عائلة أبي مصطفى المكونة من زوج وزوجة وأربعة أطفال هي إحدى العائلات التي عادت إلى كوباني. وحين وجدت منزلها القابع أسفل تلة "مشتى النور" (أعلى تلة في كوباني) مدمّراً، وضعت خيمتين مكان المنزل المهدّم ولا تزال تعيش فيهما حتى الآن.
حلم العودة
عائلات كثيرة نزحت من مدينة كوباني، في محافظة حلب السورية، منتصف يوليو 2014، بعد هجوم وسيطرة داعش على عشرات القرى وأجزاء كبيرة من المدينة. كانت هذه العائلات تردّد "هل نعود يوماً إلى أرضنا؟"، وكأن العودة حلمٌ بعيد المنال.
ولكن كوباني وريفها شهدا العام الماضي معارك قاسية خاضها المقاتلون الأكراد في وجه تنظيم داعش، بمساندة من طائرات التحالف الدولي، وتمكّنوا من استعادة السيطرة على المدينة وريفها. إلا أنها حُرّرت بعد أن دمّرت الحرب الكثير من أبنيتها.
منذ البداية، كانت العائلات النازحة تتمنّى العودة حتى ولو كان ذلك إلى خيمة فوق المنازل المدمرة، لأن حياة اللجوء لم ترقها. والبعض عاد بالفعل فور توقّف المعارك. أزال العائدون ركام منازلهم المهدمة، ووضعوا مكانها خيماً، ليترجموا أمانيهم إلى واقع.
هنا كان منزلنا
وقالت أم مصطفى، ربّة المنزل، لرصيف22: "في هذا المكان كان منزلنا. كان يتألف من غرفتين ومساحته خمسين متراً. أزلنا الركام، ووضعنا خيمتين، إحداهما للنوم والأخرى نستخدمها كمطبخ وغرفة للمؤونة والغسيل وتجهيز الطعام. منحتنا الإدارة الذاتية الديمقراطية الكردية في كوباني هاتين الخيمتين".
تعيد المرأة أسباب تحملهم العيش في هذة الظروف إلى أن العودة إلى مدينتهم "كانت حلماً بعيداً بعد هجوم تنظيم داعش". وأضافت: "نزحنا إلى تركيا. كنا نتابع أخبار مدينتنا كما كل الناس. لم نستطع تصديق أننا سنعود. وكثير من العائلات كانت تقول إنها ستعود إلى المدينة مهما كانت الحياة صعبةً وقاسية فيها".
التشبث بالمدينة
عائلات كثيرة يتشابه وضعها مع وضع عائلة أبي مصطفى، وتعيش في خيم نُصبت مكان منازلها المدمرة.
الصحافي رضوان بيزار، ابن مدينة تل أبيض، كان يقيم في كوباني بعد الحرب ويعمل مراسلاً لإحدى القنوات التلفزيونية الكردية، قال لرصيف22 "إن إصرار أهالي كوباني على العودة والعيش في بلدة مدمرة عن بكرة أبيها، هو دليل على تشبث أهلها بمدينتهم"، وتابع أن "ذلك يمنح دفعاً إيجابياً للعيش في هذه المدينة التي تلملم نفسها من جديد".
إلى جانب الخيمتين، يلعب مصطفى مع أخته الكبرى التي تحمل أختهما الصغيرة على ظهرها وتسير بها. هم لا يعلمون كثيراً عن قسوة الواقع الذي يعيشونه، لكن بنظرة إلى وجوههم وثيابهم سيتبين أنهم يعيشون في ظروف صعبة ووضع اقتصادي سيئ.
يوميات متقشفة
تقف الوالدة أمام قدر الطعام المثبت فوق الأحجار خارج الخيمتين، لتطهو لعائلتها، محاولةً إقناع نفسها بالتأقلم مع الواقع. وقالت: "زوجي عامل حرّ. كل ما يجنيه في اليوم لا يكفي ليوم واحد. ولم يقم أحد بمساعدتنا لإعمار منزلنا".
وأضافت: "عُرض علينا العيش في منازل فارغة من أهلها في كوباني، لكننا لم نقبل بذلك ورغبنا بالعيش في منزلنا"، وتابعت: "تقوم بعض المنظمات الإنسانية العاملة في كوباني بجلب بعض المواد الأولية إلينا، كما يتم منحنا الماء بالمجان".
وروت أن ابنها مصطفى الآن في الصف الثاني وأخته في الصف الأول الابتدائي، بينما طفلاها الآخران صغيران. وقالت: "هم متأقلمون مع الوضع الحالي لأنهم صغار، لكن كيف سيعيشون في المستقبل إنْ بقينا في هذه الظروف".
ترى أم مصطفى أن لا حل آخر أمامهم سوى العيش في الخيمتين، فهو على الأقل أفضل من البقاء والعيش في تركيا كنازحين. "لم نصدق أن كوباني تحررت وعدنا إليها، لا نتمنى عودة تلك الأيام، لكن نريد أن يبنى بلدنا من جديد"، قالت.
كوباني وحلم إعادة الإعمار
في فبراير 2015، بعد استعادة السيطرة على كوباني بشهر، أعلنت "الإدارة الذاتية الديمقراطية" الكردية في كوباني، في مؤتمر صحافي، عن مشروع "إعادة إعمار كوباني".
سمحت آنذاك لعشرات المؤسسات الصحافية بالدخول والتجوّل في المدينة التي تم تدمير أكثر من ثلثيها، وتسعون بالمئة من منازلها لم تعد صالحة للسكن، باستثناء الحي الغربي.
وبعدها أُطلقت فكرة تحويل المدينة إلى متحف، لكن الفكرة لم تلق قبول غالبية أهالي المنطقة بشكل خاص والأكراد السوريين بشكل عام، ما أجبر الإدارة الذاتية على التخلّي عنها.
ثم أطلقت الإدارة الذاتية نداءً للمنظمات الدولية ولهيئات الأمم المتحدة ودول العالم، للمساهمة في إعادة إعمار المدينة. وفي بداية مايو 2015، عقدت لجنة إعادة إعمار كوباني مؤتمراً في مدينة "ديار بكر" التركية بحضور 300 شخصية من أجزاء كردستان الأربعة وممثلين عن دول أوروبية.
نتج عن المؤتمر تشكيل "منسقية إعادة إعمار كوباني" التي خرجت بورقة تضمنت 16 بنداً، من ضمنها تشييد مشفى مجهز بشكلٍ كامل في كوباني، وإزالة بقايا الألغام والمتفجرات من المدينة، وهدم الأبنية المتصدعة والمتضررة والبناء بمشاركة جماعية، مع العمل على إعادة الأهالي النازحين إلى المدينة.
وبعد مؤتمر إعادة الإعمار، عقد البرلمان الأوروبي في بروكسل، في يونيو 2015، مؤتمراً لتقديم الدعم لمدينة كوباني وإعادة إعمارها، بحضور ممثلين عن الاتحاد الأوروبي ومنظمات عالمية والولايات المتحدة وكندا، وذلك تحت عنوان "أوروبا تعلن النفير لأجل إعادة إعمار كوباني". لكن كل ذلك لم يثمر عن فعلٍ حقيقي لإعادة إعمار المدينة. وحتى الآن، لم تتكفّل أيّة جهة دولية بالقيام بذلك.
وقال الصحافي مصطفى عبدي، من أبناء كوباني، إن منسقية إعادة إعمار كوباني لم تفِ بالوعود التي قطعتها على نفسها بتوفير المعدات ومواد الإعمار، حتى أنها لم تقف أمام قرار بلدية المدينة التي فرضت حصول الأهالي الراغبين في إعادة إعمار منازلهم المهدمة على تراخيص.
وتابع أن "المدينة لا تتوافر فيها الماء والكهرباء إلا بالحد الأدنى، فهنالك نقص في المساعدات والخدمات حتى الآن".
ورأى أن كوباني تعيش ظروفاً اقتصادية سيئة، إذ لم تتم إزالة ركام الأبنية المهدمة بشكل كامل، كما لم تُقدم المساعدات الكافية برغم الإعلان عن مشاريع ضخمة قيل إنها ستساهم في النهوض بكوباني. والانجاز الوحيد برأيه كان فتح الطرقات بين أحياء المدينة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع