بعد نحو عام على تخرجه من الجامعة وعدم تمكنه من الحصول على وظيفة، برغم تقدمه بنحو 50 طلب توظيف داخل الأردن وخارجه، اتجه الشاب محمد عربيات إلى إطلاق مشروعه الخاص، تحت اسم "اغسل الـCar على باب الدار". يعزف الأردنيون عن العمل في مجال غسيل السيارات، وغالباً ما يقتصر هذا القطاع على العمال الوافدين، نظراً لتدني المردود المادي المتأتي منه، وغياب الحماية الاجتماعية. لكن محمد لم يأبه لذلك، ولا لثقافة العيب، باعتبار هذه المهنة أقل مستوى اجتماعياً، أو دون مستواه الأكاديمي. يقول: "بعد عام من التخرج، كان همّي الوحيد أن أتمكن من تأمين مصروفي الشخصي، من دون الحاجة لطلب المال من والدي".ويضيف: "درست علم الاجتماع في الجامعة الأردنية، كانت دراستي لهذا التخصص تنبع من رغبة وحب، حصلت على شهادة البكالويوس بتقدير جيد، لكن بعد تخرجي تبيَن لي أن هذا التخصص يعد من التخصصات الراكدة وغير المرغوبة في سوق العمل".
وعن اختياره هذا المشروع، يوضح: "خلال سنوات دراستي كنت أعمل في وردية مسائية في سوبرماركت، وأشاهد العمال الوافدين يقومون بغسل سيارات الحي. من هنا أتت الفكرة، فأطلقت مشروعي، وقمت بتوزيع ملصقات ترويجية في السلط، المدينة التي أسكن فيها، تحت عنوان "اغسل الكار على باب الدار". سرعان ما انتشر الخبر بين أهالي الحي، وكتبت مواقع الكترونية محلية عن المشروع. وجد دعماً كبيراً من سكان المدينة، مع انتشار المبادرة ظهر هاشتاغ #ابن_بلدك و#اغسل_الكار_على_باب_الدار، التي كانت الغاية منها الترويج للخدمات التي يقدمها محمد. يشير محمد إلى أنه كان غريباً أن يكون ابن البلد، بينما غالبية العاملين في هذه المهنة من الوافدين وتحديداً المصريين. وعن تعامله مع زملائه من العمال الوافدين، يقول: "تجربتي إيجابية جداً. في البداية لم أكن أتقن المهنة بحرفية عالية، وقام أحد الشباب المصريين بتعليمي تقنيات المهنة لتكون أكثر حرفية وسرعة".
خلال شهر ونصف الشهر، وهي مدة عمل محمد في مجال غسيل السيارات، نظف نحو 200 سيارة. لكنه يقر أن الدخل المتأتي من المهنة قليل، وحجم المجهود كبير.
ويوضح: "تبدأ ساعات عملي في المساء، أعمل على تنظيف السيارات أمام منازل أصحابها، فغالباً ما يكون هؤلاء في العمل خلال الصباح". ويضيف: "العمل الليلي وتحديدًا في الأيام الباردة، يكون متعباً وأحياناً مؤلماً. أستخدم غالباً سيارة والدي للتنقل من منطقة إلى أخرى لغسل السيارات، فأنا لا أعمل ضمن منطقة معينة، إنما لكل حارات المدينة، وهذا الأمر يتسبب في ارتفاع الكلفة".
في الشهر الأول من عمله، قدّر محمد صافي دخله بنحو 100 دولار، يغطي المبلغ مصاريفه الشخصية فقط. ويقول: "أشعر بالظلم بعد أن أمضيت 4 سنوات في دراسة تخصص غير مطلوب في سوق العمل، لا أعلم إن كنت سأعمل في مجال تخصصي الجامعي يوماً ما، حلمي اليوم أن يكون لي محطة غسيل سيارات خاصة، ربما ستكون محطة متنقلة من يدري".
