لم يكن من المتوقع أن يؤدي ترشح الأمير علي بن الحسين لرئاسة الفيفا أمام العجوز السويسري بلاتر Blatter، إلى انقسام معسكر كرة القدم "العربي – الآسيوي" بين مؤيد ومعارض.
الأمير الأردني ونائب رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم منذ عام 2011، أعلن ترشحه لخوض الانتخابات الكروية الرئاسية في 6 الشهر الجاري، ليكون العربي الثاني الذي يطمح لانتزاع القمة، بعد محاولة فاشلة للقطري محمد بن همام في الانتخابات الماضية.
وقبل بضعة أيام من إغلاق باب الترشح، يبدو أن الأمير علي سيكون المنافس الوحيد لبلاتر، وذلك بعد إغفال المراقبين فرص المرشح الآخر الفرنسي جيروم شامبين Jérôme Champagne، نائب الأمين العام للاتحاد الدولي سابقاً، أو أي مرشح آخر محتمل قد يظهر خلال الأيام المقبلة.
لا شك في أن إقدام الأمير علي على الوقوف في وجه الإمبراطور الذي يسيطر على المنظمة الأغنى في العالم منذ 16 عاماً، يعد خطوة جريئة بكل المقاييس، لكن الشاب الرياضي الذي لم يكمل عامه الأربعين بعد، أكد فور إعلانه الترشح أن قراره جاء بعد تفكير ملي، ونقاش مع الزملاء في الفيفا.
لم يقدم المرشح الأردني أية تفاصيل موسعة عن برنامجه الانتخابي أو أهدافه التي سيسعى إلى تحقيقها في حال نجاحه، واكتفى بالقول إن كرة القدم "بحاجة إلى اتحاد خدَمي وإلى نموذج للأخلاق والشفافية". تكفي الكلمة الأخيرة لتؤكد أن الورقة الأهم بيد الأمير هي ملفات الفساد المتكدسة، والجدل الكبير الذي أثير حول ملفات استضافة قطر وروسيا لكأس العالم.
رئاسة الحسين لكل من الاتحاد الأردني واتحاد غرب آسيا، تجعل من كسب أصوات القارة الصفراء أولوية له إن كان يسعى بشكل جدي لإزحة بلاتر، لكن تصريحات المسؤولين العرب المسيطرين على مراكز القرار في القارة كانت عكس ما يشتهي.
التصريح الأول جاء على لسان رئيس الاتحاد الآسيوي البحريني سلمان آل خليفة، ومما ورد فيه "إننا أوضحنا خلال المؤتمر السنوي الأخير أن الاتحاد الآسيوي سيؤيد بلاتر في الانتخابات المقبلة، وهذا هو قرار المؤتمر السنوي واللجنة التنفيذية، وأعتقد أن الأردن والأمير علي كانا جزءاً من ذلك المؤتمر".
التصريح الثاني جاء على لسان الكويتي أحمد الفهد، رئيس المجلس الأولمبي الآسيوي، الذي أكد أن الاتحاد الآسيوي لكرة القدم ملتزم بدعم بلاتر، وأشار في تصريح بعد إعلان الأمير ترشحه أنه فوجىء بالخبر، ليعود ويؤكد أن قرار دعم بلاتر اتخذته الجمعية العمومية للاتحاد الآسيوي عام 2013، وأعيد تأكيده في ساوباولو بالتزامن مع بطولة كأس العالم.
من جهة أخرى، خرج خالد البوسعيدي رئيس الاتحاد العماني لكرة القدم بتصريحات معاكسة قال فيها إن ترشح الأمير لرئاسة الفيفا لم يكن مفاجئاً، لأن الفكرة كانت رائجة في الكواليس منذ أشهر، وجميع رؤساء الاتحادات على علم بها.
