه مصاباً بجروحٍ طفيفة. مسؤولو الحياة البرية في إسرائيل أكدوا أن النسر استقدم من إسبانيا ضمن مشروع حماية الطيور الجارحة وإعادتها إلى الشرق الأوسط. أواخر عام 2013 تم القبض على بجعة في مصر، بتدخل صياد لمحها مزودة بجهازٍ إلكتروني، اتضح لاحقاً أنه تابع لمجموعة من العلماء الفرنسيين، الذين يدرسون أنماط الهجرة لدى تلك الفصائل من الطيور. وعام 2012 تكاثرت المفاوضات لإقناع شرطة تركيا المحلية أن طائر الوروار الصغير لا يشكل خطراً على الأمن القومي، وقصة مماثلة أحدثت بلبلة في السودان أواخر العام نفسه، ولكن باستخدام جاسوسٍ من نوعٍ أخطر من الأول، النسر.

هل سمعتم بقصة الجيش المؤلف من سناجب مزودة بأجهزة تجسس إلكترونية دقيقة، والذي تم القبض عليه يحوم حول منشأة نووية في إيران؟ أو خبر الجرذان المفترسة التي رمتها إسرائيل في الشوارع الفلسطينية لزرع الخوف بين منازل السكان؟

من أين أتى ذلك الهوس العربي بمؤامرة الحيوانات الإسرائيلية الجاسوسة، وكيف لمواطنين بسطاء أن يظنّوا أن حيوانات الطبيعة تشكل خطراً كبيراً على حياتهم، ويحقدوا عليها لدرجة تعنيفها وقتلها، كما حصل أوائل العام الجاري في الضفة الغربية، حين رجم المواطنون الفلسطينيون ضباعاً وهاجموها بالسكاكين، بدافع أن إسرائيل أرسلتها. هل الحيوانات الجاسوسة موجودة اليوم؟ ومن أدخلها في ألعاب الحرب البشرية؟

الحيوانات في الحرب

استخدم الإنسان الحيوان لأهدافٍ حربية منذ العصور القديمة، لا سيما الفيلة في الهند والامبراطورية الفارسية والصين. هنيبعل مرّ بها عبر الألب في الحرب البونيقية الثانية، والرومان استخدموا خنازير مطلية بسائل مشتعل لصدّ تلك الدبابات الحيّة. بطل الحرب العالمية الأولى كان كلباً ممرن على كشف الدخان السام والجواسيس، وبعض الحمامات الجاسوسة المزودة بكاميرات صغيرة. الحرب العالمية الثانية شهدت تجارب عدة، أهمها المشروع الأميركي الذي عمل على تزويد وطاويط بقنابل صغيرة لترميها فوق الأزقة في اليابان من دون نجاح يذكر، وفقمة السويد ضد غواصات الألمان، ودب بولونيا الذي كان يحمل الذخيرة على أرض المعارك. ما زالت الوكالة الاستخباراتية الأميركية تعمل على برامج تدريبية تستخدم فيها الدلافين لتحديد موقع الألغام تحت المياه، كما فعلت على ما يبدو في حرب فييتنام وحرب العراق عام 2003. عام 2014 أعلنت روسيا إعادة إحياء البرنامج التدريبي للدلافين الذي أطلق قبل سقوط الاتحاد السوفياتي، لتعمل مع أسطولها البحري.

كيفية تدريب الحيوان الجاسوس

شهدت الستينيات من القرن الماضي افتتاح حديقة حيوانات مثيرة للجدل في ولاية أركنساس الأميركية، الـI.Q. Zoo، التي كان يزورها السكان والسياح للاستمتاع بمباراة بايسبول، لاعبوها دجاجات، أو مباراة راكون في كرة السلة، أو الاستماع لإيقاع درامز من أداء بطة، أو عزف خنزير على البيانو. في ولايةٍ أخرى، كانت وكالة الاستخبارات الأميركية تعمل على تطوير أجهزة التنصت التي تزوّد بها حيواناتها المدربة. هذه كانت موضة العقد كما يتحدث عنها Bailey الذي شارك في برامج تدريب الحيوانات للاستخبارات الأميركية، لموقع smithsonianmag. يؤكد بايلي أنه هو ورفاقه لم يقعوا يوماً على حيوانٍ لم يتمكنوا من تدريبه ليقوم بأي شيءٍ، وذلك من خلال استخدام تقنية الإشراط الإجرائي التي أدرجها عالم النفس الشهير من هارفرد Skinner في منتصف القرن العشرين، والتي تعمل على تغيير سلوك الحيوان من خلال التلاعب بنتيجة ذلك السلوك، بواسطة التعزيز الإيجابي أو السلبي. وهكذا عمل بايلي مع علماء آخرين على تدريب حيوانات لتمثيل إعلانات تجارية كانت رائجة حينها، وحيوانات لأداء عرضٍ مرح في الحدائق، إلى أن قصدت وكالة الاستخبارات هؤلاء العلماء للاستعانة بخبرتهم لتدريب حيوانات تابعة لبرامج سرية.

فقد أرادوا العمل على حيوانات بحرية وبرية وجوية، وزرعوا أجهزة التنصت في آذان القطط، وحتى رأوا في الحشرات الصغيرة كالبعوض القدرة على تحديد مواقع الأشخاص في الظلمة. ولكن تغيّرت النظرة لمفهوم تدريب الحيوانات في منتصف السبعينيات، ولذا تم إرسال لجنة للتحقق من إساءة استخدام الحيوانات لدى وكالات أميركية عدة، وهذا ما دفع بالمنظمة التدريبية التي كان يعمل لديها بايلي، إلى وقف المشاريع المشتركة مع وكالة الاستخبارات.

يرى بايلي أن التكنولوجيا الحديثة سبقت تقنيات الحيوانات الجاسوسة بأشواط، وأن المخابرات لم تعد بحاجة لقطة ترسلها للعدو للتنصت عليه، فكبسة زر خفية من بعد تحقق الكثير. ربما هنا تتجذر مشكلة البلاد العربية، في أن أنظمتها وشعبها ما زالوا عالقين في القرن الماضي، حين كان الحيوان الجاسوس الأكثر خفية. ربما احتجنا ورشة عمل عما تمتلكه إسرائيل من تقنيات وأجهزة إلكترونية للتجسس، قد تبعد شكوك المواطنين ومسؤوليهم في المنطقة عن كائنات الطبيعة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image