يبدو أن هناك إجماعاً على ملاحظة تطوّر المشهد الفني في الأردن بكل تجلياته. ثمة أسباب موضوعية عدة أدّت لمثل هذا التطوّر. قد يكون أهمها التواصل مع التجارب الفنية العربية الوافدة إلى الأردن، متأثرة بتبعات الربيع العربي، إضافة إلى استعداد البيئة الثقافية المحلية لاستقبال الجديد والاغتناء به وتطويره.
هذا الأمر أدى إلى تشكل حالة تمزج بين تجارب إبداعية متنوعة المصادر، وخلق مشاريع جديدة.
الفنون التشكيلية
وإذا كانت الفنون التشكيلية قد بقيت لوقت طويل حكراً على طبقة اجتماعية معينة، فهي باتت الآن متوفرة لشرائح اجتماعية أكثر تنوعاً. منذ انطلاق مجريات الربيع العربي، بدأت الفنون التشكيلية تتحول إلى بطاقات تعريف وفهم للوضع السياسي والاجتماعي سواء بشكل جمعي أو بشكل شخصي. وأكثر ما تميزت به هذه الفترة، هو ازدهار فنون الشارع، خصوصاً فن الرسم على الجدران "الغرافيتي"، الذي أعاد توظيف الشارع العام، بعد أن كان وسيلة مُستعارة من الحكومة للتنقل، ليصبح منصة التعبير الأولى والمجانية، والتي تعود ملكيتها إلى جميع فئات الشعب.
فقد استوحى الفنانون الأردنيون الجرأة في استعادة حقهم في ملكية الشارع من الربيع العربي، وظهرت المؤسسات المانحة لتستغل هذه الصحوة وتحولها إلى "موضة" أو وسيلة لإيصال رسائل تعبوية تعبر عن مصالحها الخاصة. فانساقت بعض المجموعات والفنانين لهذه المنح السخية، إلا أن مجموعة أخرى فضلت الاعتماد على قدراتها المالية المتواضعة بدلاً من الارتهان لمطالب الجهات المانحة. وأهم المساحات المستقلة التي نشأت لدعم فن الغرافيتي وتوثيقه بالتصوير، كان "فضاء 317"، الذي تأسس عام 2013 من قبل 3 فنانين، بدأوا بتنظيم معارض رسم وكاريكاتور وغرافيتي داخل وخارج فضاء 317، على نفقتهم الخاصة.
شكل آخر من أشكال الفنون التشكيلية، هو فن الموزاييك، الذي لا يزال موجوداً بتقنية وحرفية عالية، لكن بشحّ واضح يعزوه الفنانون إلى إيقاع الحياة السريع، وصعوبة الوصول إلى مصادر المادة الفنية. وربما هذا سبب انتشار الفن الرقمي بشكل كبير وبإبداع واضح، ويتزايد نسبة إلى البلدان المجاورة، لأنه أقل كلفة ويتطلب حرفية تقنية أكثر من حرفية يدوية، على عكس معظم الفنون التشكيلية الأخرى. وأهم من أسس فن الموزاييك في الأردن هي الفنانة صونيا طوال، خريجة كلية الفنون الجميلة من دمشق سنة 1984. أسست صونيا مشغل الموزاييك الخاص بها "تراث" عام 1997.
الموسيقى البديلة
أما بالنسبة إلى المشهد الموسيقي البديل والمستقل في الأردن، فيضطر بعض الموسيقيين إلى الانهماك بأعمال بعيدة عن حقل اهتمامهم لتأمين التمويل لما يطمحون إليه من مشاريع. أو يلجؤون إلى الحل الأسهل، هو الاعتماد على تمويل الشركات والمؤسسات، التي لا يخلو كرمها من إملاء رؤيتها وشروطها، ما يدفع الفنان إلى الرضوخ وتلبية هذه الشروط حتى لو كانت لا تلائم طموحاته.
غير أن حالة جديدة نتجت عن وعي لكل هذه التفاصيل ظهرت إذ بدأنا نرى موسيقيين يستخدمون أداة التمويل المجتمعي Crowd Funding ، بدلاً من استنزاف الإبداع في عملية تمويل المشاريع الفنية، أو التنازل عن عناصر مؤسِّسة لمشروعهم الفني بالخضوع لشروط المموّل. اللافت أن معظم المشاريع الموسيقية التي طُرحت للتمويل الشعبي، لاقت نجاحاً، وهذا ما يدلّ على تطور الشعور بالمسؤولية عند الشعب تجاه الموسيقى المحلية، وفهم للطريق الطويل والمكلِف لتستطيع هذه المشاريع أن ترى الضوء. نذكر هنا مشروع للفرقة الأردنية "المربع" مثالاً على مشاريع التمويل المجتمعي الناجحة خلال العام 2015.
وهنا لا يسعنا إلا الإقرار بالصحوة في الفنون الموسيقية بشكل خاص، تمثلت بالعودة إلى التراث وإضاءة جمالياته وإعادة توزيعه موسيقياً، للحفاظ عليه ودمجه في حاضر اجتماعي بات يعاني امّحاء الكثير من معالم شخصيته الفنية، على صعيد المنطقة العربية برمتها. من أهم الفنانين الأردنيين الذين أعادوا تراث المنطقة إلى مساحة اهتمام متذوقي الفن وفئة الشباب بشكل عام، هم الفنان طارق الناصر وفرقة رم والفنانة سحر خليفة.
كما عملت فرقة "أيلول"، وهي فرقة ناشئة في المشهد الفني الأردني تأسست منذ سنتين من قبل 6 شبّان من مدينة إربد شمال الأردن، على تقديم مثال آخر على إعادة نشر وتوزيع التراث في أغنية "نازل عالغور"، لكن مع إضافات وتعديلات في المحتوى، لتناسب وقتنا الحالي ومجريات الأحداث.
الفنون الأخرى
أما في ما يخص فنون المسرح والأداء، فنكاد لا نرى أي حماس لتطوير ونشر عروض تخرج عن الأطر المبتذلة والمعادة، ما عدا بعض المشاريع القليلة والصغيرة، التي تكاد لا تذكر، وعانت أيضاً لتستقل من شروط التمويل، في ظل الإهمال الحكومي لقطاع الفنون.
أما الإنتاج الأدبي والشعري، فهو مستمر في صراعه بين الأصالة والاتباع، الكلاسيكي والحديث، والجريء والآمن. هذا لا يمنع أن هناك أقلية من الكتاب والشعراء استطاعت الحفاظ على نوعية إنتاجهم، رغم كل التحديات النفسية والمعنوية والإحباطات، وتصنيفها في كثير من الأحيان بالـ"نخبوية".
ولا يمكن أن نتغاضى عن فن السينما الأردنية، الذي ظلّ لسنين طويلة على الهامش بسبب ركاكة الإعداد والإنتاج والنصوص، لينتقل نقلة نوعية ويصل إلى المحافل العربية والعالمية خلال السنوات الماضية، ولو بأعمال قليلة جداً. فيلم "ذيب" ترشح لعدة جوائز عالمية منها جائزة الأوسكار لعام 2015، وهو من إخراج ناجي أبو نوار.
لن يكتمل المشهد الأردني إلا بوجود أرضية للوحة الفسيفساء تتمثّل ببنية تحتية أصيلة ومتينة، تضم جميع قطع الفسيفساء وتحتضنها، من دون أن تضطر للتخلي عن فتات قطع منها قادرة على سحق اللوحة الكاملة وتشويهها، وحرق جهود فنانين ومجموعات بعد أن اقتربت جداً من بداية الطريق إلى الكمال.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع