شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
اغتصب من تعجبك وتزوجها!

اغتصب من تعجبك وتزوجها!

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 30 يونيو 201703:09 ص

"كنت أسمعهم يتهامسون: سنجبرها على الزواج منه، وإلا فسنضطر لقتلها، وكنت لا أستطيع النوم خشية أن يغافلني أحد إخواتي ويقتلني".

كانوا يخططون لتزويجها من مغتصبها وهي في سنتها الجامعية الأولى تحلم بمستقبل تصنعه لنفسها، هي الطالبة المتفوقة دائماً. أما المغتصب الذي تلقى حكم المحكمة بارتياح شديد، مع أنه لم يكن يخطط للزواج بعد، وجده الحل المناسب لجريمته التي كان يمكن أن يصل حكمها إلى أكثر من 15 سنة حبس وأصبحت سنتين. فهو من "سيستر" الفتاة التي اغتصبها وسيخلصها من عارها.

هذه قصة فتاة ترتاد بانتظام إحدى جمعيات رعاية المعنفات. كانت تتمنى أن تتحول قصتها إلى قضية رأي عام لولا خوفها من اكتشاف مكانها وملاحقتها من قبل أهلها، ومن انتقامهم منها. 

"هربت نعم، لم أستطع تحمل اغتصابي يومياً تحت غطاء شرعي اسمه الزواج. وإهاناته التي لا تنقطع كونه تزوج فتاة بلا شرف كما يراني. هذا عدا شعوري بأني مرفوضة من قبل كل من حولي، وكأني أنا من أخطأ. أنا ضحية كما غيري من بنات مجتمعي اللواتي يفضلن غالباً عدم الاعتراف بما تعرضن له خشية الفضيحة، فيبقين الأمر سراً وينجو الفاعل بفعلته. كنت أتمنى أن نثور لكوننا ضحايا عنف ما بعده عنف. لم أكن أعلم أن القانون يقف مع المجرم. بل لم تكن لدي أية فكرة عن القوانين التي تطبق علينا نحن النساء، إلا بعد أن أصبحتُ ضحية".

ضحايا جرائم الشرف

29.10.2009 هو اليوم الذي قرر فيه قاض سوري تبرئة شاب قتل أخته بدعوى الشرف. الجريمة تم التخطيط لها أكثر من عام، وبدعم مطلق من المحيط الاجتماعي، معلقاً بذلك وسام البطولة على شرف القاتل، ومديناً الضحية مرة أخرى، بعد أن أدانتها سكين الجاني الذي طعنها في صدرها وظهرها ورقبتها، بينما قدمه تعلو رأسها، دون أن يرف له جفن أو يهتز له " شرف". مقتطف من مقال لبسام القاضي نشر على موقع <a السّوار، حركة نسوية عربية، بعنوان "جرائم الشرف حين تنحط الرجولة إلى الذكورة". منذ ذلك اليوم أصبح تاريخ 29.10 اليوم العالمي للتضامن مع ضحايا "جرائم الشرف". لم تنته مثل هذه الحوادث بعد. بل تتكرر بالأسلوب نفسه كل عام وحتى اللحظة. فقد تم تزويج ل. (16 عاماً) من مغتصبها، الذي اعتدى عليها بعد أن اختطفها وأجبرها على ركوب سيارةٍ مركونةٍ في نهاية الشارع، منطلقاً بها بسرعة هائلة إلى مكانٍ مجهول. كانت ترتدي زيها المدرسي، متوجهة إلى منزلها بعد أن ودعت صديقاتها وبقيت بمفردها في الدرب الضيق المفضي إلى بيتها. لم يدم زواج ل. طويلاً على الرغم من أن النص القانوني يجبر المغتصب على زواج لا يقل عن سنتين أو ثلاث أو خمس حسب قانون كل دولة. إلا أن الفتاة لم تستطع تحمل هذا الزواج، إذ بقيت تشعر أنها تُغتصب كل يوم حتى دون أن يقترب منها. وتقول إنها لا تستطيع أن تنظر في عينيه أو تشم رائحة ملابسه. وحين سألتها محاميتها عن موقف أهلها من إصرارها على الطلاق، قالت: لا يهم، موتي أسهل من استمراري في العيش معه. تشير الدراسات إلى أن الكثير من مرتكبي جرائم الاغتصاب يكونون من ذوي السوابق، سرقات واعتداءات وجرائم متنوعة، وهؤلاء لن يتوانوا عن تكرار جريمة الاغتصاب. فهل يتزوج المغتصب كل ضحاياه؟ كثيرة هي الحالات أيضاً التي ترفض فيها الفتاة شاباً، فيشعر أنه طعن في كرامته. فما الحل ليحصل عليها؟ الاغتصاب سيضمن له الزواج منها وإعادة اعتباره لنفسه والانتقام منها.

الشكل الثاني للموت

في الدول العربية كافة، مع استثناءات قليلة، تخفف القوانين عقوبة قاتل ضحية الاغتصاب، الذي قد يكون الأخ أو الأب أو أحد أفراد العائلة أو القبيلة الذكور. فيرد القانون: يستفيد من العذر المخفف من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو إخواته في جرم الزنى المشهود، أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر، فأقدم على قتلهما أو إيذائهما أو على قتل أو إيذاء أحدهما بغير عمد، وتكون العقوبة الحبس من 5 إلى 7 سنوات في القتل. هذا في قانون العقوبات السوري، وبعد تعديل المادة 548، التي كانت العقوبة فيها لا تتجاوز السنتين، وفي دول عربية أخرى أقل من ذلك. قد يطالها عفو ما فتشجع الذكر في العشيرة أو العائلة على ارتكاب جريمة القتل ما دام قصاصه محدداً بمدة معينة يخرج بعدها رافعاً رأسه متباهياً بما ارتكبت يداه من غسل للعار. من جهة أخرى، وفي معظم الدول العربية أيضاً، يعفى الجاني من العقوبة في حال تزوج ضحيته. ففي لبنان مثلاً تنص المادة 522: إذا تم عقد زواج "صحيح" يعفى المغتصب من عقوبة السجن. وتنص المادة 508 في قانون العقوبات السوري على إعفاء المعتدي من العقاب. على الرغم من تعديل هذه المادة وإقرارها بحبس الجاني سنتين، حتى لو تزوج الضحية، فإن ذلك يعني تخفيف العقوبة، التي تمتد في بعض الحالات إلى 21 عاماً، ولا تقل عن سبع سنين مهما كان وضع الجاني أو المجنى عليها.

هل يكفي تعديل القوانين؟

علماً أن تعديل القوانين في حالات جرائم الشرف لا يكفي، فالمشكلة تكمن في أساس هذه القوانين ودعمها من قبل جهات ومرجعيات لا تقبل التطور ولا تعترف بحق المرأة في أن تعيش إنسانيتها. من فترة قصيرة، انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي إعلان عن ندوة بعنوان: هل المرأة إنسان؟ ليس ذلك مستغرباً، فالمشترعون ذكور، ومُصدرو الأحكام ذكور، والمجتمع العربي من محيطه إلى خليجه تحكمه العقلية الذكورية. ونشير إلى العقلية الذكورية لأن الرجولة مفهوم آخر يختلف عن الذكورة. الذكورة هي حالة بدائية يعود إليها الرجل حين يغيب العقل والمنطق، وحين يسود لديه الشعور بالتفوق على نصفه الآخر، فيتعامل معه بدونية وطغيان، ولا ينظر إليه إلا كوسيلة للمتعة وإشباع اللذة. الذكورة مفهوم يتقمصه أفراد القبيلة والعشيرة. قد يقول البعض: العيب في المرأة. إذ قال الداعية السعودي علي المالكي: من يتزوج ابنتك أو أختك، له فضل عليك، لحمله العار عنك. وهذا الداعية مفتوحة أمامه قنوات عديدة لينظّر من خلالها ويبث فكره السلفي. مجرد وجود المرأة في نظر البعض في الحياة، عار، فهي التي تحمل وزر الخطيئة كلها. كثيرون لا يصلون إلى هذا الحد في تبخيس المرأة، إلا أنهم لا يتوانون عن القول إنها صاحبة الفتنة والإغراء، بما تلبس وتضع من مساحيق على وجهها وما تقوم به من حركات تثير الرجل.

هل على المرأة أن تحمي نفسها بنفسها؟

أجابت الفنانة التشكيلية السورية صفاء الست عن هذا السؤال بالقول إنها إذا تعرضت في الطريق أو في مكان ما للتحرش، ترفع رأسها وتهاجم المتحرش بكل ثقة. ولكن هل تستطيع كل النساء القيام بهذا الفعل؟ وهل تكون هذه المواجهة كافية؟ أما النصائح السطحية التي تقدم للمرأة: ضعي في حقيبتك بخاخ، لا تسيري في الشوارع بمفردك، لا تلبسي ما يغري الرجال، فكلها حلول فردية وهامشية لا تجدي نفعاً. الموضوع يتطلب عملاً جاداً تشارك فيه كل الجهات المعنية، من جمعيات المجتمع المدني  ومؤسسات ووزارات وحكومات، لتغيير القوانين النافذة المتعلقة بالمرأة في مجتمعاتنا العربية، وليس تعديلها بما يتناسب مع مفاهيم الشرف والسترة والقيم الاجتماعية البالية، خصوصاً مع الردة الدينية المتطرفة التي باتت تنتشر في كل البلدان العربية.

تقول المحامية والناشطة في قضايا المرأة رولا عبيد: "دائماً تُساق حجج أن الشريعة الإسلامية هي العائق أمام إزالة مثل هذه المواد المجحفة بحق المرأة والتي تُميزها سلباً عن الرجل. والحقيقة أن هذه المواد ليس لها أي علاقة بالشريعة الإسلامية ولا تمت بصلة إليها لذلك من السهل تغيرها".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image