انشغل العالم مؤخراً بأخبار جائزة أكاديمية فنون وعلوم السينما، جوائز الأوسكار. من فوز ليوناردو دي كابريو أخيراً بعد ترشحه للجائزة ست مرات سابقة لم ينلها فيها، إلى الدعابات الطريفة التي أطلقها مقدم الحفل عن عدم ترشح أي ممثل أو تقني من أصول أفريقية لأي جائزة هذه السنة، موجهاً رسالة واضحة إلى إمكانية التمييز العنصري الذي حصل في الأكاديمية. بالنسبة إلى العرب، كان خبر خسارة الفيلم الأردني "ذيب" من أبرز ما تحدثت عنه وسائل الإعلام العربية.
بعد اعلان فوز ديكابريو كأفضل ممثل وخلال المؤتمر الصحافي الذي أقامه حفل توزيع الجوائز، تقدّمت صحافية مصرية، عرفت عن نفسها بأنها الصحافية المصرية الأولى التي تغطي حفل الأوسكار، وطرحت على الممثل العالمي سؤالاً أثار سخريته وضحك جميع من في القاعة استهزاءً، مما أثار موجة كبيرة من السخرية على صفحات مواقع التواصل الإجتماعي العربية و العالمية.
ليست الصحافية المصرية شيماء عبد المنعم المثال الأول للصحافة العربية في تقديم الحد الأدنى من المهنية وفي مواقف عدة وسياقات مختلفة. من عدم المهنية في تغطية حدث ما، إلى الانحياز الواضح إلى طرف ما في نزاع، وإلى مواقف لا إنسانية، إليكم قصة الصحافية المصرية، وأسئلة أخرى طرحها صحافيون عرب، كان يجب أن لا يطرحوها في مواقف مختلفة.
?What about it
أخيراً وبعد انتظار دام طويلاً، نال ليوناردو دي كابريو جائزة الأوسكار عن دوره في فيلم The revenant، الأمر الذي جعل المؤتمر الصحافي الخاص به مزدحماً بالأسئلة والافتراضات والتوقعات. قبل أن تعرف عن نفسها، حاولت شيماء عبد المنعم أن تخاطب دي كابريو لتلفت انتباهه بقولها: "هاي ليو". وبعد أن عرفت عن نفسها، طرحت سؤالها: "?Your first Oscar, what about it" ويعني: "جائزة الأوسكار الأولى لك، ماذا عنها؟". لم يفهم دي كابريو ماذا تقصد، فحاول أن يتملص من الموقف المحرج بأن سألها أن تعيد السؤال فأعادته نفسه، وبعد الضحكات التي أطلقها الجميع، حاول الفنان احترامها، وأجاب بأن الشعور رائع، وبضع كلمات عامة أخرى. اعتبر الكثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي الأمر فضيحة للعالم العربي وللصحافيين العرب، وتم تحميل الفيديو، ومشاركته على الكثير من صفحات موقعَيْ Facebook وTwitter مع تعديلات ساخرة وإضافات للهجة المصرية وغيرها، بينما قال آخرون: "لو أرسلنا ريهام سعيد لكان أفضل".مين ضربك خالة؟
في سبتمبر 2012، وقعت مجزرة ضخمة في مدينة داريا السورية في الريف الغربي للعاصمة، والملتصق بها في الغوطة الغربية، أوقعت نحو 230 قتيلاً مع التحفظ على الرقم، كون الاحصاءات الدقيقة من قلب الحرب السورية غير ممكنة. بشكل أو بآخر تتشابه المجازر التي حصلت في سوريا كلها بأجزاء من السيناريوهات بحسب كل طرف من الصراع، لكن ما أثبتته قناة الدنيا السورية في تقريرها عن هذه المجزرة، هو انعدام إنسانيتها. فبغض النظر عن إحدى القواعد الأولى في الصحافة التي تقتضي بعدم التركيز على المشاهد الدموية ووجوه الضحايا، تجولت مراسلة القناة بين الجثث، متهمة "الإرهابيين بقتل المدنيين"، ثم تصادف امرأة كبيرة في السن جريحة وملقاة على الأرض فتسألها: "احكيلنا مين ضربك خالة؟"ماما وبابا وينن؟
من منا لا يذكر حيدر، الذي تعرض لإصابة كبيرة في انفجار برج البراجنة الأخير في الضاحية الجنوبية لبيروت نوفمبر العام الماضي؟ لم يكن حيدر وحيداً في الشارع حين وقع الانفجار، بل كان مع ذويه في السيارة، وفقد والديه في الانفجار. وفي الوقت الذي يجول فيه مراسل قناة المنار على المستشفى ليجري مقابلات مع الجرحى، يلتقي حيدر، وبعد أن يسأله: "مين عمل فيك هيك؟" ويجيبه الطفل: "الانفجار"، يعاجله بسؤال آخر: "ماما وبابا وينن؟". فما كان من الطفل المسكين الذي لم يعلم شيئاً عن أهله، إلا أن أجابه: "بعدهن بالسيارة".عارف إنه صحباتك ماتوا؟
يوم 17 نوفمبر 2012، وقع حادث مروع في محافظة أسيوط المصرية. إذ أدى اصطدام قطار بحافلة مدرسية إلى كارثة بشرية، وصل عدد ضحاياها إلى 50 تلميذاً وسائق الباص وواحدة من معلمات المدرسة. كانت الكارثة هائلة إلى درجة تقديم وزير النقل المصري استقالته إثر وقوعها، بعد أن سبقها حادث مروع آخر بأيام. وذهب مراسل قناة الجزيرة إلى مستشفى أسيوط لينقل الخبر الدقيق إنما بعيد كل البعد عن المهنية، إذ حاول أن يتكلم مع أهالي الضحايا ويحثهم على قول أشياء لم يكونوا في حالة مناسبة لقولها. وبعد أن يسأل أحد الأطفال المصابين من الحادث عما حصل ويجبره على إعادة الجملة نفسها مرات عدة، يسأله عمن كان معه في الباص، فيقول الطفل: "صحباتي"، فيقول له المراسل: "عارف إن في ناس فيهم ماتوا؟".مين يلي قتله؟
في بداية الحرب السورية، قبل أن يتحول الضحايا إلى أرقام فقط، برزت أسماء عدة، كانت لقصصها إشكاليات تتعلق بتبادل الاتهام بين الطرفين حول من قتل تلك الضحية ولماذا. وكان للأطفال نصيب كبير من هذه الحرب الإعلامية، لأنهم الشريحة التي تثير التعاطف الأكبر بين الناس، فتسابق إعلاميو الطرفين المتصارعين في تصوير الأطفال الموتى، واستغلال قصص أمهاتهم لاستعطاف الرأي العام. من الأسماء التي اشتهرت عام 2011 في سوريا، كان الطفل ساري ساعود، الذي قتل في حي البياضة في حمص مع عدد من الأشخاص برصاص عشوائي، وقد أثار الخبر ضجة كبيرة كونه عرض أولاً على قناة الجزيرة على أنه قتل برصاص الجيش السوري، ثم حاول الإعلام السوري أخذ تصريح من والدته بأنه لم يقتل على يد الجيش السوري إنما على يد "الآخرين". وقد تم التركيز على هذه القصة كون ساري ابن عائلة مسيحية، وظهر صليب كانت والدته ترتديه في الفيديو المنشور لها وهي تبكي ابنها، هكذا ضرب الخبر وترين حساسين في الحرب السورية هما: الأطفال والأقليات. وفي الوقت الذي كانت الأم تبكي ابنها وهي في حالة هستيرية بعد وفاته بقليل، يسألها مراسل التلفزيون السوري الرسمي: "مين يلي قتله؟".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ يومالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يومينوالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت