بعيداً عن الطرق الكلاسيكية في توزيع الكتب عبر شركات النشر والمكتبات، قرر الكاتب والمترجم والناشر التونسي وليد سليمان خلق طريقته الخاصة في إيصال كُتبه إلى القراء.
مدفوعاً بما عايشه من مشاكل مع المكتبات، كناشر وكاتب، قرر وليد سلوك طريق غير تقليدي في إيصال كُتبه إلى القراء. ابتكّر سليمان ما سمّاه بـ"قهوة مع الكاتب": يتصل القارئ بالكاتب ويحدّدان موعداً ليشربا قهوةً معاً
هكذا يمكن للقارئ أن يقتني نسخةً موقعةً من الكتاب. تبدو الفكرة بسيطةً جداً، لكنها ذللت عشرات العراقيل التي كانت تحُولُ بين كتب سليمان والقارئ.
التحرّر من احتكار المكتبات
وقال سليمان لرصيف22: "عندما دخلت غمار النشر والكتابة وجدت أن المكتبات في تونس، وعلى قلتها تحتقر الكتاب العربي، وذلك ما تعكسه طريقة تعاملها مع دور النشر العربية والكُتّاب باللغة العربية". وشرح أنها "لا تُسدد لهم مستحقاتهم المالية إلا بعد مُضي أكثر من عام على بيع الكُتب. وكذلك لا تتحمس كثيراً لترويج الكتاب العربي، بخلاف الكتاب الفرنسي الذي يلقى عندها كل التبجيل، بل إنها تدفع مسبقاً لدُور النشر باللغة الفرنسية". ولا يُخفي سليمان تعجّبه من صمت مؤسسات الدولة المُهتمة بالشأن الثقافي، عن هذه الحالة التي يعيشها الكتاب العربي في البلاد. فلا هي تُلزم المكتبات بإيفاء الكُتّاب ودور النشر مستحقاتهم المادية والمعنوية ولا هي تسنُ التشريعات التي تحمي الكتاب. الوضع السائد في تونس يكاد يكون عاماً في أغلب الدول العربية، فالكتاب العربي لم يتحوّل بعدُ إلى صناعة قائمة الأركان. لكن أغلب الكُتّاب العرب، ورغم تبرمهم من هذا الوضع، لم يفكروا يوماً في تجاوزه. ويرى سليمان أن الكاتب يجب أن يكون ابن ظروفه، لا يستسلم لها، بل يطوعها لنفسه، ويتغلب عليها. وقال: "عندما دخلت عالم النشر، وقبل ذلك الكتابة، تعرّفت على العديد من المثقفين والكُتاب.يجلسون طول اليوم في المقاهي ويلعنون الوضع السائد في هذا المجال وخاصة سلوك المكتبات تجاههم، لكنهم، وللأسف، لم يفكروا يوماً في كسر احتكار المكتبات للعلاقة بينهم وبين قرائهم. وأضاف: "قررت أن أتجاوز المكتبة وأن ألتقي بالقارئ مباشرةً، بلا وسائط". وتابع: "طبعاً لم أبدأ من اللاشيء. شكّلت الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي بالنسبة إليّ وعاءً عظيماً لنشر المبادرة والاحتكاك بالقراء. هكذا تخطيت حواجز المكتبات وتحولت إلى مكتبة صغيرة أتجول بين المقاهي وألتقي قرائي".عوائد مالية أفضل
أطلق وليد سليمان مبادرته مع صدور مجموعته القصصية الجديدة "كوابيس مرحة"، بداية الشهر الجاري. ومن خلال مقارنته للعوائد المادية التي كان يجنيها سابقاً بالاعتماد على المكتبات، وجد فرقاً واسعاً. تُشارف نُسخ المجموعة على النفاد، في حين أنها يمكن أن تمكث أكثر من سنة في أدراج المكتبات بسبب إخفائها وعدم الاعتناء بعرضها. كذلك، حقّق أرباحاً مالية بأكثر من النصف، عدا أنه يقبض أمواله مباشرة من القارئ دون الدخول في مماطلة أصحاب المكتبات. وأوضح سليمان أن "الأمر هنا لا يتعلق بالرغبة في كسب المال فقط، ولكنه يتعلق بكرامة الكاتب المتفرغ للكتابة والذي تمثل له الكتابة مورد رزق". وقال: "للأسف، يعيش الكُتّاب في تونس في كثير من الأحيان أوضاعاً اجتماعية صعبة، ولا سيما الكاتب المتفرغ تماماً، مع أن الكاتب في دول أخرى، وخاصة في الغرب، يمكنه أن يعيش من مردود كُتبه فحسب".فوائد معنويّة
إلى جانب ما تُحققه "قهوة مع الكاتب" من عائدات مالية محترمة ورواج للكتاب، فإن وليد سليمان يشير إلى فوائد معنوية تحسسها بعد نجاح المبادرة وأهمها كسّر احتكار وسائل الإعلام، التي يرى وليد أنها أصبحت، ومنذ وقت طويل، تساهم في صناعة الذوق العام، وتُركز على كُتّاب بعينهم دون آخرين، من خلال توفير حضور دائم لهم ولمنشوراتهم على الشاشة وعبر الأثير. وقال: "نجحت من خلال هذه الفكرة في أن أكسر، على الأقل، هذا الاحتكار وأحاول، ولو بنسبة بسيطة، القضم من حصة وسائل الإعلام في الهيمنة على ذوق الناس". وتابع أن "الأهم من كل ذلك هو رفع كل الحواجز بين الكاتب والقارئ وكسّر هذه الهالة التي يحيط بعض الكُتّاب أنفسهم بها. فهذه المبادرة جعلتني أقرب بكثير من القراء. وفتحت لي أفقاً واسعاً للنقاش والحوار معهم وأخذ انطباعاتهم المباشرة والعفوية. وكذلك ربطتني وشائج الصداقة بالكثير منهم، بمختلف انتماءاتهم المناطقية والعمرية والطبقية".لا عودة إلى الوراء
لم يعد وليد سليمان يفكر في العودة إلى طريقة التوزيع القديمة في منشوراته القادمة. يرى أنه أدرك طريقته الخاصة في إيصال ما يكتب إلى الناس مباشرةً. وقال: "لم أعد أحتاج إلى الوسائط التي تحول بيني وبين قارئي ولست مستعداً للدخول مرة أخرى في متاهات المكتبات ودروب التوزيع الكلاسيكية المُملة. الفضل للتكنولوجيا التي قربت كل هذه المسافات بيننا، ومهمتنا استغلال هذه المنجزات التقنية لترويج الأدب والثقافة ولكي نعيش أيضاً". وقد استلهم كُتّاب آخرون الفكرة، فعمد أحدهم إلى ابتكار مبادرة جديدة سماها "غداء مع كاتب" وآخر سماها "كأس مع كاتب". يسعى سليمان إلى تعميم مبادرته نحو آفاق أوسع لتشمل الكُتّاب الشباب وكذلك لتصل إلى قراء أبعد في مدن خارج العاصمة. وقال: "نظراً لنجاح المبادرة في العاصمة، قرّرت تعميمها على المدن الأخرى ضمن فكرة جديدة سميتها "الحفلة المتنقلة" وتهدف إلى إيصال كتابي الجديد إلى قرائي خارج العاصمة من خلال تنظيم حفلات توقيع في المقاهي. وبالفعل بدأ بتطبيق فكرته في مدينة سوسة الساحلية. وعن ذلك قال: "فاجأني القراء الذين حضروا، أولاً بمستواهم الرفيع، وثانياً بعددهم المحترم". وقال: "حالياً أنا بصدد التنسيق لتنظيم حفلات أخرى في مدينتي بنزرت، شمالاً، والقيروان في وسط البلاد، إذ اتصل بي قراء متطوعون تحمسوا للفكرة وبادروا إلى تنسيق لقاءات معي في مدنهم"، معتبراً أن هذه الجولات التي ستستمر هي "استكمال لقهوة مع الكاتب ولكن بشكل أوسع وأفق أرحب".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 3 ساعاتعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.