
الوشم في تونس: من الأمازيغ إلى الجيل الجديد
الأكثر قراءة
-
حياة
"المهم يعرف يبوس"... إجابات غريبة على سؤال هل تفضلين الرجل بشارب أم بدون؟
-
حياة
هل كُتب على المرأة دفن رغبتها الجنسية بعد الإنجاب؟
-
رأي
تأملات في النسوية (6)... هذه اللغة التي نحييها، هذه اللغة التي تقتلنا
-
رود تريب
جزيرة النساء وبوهيميون يمارسون الجنس في الشوارع... أساطير ومبالغات الرحالة المسلمين عن الآخر
-
حياة
زواج النبي من خديجة... الصفحة المحذوفة من "المنهج الرسمي"
تفننت الشعوب منذ القدم في فن الرسم على الجسد بتعبيرات مختلفة ولغايات متنوعة. ويعتبر الوشم من أقدم تلك الممارسات، إذ ظهر في مختلف الحضارات على مر التاريخ.
في تونس، ظهر الوشم مع الأمازيغ، السكان الأصليين للبلاد، إذ يعتبر تراثاً عريقاً وموغلاً في الثقافة الأمازيغية وجزءاً من هويتها. يسمى باللغة الأمازيغية "تِكاز"، واقترن أساساً بالمرأة وبدرجة أقل بالرجال، فلدى غالبية النساء الأمازيغات وشوم.
يتخذ الوشم بعداً جمالياً لدى الأمازيغ ويعتبر من أهم وسائل زينة المرأة طوال حياتها، فهي التي توشم عند سن البلوغ لتعلن عبر الأشكال والرموز والرسوم دخولها مرحلة النضج. وتضع الوشم في مختلف مناطق جسمها، كالوجه والذراع واليد والصدر والنهدين والرجلين والمناطق الحساسة من جسدها، ليتحول إلى لوحة فنية تخاطب الآخر لإثارة إعجابه. فيصبح للوشم دلالة جمالية إغرائية. أما الرجال فيكتفون ببعض الوشوم في اليد والذراع والأرجل.
الرسوم التي تملأ جسد الفتاة ليست عبثية، ولكل رمز دلالاته. من أبرز الرسوم المنتشرة عند غالبية الأمازيغيات علامة زائد (+)، ترسم على الخد وتعني حرف تاء في الحروف الأمازيغية، وهو اختصار لكلمة "تامطوت"، التي تعني الأنثى الجميلة. كما تختلف معاني الرموز حسب موضعها في الجسد، فالتي ترسم على النهدين مثلاً تحمل دلالات الخصوبة.
كذلك مارس الأمازيغ الوشم لغايات طبية، إذ كانوا يعتقدون أنه يشفي من الأمراض ويطلب الخصوبة للعاقر، ويدفع الحسد والعين ويحمي من الأوبئة. فكانوا يوشمون نقطة بجانب الأنف للحماية من أمراض الأسنان، أو بجانب العين للوقاية من الأمراض التي تصيب العيون.
كما أن للوشم وظائف غيبية، وكان يعتقد أنه يبعد الأرواح الشريرة ويبطل السحر، ويبعد الفقر والبؤس، عن طريق الرسوم والرموز التي توضع بدقة متناهية.
ومن بين أكثر الرموز استعمالاً النحلة، الحلزون، الثعبان، سنابل القمح، الشمس، العقرب، النجوم، غصن الزيتون، ورموز أخرى تحمل معاني كثيرة، وبعضها يرمز لمكان كل قبيلة أمازيغية.
حول الوشم جسد الإنسان الأمازيغي إلى لوحة فنية مقروءة غنية بالرموز والرسوم، تروي للأجيال اللاحقة خصائص هذه الحضارة، وتعكس النظام القيمي والثقافي لتلك المجتمعات.
مع ظهور الإسلام وانتشاره في البلاد واعتناق الأمازيغ له، لم يتخلوا عن هذه الممارسة رغم تحريم الأحاديث النبوية للوشم، بل انتشر أكثر خصوصاً لدى المجتمعات القبلية والبدوية والريفية، وتوارثته الأجيال حتى الاستقلال تقريباً (منتصف القرن العشرين)، حينها سيصبح للوشم دلالات مغايرة.
مع ستينيات القرن الماضي والدولة الحديثة، أصبح للوشم غايات مختلفة تماماً، وبدأ يفقد طابعه الأصلي، ولم يعد يحمل دلالاته الأصلية. وبات من العيب أن توشم المرأة، واقترن فقط بالرجال، وبالمفهوم الشعبي بالمنحرفين أو العاطلين عن العمل.
تغيرت الرسومات وأماكنها، ولم يعد الوجه مساحة لها، وأصبحت توضع أساساً على الرقبة والذراع والكتف والأرجل. ولم يعد للوشم أي رابط جماعي، وأصبح لكل رسم أو رمز دلالة تخص صاحبها فقط. وانتشرت رسوم ورموز القوة، مثل صور النسر والعقرب والتنين والأفعى، إضافة إلى الحرف الأول من اسم شخص ما، أو اسم الحبيبة.
السجون بدورها كانت حاضنة لعمليات الوشم بطريقة سرية، إذ يتم إدخال أدوات حادة بطرق غير قانونية، أو صنعها في السجن، ويجري استعمال حبر الأقلام الجافة. ويلاحَظ أن غالبية الرسوم التي توشم في السجن هي رسوم تحمل معاني الحرية والحياة، مثل الشمعة والمرساة والشمس.
مع الألفية الجديدة، ومع ما يعرف بأبناء الجيل الجديد، بدأ الوشم يفقد خصوصياته التقليدية ووسائله الأولية، وجانبه الهوياتي الأنتروبرلوجي، تأثراً بالمتغيرات التقنية. لكنه عاد ليشمل الذكور والإناث على حد سواء، كما بدأ مع الأمازيغ، وجميع الفئات العمرية. وأصبح ظاهرة في الشارع التونسي.
ولئن استعمل الأمازيغيون واللاحقون الذين توارثوا هذه العادة، خصوصاً في المجتمعات الريفية، اللون الأخضر وبصفة أقل اللون الأسود (استعمل الأسود لإبعاد السحر والأرواح الشريرة بحسب المعتقدات)، فإن أجساد الجيل الجديد أصبحت تحمل كل الألوان. وترجع عودة انتشار الوشم بطرقه الجديدة لانتشار المحالّ المختصة به، والتي أصبحت تستقطب الكثيرين، خصوصاً في فصل الصيف الذي يمثل مناسبة للتباهي بهذه الزخارف وإبرازها للعيان.
أما أسباب الإقبال على التاتواج فعديدة وتختلف من شاب إلى آخر، فالشباب اليوم يبحثون عن الاختلاف في المظهره بعيداً عن المألوف. كما أن للتقليد دوراً كبيراً في ذلك، إذ أصبح الشباب يقلّدون المشاهير من فنانين وممثلين ورياضيين حتى في نمط عيشهم.
كذلك لعبت العولمة بوسائلها المختلفة دوراً مهماً في انتشاره. ففي شهر رمضان 2015، عرضت قناة تونسية خاصة مسلسلاً تونسياً يحمل بطله وشماً يمتد من عضده إلى كتفه، ولقي المسلسل نجاحاً كبيراً ونسب مشاهدة عالية، لتنتشر على إثره عمليات التقليد للرسم الذي حمله البطل. فأصبح الوشم رمزاً لـ"أولاد مفيدة"، عنوان المسلسل الذي اعتبره البعض تجسيداً لحياة فئة كبيرة من الشباب التونسي.
الأكثر قراءة
-
حياة
"المهم يعرف يبوس"... إجابات غريبة على سؤال هل تفضلين الرجل بشارب أم بدون؟
-
حياة
هل كُتب على المرأة دفن رغبتها الجنسية بعد الإنجاب؟
-
رأي
تأملات في النسوية (6)... هذه اللغة التي نحييها، هذه اللغة التي تقتلنا
-
رود تريب
جزيرة النساء وبوهيميون يمارسون الجنس في الشوارع... أساطير ومبالغات الرحالة المسلمين عن الآخر
-
حياة
زواج النبي من خديجة... الصفحة المحذوفة من "المنهج الرسمي"
انضم/ي إلى المناقشة
jessika valentine -
منذ ساعةالمشكلة هي المجتمع واللغة انبثقت منه وتغذي هذا الفكر الذكوري. لن تتغير اللغة الا إذا نحن تغيرنا. وزيادة على الأمثلة التي قدمتها للغة العربية، الانكليزية ليست افضل حالا فيُقال للقميص الابيض الذي يُلبس تحت القمصان wife beater باللغة الانكليزية، والنق bitching. وعلى سيرة say no، يقول الذكور المتحدثون باللغة الانكليزية no means yes and yes means anal. على الدجاجة أن تكسر قوالب التربية لبيضها الإناث والذكور لان أحدا سواها لن يفعل.
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامit would be interesting to see reasons behind why government expenditure on education seems to be declining -- a decreasing need for spending or a decreasing interest in general?
Benjamin Lotto -
منذ 6 أيامجدا مهم البحث
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحلو نعرف ان كان اسلوب البرنامج ينجح في خلق نقاش حقيقي حول قضايا حقوق المرأة...
Chrystine Mhanna -
منذ اسبوعينصعب يا شربل.. معظم الناس لا يتحدثون صراحة عن تجاربهم الجنسية/الطبيّة وهذا ما يجعل من هذا الملف ضروري
Ahmed Gamal -
منذ اسبوعينتقديم جميل للكتابين، متحمس اقرأهم جداً بسبب المقال :"))