بحسب المسح الأخير للعمالة والبطالة، الصادر عن دائرة الإحصاءات العامة، تقدر نسبة البطالة بين الشباب الأردني (19 إلى 24 عاماً) بنحو 33%. هذه النسبة المرتفعة قادت عدداً كبيراً إلى الإحباط. وتجلى هذا الأمر في محاولة الانتحار الجماعية لخمسة شباب من على مبنى مرتفع وسط العاصمة عمان، احتجاجاً على ظروفهم المعيشية ومعاناتهم من البطالة.
في مقابل حالة اليأس هذه، يسعى شباب آخرون إلى قطاع العمالة غير المنظمة على غرار محمد. ويشمل هذا القطاع غسيل السيارات، الباعة المتجولين، البسطات وغيرها من مجالات العمل.
في هذا السياق، يقول مدير مركز الفنيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية أحمد عوض: "تحدي ثقافة العيب والدخول إلى مجالات عمل مختلفة شيء إيجابي ويحسب لهؤلاء الشباب، الذين رفضوا أن يكونوا ضمن قوائم البطالة. ولكن هذا لا يعفي الحكومة من مسؤوليتها، ولا يبرؤها من تقصيرها في مجال حماية الشباب من الفقر والبطالة". ويضيف: "هذا القطاع لا يوفر الحماية الاجتماعية للعاملين فيه، فهم لا يحصلون على تأمين صحي، واشتراكهم في الضمان الاجتماعي، اختياري يتحملها المشترك بكامل قيمتها".
ويوضح عوض أن فرص العمل هذه مؤقتة، ولا تنعكس نتائجها على الناتج المحلي الإجمالي. ويقول إن الدولة بالمقابل تتعامل مع هؤلاء الشباب وكأنهم خارجون عن القانون، ويظهر ذلك في آلية التعامل مع الباعة المتجولين والعاملين على البسطات. إذ تصادر الدولة بضائعهم، وفي بعض الأحيان يتم اعتقالهم، وتتناسى الدولة أن هذا مصدر الدخل الوحيد لهم.
يرى عوض أن السياسات الاقتصادية الحكومية في السنوات الماضية ساهمت في إضعاف الاقتصاد الأردني بشكل كبير، ما فاقم مشكلة البطالة، التي وصلت إلى 14.6%، ووصلت بين الشباب إلى 33%.
ويشرح عوض: "خلال السنوات الماضية، دخلت الحكومة في اتفاقيات تجارة حرة مع عدد من الدول. أضعفت تلك الاتفاقيات الصناعات الوطنية، نظراً لعدم قدرة الصناعات المحلية على المنافسة. فدمرت هذه الاتفاقيات قطاعات صناعة الألبسة والأحذية والسيراميك وغيرها".
ويضيف: "العبء الضريبي المرتفع على القطاعات الصناعية والزراعية والسياحية ساهم في هذا الركود أيضاً، فضلاً عن عدم القدرة على التصدير للأسواق المجاورة تحديداً العراق وسوريا بسبب الأوضاع السياسية هناك".
يؤكد عوض أن الاقتصاد الأردني اليوم ضعيف وغير قادر على خلق فرص عمل. لأن فرص العمل المستحدثة اليوم تبلغ 40 إلى 45 ألف فرصة كحد أقصى. مقابل النقص في فرص العمل المستحدثة، تخرّج الجامعات الأردنية سنوياً 100 إلى 120 ألف خريجاً.
بحسب ورقة صادرة عن مركز الفنيق للدراسات، تعدّ نسبة البطالة بين الشباب الأردني "من بين أعلى" النسب في العالم، مرجعةً أسباب ذلك إلى ضعف السياسات الاقتصادية والتعليمية وسياسات التشغيل المطبقة في المملكة، و"عدم مواءمتها" لواقع وحاجات وأولويات المجتمع ومتطلبات تطوره.
وطالبت الورقة الحكومة بإعادة النظر بسياساتها الاقتصادية والاجتماعية، خصوصاً سياسات العمل والتشغيل والتعليم. كما دعت الحكومة إلى الانتباه للأسباب الأساسية التي أدت إلى تضييق الخيارات أمام الشباب، وتطوير سياسات تشغيل فعالة وعادلة. والتركيز على المشاريع والاستثمارات التي تخلق فرص عمل كثيفة وبشروط عمل لائقة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع