"لو أخدت من الكلب صوف، ما تاخدش من المنوفي معروف"، "الأسايطة يهود مصر"، "إسكندرية أجدع ناس"، "الشراقوة عزموا القَطْر". هذه نماذج لعبارات وأمثال شعبية دارجة على ألسنة مصريين لذم أو مدح أبناء محافظات بعينها، أو للتعبير عن انطباعات عن طباع وخصال أهالي مناطق معينة.
للمنوفية نصيب الأسد
المنوفية واحدة من أكثر المحافظات حظاً في هذا الجانب. اشتهرت في أوساط المصريين بالبخل، وأُطلقت على أهلها النكات التي تبالغ في اتهامهم بالبخل.
فقد زعموا أن أحد المنايفة سُئل ماذا تفعل حين يكون الجو بارداً؟ فأجاب: أقترب من الدفاية، فقيل له: في حال زاد البرد؟ أجاب: أقترب أكثر من الدفاية. قيل له في حال وصل البرد لدرجة لا تحتمل ماذا تفعل؟ قال: في هذه الحالة مضطر أشغل الدفاية وأمري لله.
وقال الدكتور جمال حماد، أستاذ علم الاجتماع في كلية آداب المنوفية، لرصيف22 إن "الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي نشأ فيها المنوفي من فقر وضيق الرقعة الزراعية، دفعته إلى تعويض ذلك بالحرص، والبخل بحثاً عن ظروف أفضل".
ولفت إلى "أن المنوفية محافظة طاردة للسكان بسبب ضيق رقعتها، مقابل الكثافة السكانية، فيبحث الكثير من أبنائها عن فرص عمل في محافظات أخرى، وهذا يؤثر على شخصية المنوفي بزيادة في الحرص".
دمياط وأسيوط وتهمة البخل
أبناء محافظة دمياط لم يكونوا أقل حظاً في النكات، مع كمية من الأقوال والنكات التي تتهمهم أيضاً بالبخل. فقد زعموا أن أحد الدمايطة كان على فراش الموت في غرفته وبدأ بالسؤال عن أولاده الثلاثة، قائلاً بالعامية المصرية، "فين محمد؟" فأجاب ابنه باكياً أنا هنا يا أبي، طوفين محمود"؟ فأجاب محمود باكياً أيضاً أنا هنا يا أبي، وسأل "فين حسين"؟ فأجاب الثالث مثل أخويه. وظنّ الأبناء أن أباهم سيوجه إليهم وصية، لكنه صرخ بهم: "انتو (أنتم) هنا وسايبين (تركتم) نور الصالة والع (مضيء) يا ولاد ...".
واعتبر الباحث في علم الحديث حسن الزهيري أن البخل صفة متوارثة عند أبناء دمياط منذ قديم الأزل، معرباً عن قناعته بأن القرية التي أبت أن تطعم نبي الله موسى عليه السلام والعبد الصالح الخضر هي دمياط التي تقع عند ملتقى نهر النيل بالبحر المتوسط.
كذلك حال أبناء محافظة أسيوط الذين لم يسلموا من السخرية والاتهام بالبخل، إلى درجة وصفهم بيهود مصر و"منايفة الصعيد".
وأرجع البعض وصف الأسايطة بيهود مصر إلى قصة كوميدية جاء فيها أن تاجراً يهودياً قدم إلى مدينة أسيوط راكباً حماره، وأراد أن يختبر أحد أبناء القرية، فأعطاه نكلة (نصف قرش)، وطلب منه أن يشتري له شيئاً يأكله وشيئاً يشربه وآخر يتسلى به، وشيئاً لحماره، فذهب الأسيوطي وعاد ببطيخة وقال له كل منها واشرب من مائها وأعطِ قشرها للحمار ثم تسلَّ بما فيها من لب، فتعجب التاجر.
ولكن بالتأكيد فإن الأقوال التعميمية لا تصحّ والصفات التي تتحوّل إلى نكات هي أمور يتم تضخيمها كثيراً لتصير نكاتاً، ويكون لها أساس بسيط يمكن تفسيره، كما في شرح الدكتور حماد حول المنوفية.
كرم الشراقوة
في المقابل، يتحدث مصريون عن صفات طيّبة لأبناء محافظات أخرى كالشرقية التي يصفون أهلها بالكرم، والإسكندرية التي يصفون أهلها بالشهامة (الجدعنة).
ويتفاخر أهل محافظة الشرقية دوماً بعبارة "احنا اللي عزمنا القطر" ويدللون بها على "كرم الشراقوة". والقول يعود إلى قصة شهيرة عن قرية دعت ركاب قطار على الإفطار. إذ تعطل القطار وقت آذان المغرب في قرية إكياد التابعة لمركز فاقوس، وكان منزل العمدة أمام المحطة، ما دفعه إلى توزيع الركاب على جميع منازل القرية لتناول طعام الإفطار.
أجدع ناس
وفي عروس البحر، يرى كثير من أبناء محافظة الإسكندرية أن الأبيات التي قال فيها الشاعر صلاح جاهين: "اقروا الفاتحة لأبو العباس... يا اسكندرية يا أجدع ناس"، ليست مجرد كلمات سطّرها ليتغنى بها أحد المطربين، إنما هي تعبير عن خصال وطباع حقيقية يتمتع بها أهل الإسكندرية أهمها الشهامة.