المهم في هذه التصريحات أنها ستدفع الجميع إما لاتخاذ قرارات فردية وهو أمر سيصعّب من مهمة الأمير ويخسره الكثير من الأصوات، أو الاجتماع معه (وهو المرجح) والوقوف على تفاصيل مشروعه ومدى امتلاكه أوراقاً ونقاط قوة تؤهله لمنافسة بلاتر. في ضوء ذلك، ستقرر اتحادات القارة هل تقف خلف الأمير أم تستمر في دعم بلاتر.
أبرز الأوراق التي يمكلها الحسين، هي الدعم الأوروبي المتمثل برئيس الاتحاد ميشيل بلاتيني Platini. النجم الفرنسي السابق قرأ اللعبة الانتخابية بشكل ماكر وقرر ترشيح نفسه لولاية أوروبية جديدة عوضاً عن منافسة بلاتر على الزعامة العالمية، كونه لا يثق بقدرته على هزيمة شبكة العلاقات المتشعبة التي بناها بلاتر خلال الأعوام التي قضاها في منصبه.
بناء على ذلك، قرر بلاتيني ضمان استمراره رئيساً لليويفا UEFA في ظل غياب المنافس، ومحاولة إزاحة بلاتر الذي وصل التوتر بينه وبين الأوروبيين إلى أعلى درجاته بسبب مونديال قطر، وذلك عن طريق دعم المرشح المنافس له. ففوز الأمير علي يمثل فوزاً لبلاتيني والاتحاد الأوروبي بحسب ما تقتضيه المصالح المشتركة للمتحالفين.
في خطوة استباقية لا يمكن التكهن إن كانت بالتنسيق بين بلاتيني وبن الحسين أو جاءت تعبيراً عن النهج الأوروبي، قال بلاتيني قبل 27 يوماً بالتحديد من ترشح الأمير، إن على بلاترالرحيل وفسح المجال لوجوه جديدة تقود اللعبة. وبعد الإعلان عن ترشحه، وصف بلاتيني الأمير بالقول: "أعرفه جيداً، يملك جميع المقومات المطلوبة لتولي منصب رفيع، وننتظر حالياً اقتراحاته وبرنامجه من أجل مستقبل كرة القدم".
خمسة أصوات فقط من أعضاء الفيفا الـ209، تكفل للأمير الحصول على القبول الرسمي لخوض الاستحقاق الانتخابي، ليبقى لديه أربعة أشهر قبل إجراء الانتخابات، وهي مدة مناسبة لحشد الدعم الكافي لهزيمة بلاتر.
ومع تسلحه بالدعم الأوروبي الراغب في التخلص من بلاتر بأي طريقة، تبقى المهمة الرئيسية التي ستضاعف فرص الأمير في الربح، هي الحصول على توافق عربي آسيوي يضمن له أكبر نسبة من أصوات الأعضاءالـ46. قد يستميل الأمير الدول الخليجية بمحاولة منح بطولة الخليج اعترافاً رسمياً طال انتظاره، والأمر نفسه ينطبق على دول غرب آسيا وبطولتها، فيما يحتاج إلى أكثر من ذلك لضمان أصوات دول شرق القارة.
أما على الصعيد الإفريقي، فإن من المتوقع أن لا يجد الحسين صعوبة في الحصول على الأصوات العربية العشرة (من أصل 55). وهو سيستغل خسارة رئيس الاتحاد الإفريقي عيسى حياتو المدوية أمام بلاتر في انتخابات 2002، ليقنعه بالثأر عبر منحه صوته الذي سيجذب معه عدداً مهماً من أصوات الاتحادات الإفريقية، ليبقى الظفر بثقة اتحادات الأمريكيتين الامتحان الأصعب الذي سيواجه.
برغم كل ما سبق، فإن طريق ممثل العرب للجلوس على عرش الكرة العالمية للمرة الأولى لن يكون مفروشاً بالورود، فالخصم السويسري الذي استطاع الصمود حتى الآن على الرغم من ملفات الفساد والفضائح المتراكمة، لم يكن ليرشح نفسه مجدداً بعد أن أعلن نيته التنحي سابقاً، لولا تأكده من تحقيق نصر جديد في الانتخابات، بعد أربعة انتصارات سابقة.
الصورة من أ ف ب
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...