محاكمة قناة "نسمة" الفضائية على خلفية بث فيلم "برسيبوليس"؛ الاعتداء على صالة سينما "آفريكار" المختصة في عرض الأفلام البديلة؛ استهداف معرض الرسوم التشكيلية بالعبدلية؛ حبس مغني راب ومنع ممثلين مسرحيين من عرض مسرحياتهم؛ الإعتداءات التي كان الفن ضحيتها منذ انتهاء ثورة يناير، والخوف من أسلمة تدريجية للمجتمع التونسي، دفعوا بجزء واسع من المثقفين التونسيين الى تنظيم صفوفهم حفاظاً على الحرية كشرط أساسي للإبداع الفني.
لطالما اشتكى المبدعون التونسيون تحت حكم بن علي من ضيق مساحة الحرية التي كانت تعرقل أعمالهم الثقافية. كانت الدولة ببيروقراطيتها وتوجهها الاستبدادي لا ترى من الفنون سوى تلك التي يمكن أن تُسخّرها لإقناع الناس بوجوب الرضوخ. أزيلت هذه القيود مع رحيل النظام السابق، غير أن قيوداً أخرى ظهرت على الساحة. حلّ محل الاستبداد السياسي المتعلمَن، استبداد الإسلام الشعبي. ظهر "رجال دين" يفتون يميناً وشمالاً، وتشكلت جمعيات تزعم حفاظها على المعروف ونهيها عن المنكر، وضاعت الثقافة في متاهة الحلال والحرام.وبعد أن كانت "الأخلاق العامة" و"الآداب العامة" و"النظام العام" تنال من حرية الفنانين، ها هم الحكام الجدد لتونس يرسمون موانع جديدة تجاههم، أسموها "حماية المقدسات" سيضمنونها في دستور ما بعد الثورة!
أمام هذه التراكمات، كان التعدي على مجموعة من المسرحيين أثناء أدائهم لمسرحية "قتلوه" في الشارع بمدينة الكاف، بتهمة "التجاهر بما ينافي الحياء"، السبب المباشر الذي دفع مجموعة من الفنانين إلى التجمع بالفضاء الثقافي "الحمراء" يوم 19 يوليو الماضي للإعلان عن تأسيس “الحركة الثقافية الثورية”.
في بيانهم التأسيسي الذي وقّع عليه قرابة 500 فنان، أعلن "المثقفون الثوار" سعيهم "لإسقاط النظام والقطع مع منظومة الاستبداد والفساد"، "من أجل بناء نظام سياسي ثوري وشعبي يكرّس حقيقة الحريات العامة والفردية، ويؤمن بحرية التعبير والرأي والإبداع والتفكير والضمير دون إرهاب أو تجريم".
تشارك الحركة الثقافية في مختلف الأنشطة السياسية الميدانية. أنصارها هم الذين يحمون العروض الموسيقية في المظاهرات، ويعرضون المسرحيات في الوقفات الاحتجاجية، ويزينون الجدران بغرافيتي الشعارات السياسية. تضم الحركة شخصيات تميزت سابقاً في مجال "الفن المتلزم" أو "الفن السياسي" أو "الفن البديل"، وتأخذ على عاتقها الدفاع عن المبدعين الذين يتعرضون للملاحقة بسبب إنتاجاتهم الفنية، ولعلّ آخرها تلك القضية التي تعرض لها المخرج السينمائي الشاب نصر الدين السهيلي بعد أن ألقى بيضة على وجه وزير الثقافة الدكتور مهدي مبروك أثناء تظاهرة عامة.
لا يحمل كل الفنانين التونسيين كذلك نفس التصور لـ "العمل الثوري"، فالبيضة التي ألقيت على وزير الثقافة الدكتور مهدي مبروك كانت بالنسبة للبعض منهم "تصرفاً غير مقبول" لا يجدر أن يصدر عن “مثقف”. في المقابل، أمام عقوبة السجن التي تنتظر المخرج نصر الدين السهيلي والمصور مراد المحرزي الذي صور فيديو الحادثة ضمن عمله الميداني كصحافي، طالبت "تنسيقية الفعل الثقافي" التي تضم ممثلين عن الفنانين التونسيين وزير الثقافة بسحب شكواه القضائية ضد السهيلي والمحرزي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...