ويرى إسكندريون أن هذه الصفات تعود إلى فترة مقاومة الزعيم أحمد عرابي للغزو الإنجليزي، إذ دارت معارك في الإسكندرية وكفر الدوار، أثبت فيها أهل الإسكندرية مدى قوتهم وتضحياتهم.
وقال الدكتور علي جلبي، أستاذ علم الاجتماع في كلية الآداب في جامعة الإسكندرية لرصيف22 إن "خصال المواطنين في مصر بشكل عام تغيرت، وهو ما حدث مع الإسكندريين أيضاً، فلم يعودوا كما كانوا"، وأضاف: "أهل الإسكندرية الحقيقيون كانت تطلق عليهم صفة الجدعنة نتيجة تعاملهم مع البحر الذي منحهم الشجاعة وعدم الخوف".
أبو العربي
الانطباعات العامة لم تؤخذ عن المحافظات فقط، فبعض المدن اشتهرت بين المصريين بصفات معينة، منها مدينة بورسعيد، إذ يرى الكثيرون أن "الفشر"، أو المبالغة في سرد الروايات والوقائع هو أبرز ما يميز البورسعيدي.
وتجسدت هذه الرؤية في شخصية "أبو العربي"، التي رمزت إلى المواطن البورسعيدي بصورة كوميدية في العديد من الأعمال الفنية، أهمها فيلم “السيد أبو العربي وصل" من بطولة هاني رمزي.
وأضاف أن "غالبية البورسعيدية كانوا يمتهنون مهنة البمبوطي، وهو تاجر يأخذ بضاعة في فلوكة صغيرة ليعرضها على السفن الكبيرة المارة، وطبيعة هذه المهنة تفرض عليه المبالغة في عرض بضاعته لجذب المشتري الذي يقف أعلى السفينة، بينما البمبوطي أسفل مركبه".
وأوضح أن "جذور اسم أبي العربي تعود إلى فترة الاحتلال البريطاني، إذ كانت المدينة مقسمة إلى حيين: (الحي الإفرنجي) ويسكنه الأوروبيون، و(حي العرب) وكان مأهولاً بالبورسعيدية الذين كانوا يحرصون على تسمية أبنائهم بالعربي نكاية في سكان الإفرنجي".
وبيّن أن عمليات المقاومة الشعبية كانت تنطلق من حي العرب باتجاه الحي الإفرنجي الذى يسكنه الأجانب، ومن هنا جاءت كلمة (أبو العربي) التي ترتبط جذورها بحس المقاومة الوطنية وهي نسبة إلى أهالي الحي العربي".
الدمنهوري واللصوصية
أما دمنهور في محافظة البحيرة فيتداول مصريون عن أبنائها المثل الشعبي الشهير "ألف نوري ولا دمنهوري".
وتعود أصول هذا المثل إلى قصة قديمة خلاصتها أن أحد التجار حاول خداع تاجر من أهل دمنهور يدعى الحاج إبراهيم. اشترى منه بضاعة وبقي له من الحساب نحو ثمانية جنيهات، وحين أعادها إليه الحاج إبراهيم أخفى التاجر أحد الجنيهات في الحال، وادعى أنها سبعة فقط.
فقال الحاج إبراهيم: "كيف هذا؟ أعِد إليّ الجنيهات السبعة"، وحين أعادها إليه قال أمام الزبائن: "صحيح إنها سبعة، ثم فتح صندوق النقود وأخرج جنيهاً وأضافه إلى النقود قبل أن يعيدها إليه. وحين انصرف هذا التاجر بسرعة فرحاً بنجاح حيلته، عدّ النقود فوجدها سبعة، ليكتشف أن حيلته فشلت ولم تخدع التاجر الدمنهوري، ومن هنا العبارة الشهيرة: "ألف نوري ولا واحد دمنهوري"، والنوري يُقصد به اللصّ، وهذا أيضاً من الأحكام المسبقة الشائعة في الثقافة المصرية.
التمركز حول النوع
في تفسيرها لمسألة إطلاق أحكام عامة على أبناء محافظة أو بلد ما، قالت الدكتورة سامية الساعاتي أستاذة علم الاجتماع وعضو المجلس الأعلى للثقافة إن "هذه الظاهرة يطلق عليها في علم الاجتماع التمركز حول الجنس أو النوع، فكل شخص يعتقد أن بلده أفضل بلد أو محافظته هي أفضل محافظة".
وأكدت أن هذه الانطباعات والأحكام لا تنتج من فراغ، إنما هي نتيجة معايشة أبناء هذه المحافظات ظروفاً معيّنة تُكسبهم صفات معيّنة، ما يجعل المواطنين يعبرون عن انطباعاتهم في أمثلة شعبية.
وأشارت الساعاتي إلى صعوبة التعرف إلى القصص الحقيقية لأصول هذه الأمثلة لعدم التأريخ لها، مشيرة إلى أن التفسير التاريخي لغالبها يتم بالرواية من جيل إلى جيل.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين