اشتكى صديقي أمس من وضع المنطقة، وأبتدأ بلوم الآخرين، كالعادة. سألته ماذا يفعل كل منا فعلياً، لتحسين نفسه، وتالياً لتحسين مجتمعه؟ أجاب أنه مهما حاول فلن يتغير شيء "لأنهم لا يريدون لنا التطور". سألته: "إذا كان التغيير مستحيلاً، فلماذا تشتكي وتتعب نفسك؟" لم يجب. سألته من جديد "ماذا فعلت لتحسّن نفسك وغيرك؟" انتفض بغضب: "أخي ماذا تريد مني؟ أنا أنتظر المهدي! الخلاص لن ياتي إلا بظهور المهدي! هل فهمت؟". بعد ذلك، تمالك نفسه وقال "خلينا نلفلف الموضوع لأن كل شخص بيننا في وادي". لا يا صديقي... ليس "كل منا في وادي". إن شئت أم أبيت، فنحن كلنا في وادٍ (أو كوكب) واحد، تقريباً لمدة 75 سنة (حسب متوسط عمر الإنسان في منطقتنا). ومن هذا المنطلق، يجب إيجاد حل لإرتقائنا أو الكف عن الشكوى والبكاء وندب الحظ.
بعد حواري مع صديقي، قررت أن أجمع لكم أهم 8 عبارات يستخدمها العرب للتهرب من مسؤولياتهم تجاه أنفسهم:
نحن بحاجة الى قائد
هذه الجملة المفضلة للناصريين، ويكررها يومياً اليساريون، ويهمس بها القوميون والنوستالجيون عندما يتأففون. يمكننا وضع "المهدي المنتظر" هنا أيضاً، لأنه هو القائد الذي سيأتي بالخلاص إلى المؤمنين.
هنا لدي سؤالان. الأول بسيط: وإن لم يأت هذا القائد إلا بعد 700 أو 1000 سنة أُخرى، فماذا نفعل؟ والسؤال الثاني عملي وهو: هذا القائد الذي سيقلب الأمة رأساً على عقب، كيف سيقلبها؟ ما السياسات التي سيتخذها؟ هل يعرف مقدار التحدي الذي سيتصدى له؟ إذا أوقفت التدخين اليوم تحتاج إلى 15 سنة لتنظيف رئتيك! باراك أوباما بكل قوة وديناميكية أمريكا لا يزال يلوم سياسات جورج بوش، بعد 8 سنوات من انتهاء عهده! ما بالك بكوارثنا؟ كيف سيغير هذا القائد 360 مليون شخص في العالم العربي خلال حياته القصيرة؟ أضف إلى ذلك: إن قام فعلاً "بالنهوض" بالأمة لدرجة أرعبت أو أزعجت الغرب وجيرانه، فكيف سيتعامل مع ترسانة إسرائيل النووية إذا فرضت عقوبات تجارية عليه؟ وإن جرى التضييق عليه، فكيف سيتسلح هذا القائد ويدافع عن بلده، علماً أن منطقتنا من شرقها إلى غربها لم تستطع بعد أن تصنع سيارة، ناهيك بأسلحة ثقيلة قوية\رادعة؟
علينا بحالنا
جملة مفضلة عند الكثير من أهل الريف، ومحبوبة جداً لدى الأقليات. من مترادفات هذه الجملة: "علينا بهمومنا!" أو "فخار يكسر بعضه!". على ميزان "الانهزام" هي أفضل بقليل من "نحن بحاجة إلى قائد"، لأن أغلبية من يؤمن بهذه النظرية يفعلون شيئاً ما لتحسين دائرتهم القريبة، ويتركون الآخرين وشأنهم. ولكن بالفعل، هي كمحاولة تفكيك قنبلة بوضع غطاء عليها. أنتم يا سادة جزء من منظومة اجتماعية، حتى إن لم تعجبكم هذه المنظومة، فلا حل لدينا إلا إذا رجع مسبار كيوريوسيتي من المريخ وأبلغنا أن العيش هناك ممكن. التخلّف كالسرطان إن لم يستأصل، ينتشر في سائر الجسم، أي في موضوعنا هنا: سينتشر حتى في القرى ويتوغل في الأقليات.
