هزّت هجمات باريس العالم ليل 13 نوفمبر، وامتدت تبعاتها ليس على أهالي ضحايا المدينة فحسب، فهي ستحدث تغييراً كبيراً في التعامل مع الكثير من القضايا الدولية، خصوصاً الشأن السوري، واللاجئين السوريين، وبالتأكيد الدولة الإسلامية. ما إن وردت الأخبار حتى فقد السوريون الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي صوابهم. بين ندب الحظ العاثر من جهة، والتطرف في التضامن أو الشماتة من جهة أخرى، علت الصراعات الافتراضية والجدالات القاسية.
المقارنون بدايةً
لا شك أن هول الكارثة السورية الحاصلة منذ 5 أعوامٍ تقريباً، يجعل مقارنتها بأي قضية عالمية أخرى أمراً مستحيلاً. فالأرقام المسجلة لضحايا سوريا ونازحيها ولاجئيها مرعبة، وهذا ما جعل شريحة واسعة من رواد مواقع التواصل الاجتماعي السوريين يقارنون بين القضيتين الفرنسية والسورية، ويدعون للانتباه إلى الثانية. لكن هذه المقارنة تأتي في سياق أقل ما يمكن القول عنه إنه غريب. وعلى الرغم من المظلومية التي تبدو واقعية أحياناً، بأن اهتمام العالم بالموت السوري اليومي لا يعادل شيئاً أمام اهتمامه بحدث فرنسي واحد، لكن المبالغة كانت واضحة. إذ سارع بعض السوريين إلى وضع العلم السوري، النظامي أو الثائر، على صورهم الشخصية على فيسبوك، تعبيراً عن الاحتجاج على تضامن فيسبوك مع هجمات باريس وطرحهم لخيار العلم الفرنسي على الصور الشخصية.
وقد سبق للسوريين أن وضعوا القضية السورية في الميزان مع العديد من القضايا العالمية. فحين طرح فيسبوك خيار العلم الملون تضامناً مع زواج المثليين الذي شرعته الولايات المتحدة منذ أشهر، وضع بعض الناشطين الأعلام السورية أيضاً نكايةً بفيسبوك.
الشامتون
أما المجموعة الشامتة بالباريسيين، فقد كان لها منطلق شبه موحد: "تذوقوا الكأس التي شربناها". غالبيتهم، وليسوا بالضرورة من المؤيدين للنظام، يعتبرون أن ما زرعته فرنسا في مواقفها "الداعمة للإرهاب في سوريا"، باتت تحصد نتائجه اليوم. يقول أحد الناشطين على صفحته على فيسبوك: "لقد نسيتم ما فعلت فرنسا بنا، ونسيتم شهداءنا، وها أنتم تبكون على فرنسا كأنها دولة صديقة". وفي محاولة للرد على الأصوات الشامتة القاسية، طرح بعض الشباب دعابات ساخرة من الفئة الشامتة، كتعليق على مسلسل باب الحارة السوري، الذي يصور الحرب السورية في أربعينيات القرن الماضي مع الانتداب الفرنسي، يقولون فيه: "نسيتم ما فعلت فرنسا بأبو عصام؟"، وهو شخصية من المسلسل.
السوريون الفرنسيون
على صفحته على فيسبوك، كتب أحد الناشطين والصحافيين السوريين، وهو مقيم في ألمانيا، بعد أن غير صورته الشخصية إلى الصورة الفرنسية: "عندي وقت أتعاطف مع ضحايا باريس، عندي كل الوقت، المو عاجبوا، أو اللي شايفه تعاطف مشبوه مع الإنسان الأعلى أو الضحية المتحضرة فيه ينسحب على جحره ومظلوميته، غير مسؤول شخصياً وما عندي أي وقت لأعطيه مبرر لدونيته تجاه ذاته".
ومثله فعل الكثير من السوريين المقيمين في دول أوروبية خصوصاً، فغيّروا صورهم على فيسبوك، وكتبوا نصوصاً داعمة ومتضامنة مع الأحداث الفرنسية، ينطلق معظمها من مبدأ التعبير عن أن ذلك الإرهاب، الذي حلّ بالفرنسيين لا يمثلهم وليس لهم شأن به، معتبرين أنهم هم أيضاً هاربون من الإرهاب الحاصل في سوريا.
اتهم هؤلاء بأنهم مغالون في تضامنهم، وفي عواطفهم الجياشة تجاه أوروبا، كما اتهموا بخوفهم من ردة الفعل الأوروبية تجاههم كلاجئين. تقول ريما، وهي شابة سورية مقيمة في باريس منذ سنة تقريباً: "لقد تأثرت كثيراً بالهجمات، أنا أعيش مع هؤلاء، وقد قدموا لي الأمان الذي لم يقدمه لي بلدي، من الطبيعي أن أتضامن مع مأساتهم". وتضيف: "الأمر ليس نسياناً للقضية السورية، بل بالعكس، فمن ذاق طعم الإرهاب من الطبيعي أن يشعر مع الآخرين عندما يأتي دورهم".
مواقف حقيقية
الصراع الافتراضي القائم حسمه بعض الشباب من مدينة دوما المحاصرة في غوطة دمشق الشرقية، عندما تضامنوا مع فرنسا من قلب حصارهم، مذكرين بأنهم لا يريدون أن يحدث للعالم ما حلّ بهم، وأن للقاتل هوية واحدة مهما تعددت أشكاله.
المضحك المبكي
في موجة التعليقات الغاضبة والمجادلات الفكرية التي لا تغير شيئاً من الألعاب السياسية الكبيرة، حاولت بعض الأصوات العاقلة السخرية من المهزلة الحاصلة على مواقع التواصل، إذ كتب أحد السوريين: "شو نكتب لحتى ما حدا يطرقنا بهدلة؟"، في تعبير عن الاحتدام الحاصل، وعن أن المبالغة في التضامن أو الشماتة هو فقدان كامل للحكمة.
أما جواز السفر السوري الذي صرحت السلطات الفرنسية أنها وجدته في أحد مواقع الجريمة، فقد أثار عدداً من التعليقات الساخرة كالـ"باسبورت المقاوم للرصاص، والتفجير والحرق"، و"الباسبورت الذي لا يغرق ولا يحرق"، و"قبل ما أعمل عملية، ما رح أنسى آخد باسبوري السوري". علماً أن أحداً من اللاجئين السوريين في فرنسا لا يستعمل جواز سفره السوري، لأن الإجراءات القانونية لعملية اللجوء تعطيه وثيقة يتجول بها.
وهناك أيضاً الاتهامات الغريبة للنظام السوري بأنه هو من قام بالهجمات على باريس، وقد خرجت الكثير من الأصوات المؤيدة لهذه النظرية بهدف إثبات الارتباط بين داعش والنظام السوري. أخيراً، الهجوم المضاد الذي شنته الطائرات الفرنسية على الرقة، كان أكثر ما أضحك الناس وأبكاهم في آن واحد، فأتت التعليقات على شكل: "تفجيرات بفرنسا، منقصف الرقة، وإذا حدا زعلت منه مرته بيقصف الرقة، ومين ما كان بيقصف الرقة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...