مهما اختلفت الثقافات وتعددت الخصائص الحضارية للبشر، يبقى الإنسان ميالاً إلى اختزال تجاربه في الحياة والمجتمع عبر مقولات وأمثال تبقى خالدة لمئات السنين. رغم أن هذه الأمثال والحكم كثيراً ما تتمحور حول نفس المعاني، على اختلاف الثقافات، إلا أن صياغتها وتركيبتها تكون مختلفة باختلاف اللغة. على سبيل المثال، كثيرة هي الأمثال المتكررة في اللغة العربية واللغة الانجليزية، المختلفة من حيث الشكل والمضمون، أو المتطابقة على جميع المستويات. ما هي أهم هذه الأمثال؟ وكيف يمكن تصنيفها من حيث درجة التشابه؟
اختلاف في الصياغة، تشابه في المضمون
تحمل بعض الأمثال العربية والانجليزية مضامين متشابهة، ولكنها تختلف من حيث التركيب، ويوجد العديد من الأمثلة على ذلك.
في هذين المثلين، يتفق المتكلمان العربي والانجليزي على صعوبة تغيير سلوك ما بمجرّد مرور الزمن. وبينما يلخص المتكلم العربي مفهوم الزمن في ثنائية "الشباب" و"الشيب"، يُلخصه المتكلم الانجليزي في ثنائية الماضي والمستقبل.
يتفق هذان المثلان فى أن العُسر مسألة عابرة، وأن الفرج آت دون شك. وبينما يستخدم المتكلم العربي معجم العسر واليسر بشكل مباشر، يعمد المتكلم الانجليزي إلى أسلوب الاستعارة، ويُلخص مفهوم العُسر في صورة العاصفة، واليُسر في صورة إشراقة الشمس التي تعقبها.
يختزل هذان المثلان فكرة الوضع السيئ والذي يزداد سوءاً بعد القيام بعمل ما. بينما يعتمد المتكلم العربي على صورة الطين الذي يصير غير قابل للاستخدام بعد إضافة الماء إليه، يعتمد المتكلم الانجليزي على صورة الألم الذي يعانيه الإنسان بسبب إصابته بجرح معيّن، ثم نضيف له الألم المعنوي الذي ينتج عن الإهانة أو الإساءة.
يتفق هذان المثلان على أن إثبات الشيء يكون بالعمل على تحقيقه وليس بالحديث عنه. وبينما يعتمد المثل العربي على أسلوب مباشر يُلخص عُلْويّة العمل على القول، يعتمد المثل الانجليزي على أسلوب التشخيص، ويصوّر القيام بالشيء على أنه أكثر فصاحة من مجرّد الحديث عنه.
يُستعمل هذان المثلان في نفس السياق للتعبير على معنى التقارب بين الأشياء المتشابهة، ويعتمد المثلان على صورة الطيور التي تقترب من بعضها البعض اعتماداً على درجة التشابه بينها. ولكن يوجد اختلاف صغير بين المثلين يتلخص في طبيعة الفعل المُستخدم للتعبير عن تقارب هذه الطيور، فبينما يستخدم المتكلم العربي فعل "تقع" للتعبير على هذا المعنى، على اختلاف أسبابه، يستخدم المتكلم الانجليزي فعل "طار" أو "سافر"، فيصير سبب الاجتماع بينها أكثر تخصيصاً.
تطابق في الصياغة والمضمون
تكون درجة التشابه في هذا الصنف من الأمثال كبيرة، تصل حدّ التطابق، فتبدو الأمثال وكأنها نتاج لتجربة إنسانية واسعة وليس فقط لإطار ثقافي بعينه.
يوجد تطابق بين المثلين من حيث التركيب والمعنى على أن الصديق الحقيقي هو الذي نلمس مساندته عند الحاجة. قد يُفسر هذا التطابق بالبُعد الكوني لمفهوم الصداقة، والاتفاق الحاصل على أهميتها مهما اختلفت الشعوب والتجارب الإنسانية.
يتّسم هذان المثلان بتطابق مطلق أيضاً، فكلاهما يحثّ على عدم تأجيل القيام بعمل معيّن ما لم يوجد داع لذلك. وقد يُفسر هذا التطابق أيضاً بالاتفاق الحاصل بين الحضارات والشعوب على ضرورة العمل المتواصل ونبذ التكاسل وتأجيل الواجبات دون مبرّر.
يتفق المثلان بشكل مطلق على أن الموافقة على شيء قد لا تكون بالتعبير المباشر والصريح، ويكفي أن يسكت الإنسان حتى يُفهم أنه غير معارض لأمر ما. قد يُفسّر هذا التطابق في المعنى والتركيب بكون السكوت سلوكاً بشرياً لا يختلف من حضارة إلى أخرى، وبأن الموافقة لا تكون حتماً بالكلام في جميع اللغات.
يختزل المثلان في صورة متطابقة مشهد الضعيف الذي يتحين غياب القوي ليكون أكثر بروزاً على الساحة في استعارة الفأر الذي لا يجرؤ على الخروج من جحره عند حضور القط. قد يُفسر التطابق هنا أيضًا بكون هذا السلوك في فطرة البشر، ولا يُختزل في ثقافة أو حضارة بعينها.
يُعبّر هذان المثلان بشكل متطابق على وضعية الهدوء الذي يسبق حصول كارثة معينة، ويؤكدان أن هذه الظاهرة أيضاً لها بُعد كوني، ولا ترتبط بثقافة دون سواها.
إذا واصلنا البحث في الأمثال التي تحمل معاني وتراكيب متشابهة في اللغتين العربية والانجليزية، قد تصير القائمة أطول بكثير لتشمل أمثالاً أخرى تتعلق بمسائل مثل التشابه بين الابن وأبيه، وتفضيل عصفور في اليد على عدة عصافير فوق الشجرة، والعلاقة الشرطيّة بين سلامة جسم الإنسان وعقله، وغير ذلك من المعاني المتكررة في اللغتين. غير أن الجدير بالبحث في هذا المستوى هو مقارنة درجة التقارب الحاصل بين العربية واللغات الأخرى من حيث الأمثال والحكم. وبالنظر إلى الاختلاف الكبير بين الحضارتين العربية والانجليزية، دون أن يمنع ذلك حصول توافق كبير بين اللغتين من حيث المعاني المُختصرة في الحكم والأمثال، يجدر التساؤل عن درجة التشابه الحاصل بين العربية ولغات قريبة منها جغرافياً وحضارياً وثقافياً، مثل الفارسيّة والكرديّة والأمازيغيّة؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أيامرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 5 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ اسبوعينخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين