تركّز المؤسسات العربية المتخصصة بالترجمة اهتمامها على نقل الأدب الأجنبي إلى الثقافة العربية والترويج له عبر وسائل الإعلام المختلفة، ولكن لا توجد مشاريع حقيقية تهتم بترجمة الثقافة العربية إلى اللغات الأخرى. هناك محاولات فردية تخضع غالباً للمصالح والعلاقات الشخصية، ومشروعات أجهضت بسبب الفشل في توزيع ما تمت ترجمته.
أليفة رفعت، الأكثر ترجمة في الغرب
تختلف آراء المترجمين والمثقفين حول هذا الواقع باختلاف اللغات التي يتعاملون معها، لكنهم يتفقون على أن الأدب العربي يعاني من عزلة. فالصورة التي تهتم بها المركزية الأوروبية هي الصورة التي تبدو فيها المجتمعات العربية حافلة بالفساد والتخلف والرجعية.
الكتب الإسلامية تتصدر الترجمات العربية في فرنسا
اعتبر المستشرق الفرنسي ريشار جاكمون أن حركة الترجمة من العربية في الدول الأوروبية الكبرى لا تزال ضعيفة، ولا تزيد على 1% من مجموع الترجمات. لكنه يلفت إلى أن نسبة الترجمة من العربية إلى الفرنسية قد تزايدت في الفترة الأخيرة بسبب وجود نوعين من الكتابة: الأدب الحديث، والكتب الدينية التي انتشرت خلال العقود الأخيرة، وأصبحت من الظواهر الملحوظة في فرنسا، ومنها ترجمات القرآن، والكتب الصوفية، والمؤلفات التي تتناول السير الذاتية للشخصيات التاريخية الإسلامية. وقال صاحب "بين كتبة وكتاب" لرصيف22: "الكتب الإسلامية هي التي تتصدر الترجمات العربية في فرنسا".
وذكر المستشرق الفرنسي أن الاهتمام الدولي بالقضية الفلسطينية، بعد هزيمة 1967، ساعد على تغيير نظرة الغرب للثقافة العربية، ولذلك شهدت السبعينيات من القرن الماضي أولى الترجمات الإنجليزية والفرنسية للسوداني الطيب صالح، وللمصري نجيب محفوظ وللفلسطيني غسان كنفاني وللمغربي محمد شكري وللشاعر الفلسطيني محمود درويش والسوري أدونيس وغيرهم. وينبّه إلى أن أول ترجمة لأعمال نجيب محفوظ كانت عام 1970 لروايته "زقاق المدق"، أي بعد 23 عاماً من نشرها بالعربية، الأمر الذي يعكس عدم الاطلاع الفرنسي على الإنتاج الثقافي العربي خلال الخمسينيات والستينيات. وأشار جاكمون إلى أن التطورات السياسية الأخيرة وسقوط النظام البعثي في بغداد والتطورات السورية أدت إلى ظهور ترجمات لعدد كبير من الكتاب العراقيين، كجنان جاسم حلاوي، بتول خضيري، محمد خضير، وعلياء ممدوح، وسوريين كخالد خليفة وسمر يزبك.الغرب لا يترجمنا
أدار المترجم الدكتور محمد عناني مشروع الهيئة العامة للكتاب للترجمة من العربية إلى اللغات الأخرى بين عامي 1986 و2004، تاريخ توقّف المشروع، مخلفاً وراءه عدداً من الترجمات التي تملأ مخازن الهيئة الآن، بعد الفشل في توزيعها.
يستشهد عناني بمقولة هنري وايموت، مترجم الجزء الثاني من رواية الأيام لطه حسين إلى الإنجليزية، التي وصف فيها الأدب العربي قائلاً: "إن هذا أدب غريب ينتمي إلى بلدان متخلفة علمياً وصناعياً واقتصادياً"، ويعتبر أن هذه المقولة هي مفتاح فهم الغرب لآدابنا العربية.
وقال لرصيف22: "الغرب لا يترجمنا، ولا يقدم الأدب العربي المشرق الوضاء إلى القارئ الأوروبي، بل إنه يختار أشياء لا تمثلنا، ويقنعوننا بأن نصدق أن هذا هو الأدب العربي. الغرب يتصور أن الأدب العربي ينحصر في الشعر الجاهلي الذي قدمه بعض المستشرقين، وفي الأدب الشعبي متمثلاً بألف ليلة وليلة التي ترجمت إلى الإنجليزية في القرن التاسع عشر. ولا شك أن الرحالة الأوروبيين الذين زاروا الشرق في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر رسخوا صورة ذهنية متدنية عن الشرق، ولكن ثمة تغيّرات سياسية أدت إلى اهتمام الغرب بترجمتنا ولكنها أيضاً كانت ترجمة موسومة بتلك النظرة الدونية المترسخة في أذهان الغرب عن الشرق الذي يرونه دائماً متخلفاً، وحافلاً بالإرهاب والعنف".النظرة الاستشراقية للأدب العربي
هناك مشروعات غربية حرصت على ترجمة الأدب العربي، منها مشروع "ذاكرة المتوسط" وهو مشروع أوروبي يهدف إلى ترجمة 20 كاتباً وكاتبة من العالم العربي في مجال رواية السيرة الذاتية، لكنه توقف قبل إنجازه لنصف عدد الروايات. من ضمن ما ترجمه كانت رواية "دنيازاد" للمصرية مي التلمساني.
انطلاقاً من تجربتها مع هذا المشروع، قالت التلمساني لرصيف22 "إن النظرة الاستشراقية للأدب العربي ما زالت حاضرة في أذهان الناشرين وفي اختيارات الترجمة. ولو أردنا الدقة وافتراض حسن النوايا، علينا أن نتذكر أن الترجمة تخضع أيضاً لمعايير تسويقية، فالقارئ الأوروبي العادي يهتم بالأدب العربي ويشتريه ليتعرف على مجتمعات معيّنة عبر قضايا اجتماعية وسياسية، هي عادةً نفس القضايا المطروحة على الساحة السياسية. هذا القارئ يتوقع أن يضيف الأدب إلى معلوماته المستقاة من نشرات الأخبار شيئاً جديداً، ممتعاً، فكرة أو حكاية تساعده على فهم ما يحدث في الواقع العربي اليومي". وأضافت: "أما التجريب في الرواية وفي الأدب عامة فلا يهم هذا القارئ بالضرورة، لذا نجد أن الروايات ذات المضمون التشويقي (ومنها روايات نسوية وتاريخية ذات مضمون سياسي أو نضالي) هي التي تحظى بالاهتمام في مجال الترجمة. ولذلك يظل سوق الأدب العربي المترجم محدوداً ولا يتفاعل مع الآداب العالمية على مستوى إنتاج وترسيخ القيمة الأدبية إلا في حدود ضيقة. لذلك نجد أن الأدباء والنقاد والباحثين الأكاديميين في الغرب قلما يتحدثون عن تأثير نجيب محفوظ، وله قراء كثيرون في العالم، على النوع الروائي أو عن دوره في تجديد هذا النوع كما يحدث مثلاً في حالة كتاب مثل بروست وبورخيس وكونديرا وساراماغو وغيرهم.محفوظ فتح الأبواب لترجمة الأدب العربي
أستاذ الأدب الإيطالي الدكتور حسين محمود استعاد مقولة عميد المستشرقين الراحل فرانشيسكو غابرييلي، مترجم ألف ليلة وليلة الذي كان يمتنع عن ترجمة الأعمال الروائية العربية، وكان يقول: "على العرب أن ينتظروا حتى يظهر من بينهم روائي في قامة تولستوي حتى يمكن ترجمتهم إلى اللغات الأوروبية". وعلّق محمود: "هذا كان في السبعينيات، وقد تغير الحال الآن، وأثبت العرب تميزهم في فن الرواية".
مواضيع أخرى:
"سور الأزبكية": نهضة ثقافية يُبددها سوق "العزيز بالله"
ذكريات عن لقاء الشيخ إمام بالشاعر أحمد فؤاد نجم في حارة "خوش قدم"
وأضاف لرصيف22: "كانت هناك دائماً مؤسسات إيطالية مهتمة بترجمة الفكر العربي بصفة عامة، ولكن الأدب انتظر طويلاً حتى يتم تقديمه إلى القارئ الإيطالي. كانوا يترجمون، من وجهة نظر استشراقية في الأساس، ما يحتاجون إليه في المواجهة بين ثقافتي عالمين مختلفين حتى وإن كانا قريبين جغرافياً. ولكن بعد حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل فُتحت أبواب ترجمة الأدب العربي. أثار هذا الأديب اهتماماً كبيراً والآن نستطيع أن نجد ترجمات لرواياته في أكبر دار نشر إيطالية وهي فلترينيللي".
وتابع: "هناك أيضاً أعمال الأدباء العرب المهاجرين في إيطاليا مثل عمارة لخوص وصالح مثناني، وهي تترجم مباشرة إلى الإيطالية قبل نشرها بالعربية، وعدد هؤلاء يزيد على المئتين، منهم عدد قليل من المصريين. وهناك أدباء مصريون ترجمت أعمالهم أكثر من مرة مثل جمال الغيطاني، كما تُرجمت أعمال لصنع الله إبراهيم ومجيد طوبيا وبهاء طاهر. ويعمل عدد من النقاد والمستشارين الإيطاليين في دور النشر الكبرى على اختيار الأعمال المترجمة، ويعتمدون في ذلك على كشافين لهم في الدول العربية، ولكن هؤلاء الكشافين يقدمون أصدقاءهم أو الأعمال التي تتفق مع ذائقتهم، وغالباً لا يكونون مؤهلين تأهيلاً علمياً وثقافياً كافياً لاختيار الأعمال المهمة". واعتبر محمود أن الرأي الذي يقول إن الغرب يتعامل مع الأدب العربي كوثيقة اجتماعية فاضحة، لا ينطبق على إيطاليا تحديداً نظراً للتقارب الثقافي، ولكنه ينطبق على وسائل الإعلام وبعض دور النشر التي تهتم بالربح المادي وتجري وراء الأعمال الأكثر رواجاً، وهي الأعمال التي تُظهر الشرق المتدني الغريب والمتخلف.نشر الموضوع على الموقع في 17.07.2015
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...