لأن الحق يفوز دائماً
إذن، فإن لاس فيجاس على حق؟ هي من أكثر مدن العالم "فوزاً". وإن كان الحق دائماً يفوز، فتوقيته بطيء! فأنا أضعت أكثر من 30 سنة من حياتي ولم أرَ الحق فائزاً على نحو يرضي أي شخص عاقل في منطقتنا، ولن أنتظره أكثر. أحبذ أن أجرب أن أحسّن من الوضع بنفسي، حتى لو فشلت.
قضاء وقدر
مصيبة فكرية، كارثة بشرية، أيقونة الانهزامية. اعتادت الناس على مقولة "هل تقطع شارعاً مكتظاً بالسيارات مغمض العينين، وتترك مصيرك للقضاء والقدر؟". هو مثال ظريف، ولكن الناس تنسى: فعلياً، عدم الاكتراث وعدم المساءلة والسكوت عن وضعنا المتفاقم يجرنا كلنا إلى شارع فيه سيارات وباصات ومناشير وسيوف وقنابل وداعش وبطالة وكوارث بيئية وتعليمية واقتصادية...
مؤامرة!
أكثر كلمة منتشرة في العالم العربي بدون منازع. لو أعطوني دولاراً كُل مرة سمعت فيها كلمة مؤامرة، لأشتريت أكبر لوبي في عاصمة التآمر العالمية واشنطن وتآمرت على أكبر المتآمرين. يجب علينا فهم مبدأ مهم: "هم" لا "يلعبون بنا" كما يظن معظم الناس. نحن مصممون أن نكون خارج اللعبة. إن كانت هناك فعلاً مؤامرة، فحصن حالك ضدها يا أخي! كلما تثقف وتحسن وأرتقى الشعب، صعب التآمر عليه!
الله يعين
جملة المؤمنين المفضلة، تستخدم بكثرة حتى أصبحت أداة لختام الكلام: "ما هذا؟" "الله بيعين!". كالكثير من النصوص، أُسيء استخدام هذه الجملة. في تعاليم جميع الأديان السماوية، يكافىء الخالق من يعمل جاهداً، يقدّر من يحسن نفسه ويساعد من يستاهل.
لافائدة
جملة ترددها شريحة واسعة من العرب: من الكحوليين إلى رواد المقاهي إلى مدمني لعبة كلاش أوف كلانز على الآيباد. تراهم يقولون "ما في فائدة" بينما ينعكس ضوء اللعبة على أعينهم. يجب التمييز بين هذه الجملة وجملة "قضاء وقدر"، إذ إن معظم قائليها قد سبق أن حاولوا (مرة أو مرتين في الأكثر) أن يحدثوا تغييراً.
جوابي لكل من قال "لا فائدة": أكتب "قصة نجاح" في غوغل واقرأ بضع قصص النجاح من الآلاف المتوافرة، سترى أن كلمة "مثابرة" هي من أكثر الأفعال رواجاً بين الناجحين.
نحن شعب لا يفهم الا بالضرب!
على غرار هذه الجملة، كلمتا "خرجْنا"، "نستاهل" أو في أقصى الحالات: "العرب جرب". ثلاثة أنواع من العرب يكررون هذه العبارة: عرب فوقيون لم يُضربوا بحياتهم (على الأغلب يسكنون في أوروبا أو أمريكا)، عرب يعانون بشدة من عقدة النقص، وعرب شبعوا ضرب وباتوا من المصابين بمتلازمة استكهولم. لا أعتقد أنه ينبغي لي الإجابة عن هذه العبارة "الماجنو-إنهزامية". ما هذا؟ نحن ذوو DNA فاسد؟ هل تشمل أولادك مع هذا الشعب الذي لا يفهم إلا بالضرب؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ 18 ساعةأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ يومحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ يومينمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 4 أيامtester.whitebeard@gmail.com