بحرفة تقنية عالية، وصورة ناصعة، مع إسراف في تأثيرات الديجيتال، اختارت المصورة الشابة شيماء علاء استلهام شخصيات رواية "1919" للكاتب أحمد مراد فكرةً لمعرضها الأول "19".
المعرض استضافته أخيراً دار الأوبرا المصرية، في رغبة، كما تقول، لاستعراض صور مقرّبة من التاريخ والتراث اللذين
لكن النقل الحرفي الذي اتسمت به فوتوغرافيا شيماء في المعرض، يوحي بطموح منساق لمقاربة "حياة البيست سيلر"، أكثر من تقديم رؤية موازية للرواية التي صدرت في القاهرة العام الماضي. يبدو تأثرها بالتركيز على عناصر الجذب على حساب العمق مثلما فعل صاحب "الفيل الأزرق".
معرض عن سنة 1919 أو الرواية؟
المعرض الذي استضافته قاعة صلاح طاهر، التابعة للحكومة ووزارة الثقافة، ويحوي أكثر من ثلاثين لوحة، قائم على استلهام شخصيات رواية مراد التي تتخذ من أحداث ثورة 19 في مصر خلفية تاريخية تدور في فلكها أحداث الرواية. فهي لا تتحدث عن ثورة 19، ولكن عن الأجواء التي شحنت السياسة والمجتمع في مصر العشرينيات، ومهدت للإطاحة بحكم السراي. وقد ركزت المصورة على كليشيهات عن إضافة قيمة مستقلة يمكن التأسيس عليها عبر فن التصوير المفاهيمي الذي تنحو صوب احترافه.
[caption id="attachment_44313" align="alignnone" width="1200"] ورد التي هامت بين الرقص والرهبنة[/caption]لم ينج المعرض من غياب العمق واستسهال النقل. ورغم تمكن صاحبته من أدواتها، فقد خنقتها الصورة السطحية الخارجية التي يرسمها أحمد مراد لأبطاله عادة، وهذا ما يذكره في روايته، التي تعد أقل أعماله في اجتذاب الالتفاف الإعلامي والجماهيري المعتاد.
ليست هذه المرة الأولى التي تستوحى كتابات مراد في عمل فني آخر غير الرواية. اثنتان من رواياته تحولتا إلى فيلم سينمائي ومسلسل. ويبدو النجاح الجماهيري الذي يحققه مراد مغرياً للاقتران به. أخيراً استلهمت "الفيل الأزرق" بعد إنتاجها فيلماً سينمائياً في عرض مسرحي للرقص الحديث حصد جوائز عدة. لكن ما قلّل من فرص الخروج بجديد في معرض "19"، هو المقارنة بما يقوم به أحمد مراد نفسه، وهو مصوّر فوتوغرافي ومتخصص في التصوير السينمائي بالأساس. فقد اعتاد إلحاق طرح رواياته بحملات دعائية على وسائل التواصل الاجتماعي تستخدم وسائط فنية أخرى تلعب فيها الصورة دوراً كبيراً. حتى أن غلاف "1919" بالتحديد يستخدم موديل تُجسّد مشهداً لإحدى بطلات الرواية.
العارضون في لوحات شيماء لم يبعد استخدامهم عن التجسيد المباشر المماثل لصور شخوص مراد، وبات الأمر كأنه بروفة كاستينج للعمل. الإعدادات الدعائية التي سبقت المعرض وواكبته ساهمت في هذا الإيحاء، إضافة إلى ظهور مراد كبطل رئيسي تلاحقه الكاميرات وبصحبته المصورة، وليس العكس. كل هذا أفرغ الفكرة من المضمون، وكأن المعرض فعالية مصاحبة لإطلاق الكاتب الأكثر مبيعاً وشهرةً لعمل جديد من أعماله.
[caption id="attachment_44315" align="alignnone" width="1200"] الملكة نازلي.. مزروع التاج في رأسها[/caption]شيماء علاء درست التجارة، واحترفت التصوير بالاتجاه التعبيري منذ ثلاث سنوات. حصلت على المركز الأول في مسابقة الشارقة للصورة العربية عن محور التصوير المفاهيمي، بلوحة مستوحاة من مسرحية "أهل الكهف" لتوفيق الحكيم، تصوّر امرأة وحيدة تخرج من لوحة وهي ممسكة به، وكأنها تشد خيوط الماضي وتستمد منه ما يكمل مستقبلها.
أما في رواية أحمد مراد فقد استفادت شيماء من صور وتوصيفات بعينها ذكرها الراوي عن شخوص الرواية، حتى أن مشاهد بصرية مثل نازلي (وهي الملكة نازلي) وكأنها تحرق فستانها وراءها، حين اختارت حياة السلطان وغدرت بحبها للشاب بطل المقاومة، موجودة في الرواية وفي إحدى لوحات المعرض. ويأتي مصير العاشقين المتشابهين أحمد كيرة وورد اليتيمة الفاتنة، اللذين يهربان من مصير واحد، واحداً من المشاهد التي يكتبها مراد، وتنقلها المصوّرة حرفياً في لوحة بصرية تظهر رأسي أحمد وورد محاطين بقطعة قماش. ناهيك بتيمة الوردة الحمراء، وبدلات الرقص التي تخص ورد بعدما انتقلت من بيت للبغاء للعمل راقصة ومطربة في فرقة بديعة مصابني.
[caption id="attachment_44316" align="alignnone" width="1200"] تأثرت المصوّرة بصورة ورد التي ظهرت على أفيش دعائي لرواية مراد عقب صدورها[/caption] [caption id="attachment_44309" align="alignnone" width="700"] شيماء تصوّر نفسها في شخصية دولت الصعيدية[/caption]أمّا دولت المدرّسة الصعيدية التي يقتلها أخوها في آخر الرواية فتجسدها المصورة نفسها، تظهر شيماء كموديل بطلة للوحاتها، وتكرّر تيمة الوشاح الأزرق الموجود في الرواية، ويبرر الراوي بأنه اللون المفضل لدولت. ولأن دولت ضحت بنفسها وسمعتها لإنقاذ حبيبها "الفتوة" عبد القادر الجن، بالطبع سيكون ترجمة ذلك عند شيماء بالمعنى المباشر والأسهل: شمعة تحترق من أجل الآخرين، فتحمل دولت أو شيماء في الصورة عدة شمعات على رأسها تذوب على جبينها. عموماً حاصرت شيماء أي فرص للتأمّل حين لجأت إلى تضمين اللوحات المعروضة أجزاء نصيّة قصيرة تصف كل لوحة.
أحمد مراد مندهش أن يخرج هذا الفن من بنت مصرية
في الفيديو التسجيلي الذي أعد كبرومو للمعرض، يشيد مراد باللوحات التي استطاعت حسب قوله تخريج أبطال الرواية للواقع، شخصيات مدفونة في التاريخ ولا أحد يعرف عنها شيئاً، ولم تسم الشوارع والميادين بأسمائها على سبيل التخليد، خصوصاً أن الرواية تتعرض لفترة صعبة من تاريخ مصر. هي فترة مثلت حسب مراد، متعة فنية كبيرة أثناء الكتابة. وقال مراد أيضاً إن فكرة المعرض هي تصوير الشخصيات وتخيلها بشكل مختلف، بما تطلبه ذلك من جلسات مع المصورة لشحنها بتوصيفات إضافية لم يكتبها في الرواية. مصدر حماسة وإعجاب مراد أنه فوجئ بأن هذا النوع من الفن "يطلع من بنت مصرية" بحسب قوله، ولفت إلى تأثيرات فرنسية في أعمال شيماء.
أما شيماء فتقول: "أدخلتني الرواية في أعماق الصعيد وتالياً في تياترو بديعة مصابني وبيوت البغاء، والتحدي كان هو محاولة مقاربة الأماكن والأجواء نفسها". وتضيف أن التنوع في شخصيات الرواية دفعها لاستخدام أنواع مختلفة من الفوتوغرافيا: من التصوير المفاهيمي أو الاتجاه التعبيري إلى السيريال بورتريه،
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين