شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
كيف ينظر يهود العالم العربي إلى مواطنهم؟

كيف ينظر يهود العالم العربي إلى مواطنهم؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 19 فبراير 201612:29 م

لطالما كان اليهود جزءاً من النسيج الديموغرافي العربي، لا بل طرفاً أساسياً في نهوضه، حتى وقعت الواقعة عام 1948. حينها، وجد اليهود العرب أنفسهم ممزقين بين اتجاهين. كيف انعكست نظرة المبدعين منهم إلى انتمائهم العربي في أعمالهم؟ وكيف سارت هذه العلاقة المعقدة والملتبسة بين ”اليهود العرب“ ومواطنهم التي خرج معظمهم منها؟

تعرض يهود لبنان إلى مضايقات عدّة بسبب الصراع العربي الإسرائيلي، وأتت الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975 لتهجّرهم، دافعةً من بقي منهم إلى العيش بطريقة متخفية. من هؤلاء برز الروائي سليم نصيب صاحب رواية "أم"، التي تناولت علاقة حب من طرف واحد جمعت بين أم كلثوم والشاعر أحمد رامي. سليم نصيب الذي عمل صحفياً وكتب الكثير عن القضية الفلسطينية، كان يقول في نظرته إلى العرب أنه إذا ما ”استطاع أحد تفسير العلاقة بين أم كلثوم وجمهورها، حينها يستطيع فهم العالم العربي“. الرواية الثانية لنصيب "العشيق الفلسطيني" تتضمن قصة حب واقعية جمعت بين غولدا مائير، رئيسة وزراء اسرائيل والبرجوازي الفلسطيني ألبير فرعون في عشرينيات القرن الماضي. الحب الذي استطاع جمع غولدا وفرعون لأعوام لم يستطع خلق عشق متبادل بين أم كلثوم وأحمد رامي رغم قرب الأخيرين من بعضهما وتباعد غولدا وألبير. ما فعله سليم نصيب هو أنه فهم الواقع العربي من خلال حب أم كلثوم وأحمد رامي، وربما فهم الصراع العربي الإسرائيلي من خلال علاقة غولدا وفرعون.

معظم الروائيين اليهود العراقيين كتبوا من جهتهم حنينهم لبغداد. سامي ميخائيل، ساسون سوميخ، يهودا شنهاف، سامي زبيدة، يوسي يوناه وشمعون بلاص، كتّاب يهود من أصل عراقي عاش معظمهم في العراق، وتشرّبوا ثقافتها قبل أن ينتقلوا منها نهائياً. حول انتماءهم إليها دارت قصصهم وحكاياتهم، بينما هم يعيشون اليوم نوعاً من "الازدواجية"، مفادها أن "الوطن الأول هو عدو الوطن الراهن" كما يقول سامي ميخائيل الذي عنى بالوطن الأول العراق والراهن إسرائيل. تدور أغلب وقائع روايته "فكتوريا" في حوش بغدادي في مطلع القرن العشرين، وهي أقرب إلى سيرة حياة عائلية، تبدأ بالأجداد وتنتهي بالأحفاد، بكل تفاصيلها. ساسون سوميخ، أستاذ الأدب العربي في جامعة تل أبيب، تناول أيضاً في كتابه "بغداد أمس" سيرة عائلته اليهودية العراقية الأصل كنموذج لإحدى هذه العائلات العراقية القديمة. سمير نقاش الذي غادر العراق مع عائلته عام 1951، كان يقول إنه لا يستطيع أن يعبّر عن نفسه إلا بالعربية، لم يخرج ثقافياً من بغداد، ودون أن يشعر تحول مؤرخاً للّهجة البغدادية.

بغداد الحنين حاضرة كذلك في رواية "فريدة" للروائي اليهودي العراقي الكندي الجنسية نعيم قطان، حيث يروي خروج اليهود من بلدهم العراق... سليم يهاجر، وفريدة تصر على البقاء في بغداد. هكذا يستحضر المؤلف تلك المرحلة من تاريخ اليهود في العراق، ويطعمها بجوانب سياسية واقتصادية واجتماعية كثيرة تبشّر بإنشاء دولة خاصة باليهود، وتدل على ترحيب المؤلف بهذا الخيار، على عكس ما نجده في أعمال سمير نقاش وسامي ميخائيل، وغيرهما ممن حافظوا على الكتابة باللغة العربية أو التعبير عن صعوبة حياتهم في المنفى خارج العراق وحلمهم بالعودة الى مسقط رأسهم. يقول بعض النّقاد إن "فريدة" نعيم قطان هي في حقيقة الأمر المغنية اليهودية العراقية سليمة مراد أو سليمة باشا كما كانت تُسمّى.

في مصر كان للمبدعين اليهود دور بارز في الوسط الثقافي، يختلف نسبياً عن لغة الحنين إلى بغداد التي لطالما كتب بها الرواة اليهود العراقيون. يهود مصر كانوا طليعيين في الثقافة وحتى في السياسية. أوّل من أدخل المسرح إلى العالم العربي، وقدم أولى عروضه داخل حديقة الأزبكية في القاهرة سنة 1870 هو اليهودي يعقوب صنوع، واسمه الحقيقي يعقوب رافئيل صنوع. أما النشاط السينمائي فقد كان من يموله أيضاً من اليهود، مثل إيلي درعي، وجوزيف موصيري، وألسكندر أبتكمان، وتوجو مزراحي، الذي أسمى نفسه أحمد المشرقي ثم أعلن عن اسمه الحقيقي وديانته بعد فترة من شهرته.

كثيرين كانوا يعمدون الى تغطية انتمائهم الديني ويلجؤون إلى استخدام أسماء مستعارة، خشيةً من التعرض للنبذ أو الاضطهاد ولأسباب مهنية تعود إلى عيشهم في محيط إسلامي. داوود حسني، أحد الموسيقيين اليهود، اسمه الفعلي دافييد حاييم ليفي، أما زكي مرداخاي، فقد غيّر اسم عائلته إلى مراد وهو والد ليلى ومنير مراد. راقية ابراهيم، كان اسمها الحقيقي راشيل ليفي، وكاميليا، اسمها الفعلي ليليان ليفي كوهين، ذلك بالإضافة إلى فيفي يوسف ونجمة ابراهيم. كانوا يطمئنون إلى العيش بهدوء خلف قناع أسمائهم المستعارة، وهم في الوقت نفسه يحافظون على ولائهم الديني.

بلغ عدد يهود مصر قبل الإطاحة بالملك فاروق عام 1952 نحو 100 ألف، ومع تأسيس إسرائيل عام 1948 وما تلاه من حروب- أدت إلى نزوح جماعي حتمي لليهود من مصر- تحول واقع اليهود كثيراً. ليلى مراد أشهرت إسلامها وظهرت تصلي بالحجاب، بعدما اتهمت بدعم الجيش الإسرائيلي وكادت الشائعة أن تطيح برصيدها الفني، لو لم تأت بإثبات ينفي عنها التهمة المغرضة. وما تبقى من مثقفين يهود مصريين صاروا يعبرون عن حنينهم إلى الزمن الكوزموبوليتي الذي ميّز المدن المصرية لاسيما الاسكندرية.

لا يمكن اختصار نظرة المثقفين اليهود العرب إلى انتمائهم العربي في موقف واحد، فمنهم من يروي رحلة شتاته وذاكرته مع العرب سواء في العراق أو المغرب، ويشعر بالأسى حين يذكر كيف لجأ إلى اسرائيل بعد طرده من بلاده الأصلية بسبب القوانين الجائرة والأنظمة العنصرية، ومنهم من يعبر عن ولائه المطلق لإسرائيل واليمين الاسرائيلي. بين هذا وذاك نسمع بعض الأصوات المعادية لسياسة اسرائيل، مثل المغربي اليهودي إدمون المالح الذي ناصر القضيّة الفلسطينيّة وعارض هجرة اليهود المغاربة إلى اسرائيل.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image