حين تأسست جامعة الدول العربية عام 1945، لم يتضمن الميثاق التأسيسي أي إشارة إلى حقوق الإنسان، سواء في ما يتعلق بالتعزيز أو بالحماية، ما دفع الجامعة، التي تقدم نفسها كمطورة ومنسقة للعلاقات الدولية العربية، أن تنشئ اللجنة العربية الدائمة لحقوق الإنسان عام 1968.
لكن هذه اللجنة لم تقم إلا بالقليل في ما يخص تطوير آليات وحماية حقوق الإنسان في العالم العربي، وبينما تنشأ الكثير من منظمات المجتمع المدني، العربية والأجنبية، في البلاد العربية، ويزيد نموها ودورها في مجال حقوق الإنسان، خصوصاً في الأزمات العربية الحالية، تحاول تلك المنظمات التقرب من الجامعة العربية والعمل بالتعاون معها، لكن أفق هذا الحلم يبدو محدوداً حتى الآن. فهل يمكن أن تتحقق شراكة المنظمات غير الحكومية مع جامعة الدول العربية في العمل في مجال حقوق الإنسان؟في دراسة قامت بها، تجيب مؤسسة Open society عن هذا السؤال، وتشرح العلاقة بين جامعة الدول العربية ومنظمات المجتمع المدني. وفي ملخص الدراسة، تشير إلى فقدان الثقة بين شعوب العالم العربي والجامعة العربية، فترى تلك الشعوب المنظمة الإقليمية الدولية، منظمة عقيمة وغير فعالة، تسعى إلى تنفيذ مصالح الحكومات لا الشعوب. وأنها تبتعد عن معالجة المخاوف التي تحيط بحقوق الإنسان، فلم تبذل الجامعة إلا جهوداً طفيفة لكتابة خطب تصف واقع حقوق الإنسان في العالم العربي، وخصوصاً بعد انطلاق الربيع العربي، من دون العمل على تحسينه كالخطاب الذي ألقاه نبيل العربي رئيس الجامعة، في الجلسة الافتتاحية لبحث إنشاء محكمة عربية لحقوق الإنسان. يقول في الخطاب: "أظهرت الأحداث الأخيرة، ضرورة الإنصات بكل اهتمام ومسؤولية إلى أصوات الشعوب العربية المطالبة بالتغيير والإصلاح، ومحاربة الفساد وبناء الدولة الرشيدة، التي تحقق الطموحات في العدالة الاجتماعية، وحفظ كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية التي اتفق عليها المجتمع الدولي".
المجتمع المدني مراقب فقط في الجامعة العربية
ويعود جزء من السبب إلى فقدان الروابط المباشرة بين كل من الجامعة العربية وضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، والمجتمع المدني. فلم تسع الجامعة العربية إلى تقوية العلاقات بين الأطراف، كونها المنظمة الإقليمية الدولية الأكبر في المنطقة، بل كان جلّ ما فعلته في هذا المجال أن منحت منظمات المجتمع المدني حق المراقبة فقط. فلا يمكن لتلك المنظمات المشاركة كمراقب في جلسات الجامعة المتعلقة بحقوق الإنسان أن تقدم مشاريعها وطروحاتها، بل تراقب فقط، ومع ذلك فإنّ هذا الحق لم يمنح إلا لعدد قليل من المنظمات وبقواعد ومعايير مقيدة.
كل ما فعلت الجامعة العربية لحقوق الإنسان
المشكلة أن الجامعة العربية، بموقعها العربي الجامع هذا، تعتبر الطرف الأنسب للعب دور قيادي في تحسين وحماية حقوق الإنسان في العالم العربي. في الواقع اتخذت الجامعة في السنوات القليلة الماضية بعض الخطوات تجاه الموضوع، إذ تبنت عام 2004 صياغة الميثاق العربي لحقوق الإنسان، لكنه لم يدخل حيّز التنفيذ إلا عام 2008. كما أسست اللجنة العربية لحقوق الإنسان، التي من مهامها تسليط الضوء على تقدم أو تراجع مقدار احترام حقوق الإنسان في العالم العربي. العمل الحالي على إعادة صياغة اتفاقية اللاجئين العربية قد يؤدي إلى تشكيل وثيقة أكثر احتراماً للمعايير الدولية. كما أن تعديل ميثاق جامعة الدول العربية، الذي أصبح في مراحله النهائية، قد يؤدي إلى اعتبار حماية حقوق الإنسان أحد مبادئ تأسيس الجامعة.
ورغم أن هذه الخطوات موضع ترحيب، فهي لا تخلو من العيوب، والعيب الأكثر وضوحاً هو استبعاد المجتمع المدني وضحايا الانتهاكات من إجراءات وعمليات الجامعة. فتمت مثلاً صياغة النظام الأساسي لتأسيس المحكمة العربية لحقوق الإنسان عام 2014، لكن من دون أن يتضمن مشاركة أي من منظمات المجتمع المدني أو خبراء حقوق الإنسان. ويعتبر هذا من العيوب الخطيرة، فالأفراد لا يحق لهم رفع قضاياهم مباشرة إلى المحكمة، لكن يمكن للدول أن تفعل ذلك نيابة عن مواطنيها، وهذا ما يحد بشكل كبير من قدرة المحكمة على معالجة انتهاكات حقوق الإنسان، وتقديم الجناة إلى العدالة.
وهذا يطرح سؤالاً جوهرياً عما إذا كان على منظمات المجتمع المدني الدفاع عن حقوق الإنسان من خلال الجامعة العربية، أو الافتراض مباشرة أنها قضية خاسرة.
محاولات
تملك الجامعة العربية القدرة على لعب دور أكبر في حماية حقوق الإنسان، لذلك تتعاون الكثير من منظمات حقوق الإنسان ومنظمات التنمية الإنسانية مع هيئات متنوعة في الجامعة العربية، وعلى الرغم أن بعض الجهود كانت نتائجها محدودة، فقد كان لبعضها الآخر أثر جيد. قدم العديد من المنظمات مقترحات محددة خلال عملية صياغة الميثاق العربي لحقوق الإنسان، وقد وافقت لجنة الصياغة على اعتماد هذه المقترحات.
إن فهم معايير وآليات عمل جامعة الدول العربية يعد أمراً ضرورياً لمنظمات المجتمع المدني، لتصبح قادرة على التأثير عليها في المستقبل، وهذا يتطلب اتباع منهج استراتيجي متماسك.
قد يكون التغيير بطيئاً، لكن المثابرة تمكننا من المساهمة في إصلاح جامعة الدول العربية ودفعها لتكون قادرة على حماية حقوق الإنسان في العالم العربي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 3 ساعاتربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ 14 ساعةحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ يومينبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ أسبوعمقال رائع فعلا وواقعي