لا يستعيد أحد ملامح من كان وراء الكاميرا لتسجيل بورتريهات نجوم السينما المصرية، منذ أواخر أربعينيات القرن الماضي حتى نهاية السبعينيات، رغم كونه البطل لأكثر من بورتريه ذاتي. تصادف يوم 18 مارس، الذكرى الرابعة عشرة لرحيل المصري / الأرميني فان ليو (1921-2002) Van Leo.
عام 1896 سارت أول عربة ترام كهربائية في شوارع القاهرة، بعد ذلك بأكثر من 25 سنة تربى الطفل الأرميني ليفون إسكندر بويادجيان Levon Boyadjian بريف الزقازيق (محافظة الشرقية)، حين قدِمَت العائلة إلى مصر، هرباً من ثقل الولادة في تركيا، بعد مذابح الأرمن في الدولة العثمانية بعدة سنوات وما تلاها من ترحيل قسري.
طفولة ريفية
كان والده يعمل في شركة الترام في الريف المصري. سيسجل صديق للوالد صورة ليفون وأخيه في مشهد لمسرحية عن ولادة المسيح. يؤدي ليفون/فان ليو، دور الملاك طفلاً، ليبدأ مع هذه الصورة شغفه بالفوتوغرافيا. درس في مدارس البعثات الإنجليزية، ثم التحق بالجامعة الأمريكية في القاهرة عام 1940، تاركاً إياها ليحترف تصوير الفوتوغرافيا، ثم أسس استوديو خاصاً به في وسط القاهرة بعد سبع سنوات وحمل اسماً فنياً: فان ليو. قبل ذلك، وفي سن مبكرة، تعلّم التصوير في استوديو فينوس، لصاحبه الأرمني ارتنيان Artinian. [caption id="attachment_52454" align="alignnone" width="700"] فان ليو - بورتريه ذاتي[/caption]مغامرات وخدع
هناك إيحاء حسي يرتبط بأعمال ليو. سحر أو كهرباء يغلفان الأشخاص. لا ترتبط المسألة بسحر قِدَم زمن تألقه، النصف الثاني من القرن العشرين، حين سجل تفاصيل الحياة خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، بل يحيط غموض بصوره، ما يجعل أي بورتريه لفان ليو عملاً خالداً. كان يتقن لعبة الظل والضوء، يبدو بارعاً في صناعة مشهد مؤثر. يظهر ليو بمجموعة من بورتريهات لنفسه خلال مراحل عمرية مختلفة، تبدأ بالعشرين إلى ما بعد الأربعين. كان هذا جانباً من مغامرات فنية لم يتحمس لها زوار الاستوديو، وكان هو بطلها. [caption id="attachment_52522" align="alignnone" width="700"] فان ليو - بورتريه ذاتي[/caption] قد تخدع الملامح صاحبها إذا جددت زوايا التصوير. ذات مرة غافل درية شفيق (1908-1975) ليصوّرها بينما كانت تنظر إلى يمين الكاميرا. ظهرت كما لو أنها مصممة على قرار ما. جسدت هذه اللقطة وجهاً مختلفاً للرائدة النسوية المصرية. البورتريه ليس لحظة مسجلة، إنما يكشف حكاية. تخبر صوره بوجود حكاية أطول من هذا الكادر الثابت. كما لو أننا أمام شريط سينمائي لم ينل مشاهدوه إلا مشهداً وحيداً. لم تجذبه الألوان، بل كان حريصاً على التقاط الصور بالشكل الذي يُفضله، حسب درجات الأبيض والأسود. بلا ظلال لونية، وإن كان قد عالج بعض اللقطات لتحمل أطيافاً لونية. لوّن لقطة تجمع اثنين من راقصي أحد الملاهي الليلية. تظهر السيدة في زي راقص يكشف ساقها، بينما تغطي رأسها بتاج صغير، والرجل يحمل طبلة يدق عليها بأنامله السوداء. تسمع أصوات الدق وتتخيل حركة السيدة. يسجل ليو في هذه الصورة حياة كائنات عالم الترفيه الليلي، حين كانت مصر ملتقى لنجوم الترفيه في العالم، لإسعاد جنود الحرب العالمية الثانية.مجتمع صار أقل تسامحاً
أطل من شرفة استوديو شارع 26 يوليو/ فؤاد سابقاً على تحولات المجتمع المصري. شهد هذا الحي حين كان أوروبياً، مكاناً لحركة الأجانب والأنتلجينسيا المصرية المفتوحة على حضور جاليات أجنبية ويهود مصريين، غادروا بعد حرب عام 1957. عايش تحوّل الحي لمكان يتغذى على آثار ماضٍ يخبو، كان المصوّر شاهداً على ذلك، خصوصاً أنه مِن أبرز أبطاله. وكان وسط العاصمة المصرية مكاناً لعدة استوديوهات شهيرة للفوتوغرافيا، لكن المصوّر الذي حاز جائزة الأمير كلاوس عام 2000، كان قد ترك بصمة خاصة في فن التصوير، تختلف عن معاصريه. صوّر جنود الحرب العالمية الثانية، وكبار موظفي الحلفاء، وعدداً من نجوم هوليوود، الذين كانوا يحضرون إلى مصر للترفيه. كان المعتاد أن يروج المصوّر للاستوديو الخاص به، عن طريق لقب مثل المصور الخاص للملك فاروق ملك مصر والسودان، لكن ليو لم يسع لذلك. كان حرفياً، يقوم بجميع المهمات، يطبع الصور ويعالجها. كان يتصرف كفنان، وليس كصاحب مشروع تجاري. لم يتخل عن أسلوبه القديم، ظل وفياً للأبيض والأسود، مع رتوش لونية يضيفها عبر المعالجة. [caption id="attachment_52437" align="alignnone" width="700"] لوحة لفتاة ايطالية[/caption] [caption id="attachment_52465" align="alignnone" width="700"] طه حسين[/caption] خلال تأمّله لهذه التحولات حرق أرشيفه الشخصي. أشعل النار في أفلام سالبة لسيدات تعرّين أمامه لتجسيد خريطة أجسادهن لأن المجتمع صار محافظاً، بحسب ما يعترف في فيلم أكرم زعتري"هو وهي فان ليو"،(2001)Her + Him Van Leo من إنتاج المؤسسة العربية للصورة في بيروت. يكشف تأمّل ما تركه ليو عن تنوع زمنه. أبطال البورتريه فتيات مصريات، أرمينيات، إيطاليات، يونانيات، أمريكيات، إلى جانب مَن جئن ليصورن بورتريهات عارية. يؤكد، في الفيلم، أن ذلك تمّ بناءً على طلبهن. كانت جدة زعتري واحدة منهن، وصورها حين خلعت ملابسها عام 1959 باستوديو ليو. [caption id="attachment_52466" align="alignnone" width="700"] عمر الشريف[/caption] تَرَك ليو حصيلة بصرية هائلة، رغم أنه كان يتأمّل عمله بوصفه حرفة صارت إلى زوال. يشكو من عدم إقبال الناس على الصور التقليدية، من أجل تقديمها للمصالح الحكومية للحصول على الوثائق الرسمية. قلما قابل مَن يتحمس لخوض مغامرات فنية أمام كاميرته. لم يعد أحد يقبل على بورتريه الأبيض والأسود في مصر خلال سنوات المصور الأخيرة. ترك الاستوديو قبل وفاته بأعوام، ليضع إرثه تحت إشراف الجامعة الأمريكية في القاهرة، وكان قد ترك الدراسة فيها أواخر عقده الثاني من أجل شغفه بالكاميرا.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع