بعد سنة من عدم الالتئام بسبب خلاف حاد على جدول أعمال الجلسات، يعقد البرلمان اللبناني جلسة الخميس 12 نوفمبر، على وقع سجال مستمر منذ وقت طويل حول انتخاب رئيس للجمهورية وإقرار قانون للانتخابات. ولكن هذه المرة أضيف سجال قديم متجدّد حول حق المرأة اللبنانية في إعطاء أولادها الجنسية.
سجال حول أهلية المرأة
أخيراً، قررت أبرز الأحزاب اللبنانية المسيحية حضور جلسة مجلس النواب بعد رفضها ذلك سابقاً. رفض هذه الأحزاب كان سيحول دون عقد جلسة، كي لا يتم التشكيك بشرعية قرارات مجلس غاب عنه المكوّن المسيحي.
الثمن المباشر الذي حصلت عليه هذه الأحزاب هو إدراج مشروع قانون يسمح باستعادة المهاجرين المتحدرين من أصل لبناني للجنسية اللبنانية وإقراره. ففي اعتقاد هذه الأحزاب، معظم المهاجرين منذ القرن ما قبل الماضي هم مسيحيون، ما سيعني أن القانون سيفتح الباب أمام إعادة التوازن الديموغرافي إلى لبنان، الذي يتناقص مسيحيوه تدريجياً حتى باتوا نحو 35% من مواطنيه.
الجلسة كادت تلغى قبل انعقادها، بسبب طرح تيار المستقبل "السنّي" إعطاء المرأة اللبنانية الحق في منح الجنسية لأولادها، كون هذا المطلب سيسمح بنقل الجنسية اللبنانية إلى نحو 400 ألف، 70% منهم مسلمون، ما سيوازن المفعول الديموغرافي لقانون استعادة الجنسية.
على هذا الطرح، ثارت ثائرة التيار الوطني الحر. فرفض رئيسه، وزير الخارجية جبران باسيل، "مقايضة" استعادة الجنسية لـ"لبنانيين أصيلين" بتجنيس أشخاص من جنسيات أخرى. وهو موقف ردّدت صداه بلجهة أقل حدة أصوات كنسية مسيحية.
لن نقبل مقايضة اعادة الجنسية اللبنانية للبناني اصيل باعطاء الجنسية لفلسطيني وسوري
— Gebran Bassil (@Gebran_Bassil) November 7, 2015
ولكن بعد تعهّد رئيس تيار المستقبل، النائب سعد الحريري المشاركة في الجلسة التشريعية والتصويت على قانون استعادة الجنسية، وسحب "ندّه"، سُحب فتيل الأزمة وقررت القوى المسيحية المشاركة، خصوصاً أنه وافق أيضاً على عدم عقد أي جلسة أخرى، إلا إذا كانت لمناقشة قانون جديد للانتخابات النيابية وهو مطلب مسيحي آخر.
وعلى صعيد المجتمع المدني، طالبت حملة "جنسيّتي حق لي ولأسرتي" بـ"أولوية حصول النساء اللبنانيات المقيمات في لبنان على حقوقهن في المواطنة الكاملة، قبل المتحدرين في المهجر". ومن الأمور اللافتة أن القوى السياسية الشيعية والسنية والدرزية توافق على مطلب إعطاء المرأة اللبنانية الجنسية لأولادها، وكذلك حزبا القوات اللبنانية والكتائب (يمثلان نصف المسيحيين تقريباً)، وبرغم ذلك لم يعرف القانون طريقه إلى الإقرار. فحزب الله لا يريد إغضاب حليفه التيار الوطني الحر، ويقول بإقرار هذا المطلب إن توفر إجماع وطني عليه.
لماذا هذا التمييز؟
يعود قانون الجنسية اللبناني إلى عام 1925، وينص على أنه "يُعد لبنانياً كل شخص مولود من أب لبناني". ولا يسمح القانون للمرأة بإعطاء جنسيتها إلى زوجها أو أولادها، إلا في حالات محددة يندر أن تحدث في الواقع. لذلك، يطرح المجتمع المدني مساواة المرأة بالرجل انطلاقاً من مفهوم المواطنة، وانسجاماً مع الاتفاقيات الدولية.
على مستوى المؤسسات الدستورية، كان آخر النقاشات حول القضية توصيةً للجنة وزارية كُلّفت بدراسة المسألة، فأوصت في 16 يناير 2013 بأن "من شأن ذلك الإضرار بالتوازن الطائفي الديموغرافي في البلاد، وبالمصلحة العليا للوطن". الخوف على "التوازن الديموغرافي"، هو مفتاح فهم حرمان المرأة من هذا الحق. لذلك، سبق أن اقترح عضو كتلة التيار الوطني الحر النائب نعمة الله أبي نصر، ويُعتبر من أكثر الأصوات تنظيراً لهذا الحرمان، عوضاً عن منح المرأة هذا الحق، منح أولاد المرأة اللبنانية وزوجها إقامة دائمة في لبنان وإعطائهم كل الحقوق ما عدا الحقوق السياسية.
وفي السابق، كان أبي نصر يتحدث عن مبررات أخرى مثل شح الموارد التي لا تفي حاجة أبناء لبنان "بفعل الكثافة السكانية والتضخم البشري، الذي بلغ حد الانفجار السكاني، وتخطى الحد المقبول، ما جعل أبناءه خصوصاً الشباب منهم يسلكون طريق الهجرة". ولكن مع سعادته لمشروع قانون استعادة الجنسية كذّب مبرراته بنفسه.
وفي السابق أيضاً، كانت أصوات مسيحية وازنة تطالب بأن يقَرّ قانون استعادة الجنسية لموازنة أثر قانون منح المرأة الجنسية لأولادها. ولكن يبدو أن بعض القوى المسيحية وجدت الآن بسبب الظرف السياسي المعقّد فرصةً للكسب ديموغرافياً من دون أن يكسب الآخرون.
عملياً، يحمل المسيحيون خوفاً مستمداً من العام 1994، حين صدر بغير رضاهم مرسوم تجنيس منح الجنسية اللبنانية لنحو 200 ألف شخص، معظمهم سوريون وفلسطينيون (سنّة)، وهو ما اعتبروا أنه أحدث خللاً ديموغرافياً خصوصاً أن عدداً كبيراً من المجنسين استخدم كأوراق انتخابية.
ويخشون أيضاً من أن يكون هذا القانون مدخلاً لتوطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، برغم أن هناك عدداً قليلاً من الزيجات بين لبنانيات وفلسطينيين (إن أقرّ ستُنقل الجنسية إلى نحو 85000 مولود فلسطيني). ولكنهم يعتبرون أن إقراره سيشجّع على ارتفاع معدّل تزوّج اللبنانيات من فلسطينيين.
لبنان ليس استثناءً
حرمان المرأة من منح جنسيتها لأولادها ليس استثناءً لبنانياً. معظم الدول العربية تحرمها من هذا الحق. حال النساء في جارتي لبنان الأردن وسوريا هو نفسه. ومن الدول العربية القليلة التي منحت المرأة هذا الحق تونس (1993)، الجزائر (2005)، المغرب (2007)، العراق، وموريتانيا. وفي مصر نالت هذا الحق عام 2004، ولكن بموجب قرار لوزير الداخلية وُضع قيد على منح الجنسية لأبناء المصرية المتزوجة من فلسطيني، واستمر هذا القيد حتى ثورة يناير، حين حصل نحو 50 ألف فلسطيني على الجنسية المصرية.
وكما في لبنان، يحضر الفلسطينيون كذريعة لحرمان المرأة من هذا الحق. ففي الأردن، كما كان الحال في مصر، تطرح الخشية من تحوّل البلد إلى وطن بديل للفلسطينيين. علماً أن جامعة الدول العربية كانت قد أصدرت عام 1959 قراراً دعا إلى عدم منح الفلسطينيين جنسية البلد الذي يقطنون به، حفاظاً على جنسيتهم الفلسطينية وضماناً لحق عودتهم إلى بلدهم.
ولكن حين صدرت معظم قوانين هذه الدول، لم يكن الفلسطينيون قد هُجّروا ومع ذلك كان التمييز حاضراً. والسبب في ذلك، وهو السبب المستمر حتى الآن، هو عقلية ذكورية تستند إلى تقاليد دينية واجتماعية وتربط النسب بالرجل فقط. وهناك محللون يرون أن السبب هو اعتقاد ذكوري بأن أولاد المرأة من زوج أجنبي مشكوك في وطنيتهم. قانون استعادة المتحدرين من أصل لبناني للجنسية اللبنانية لن يمنح الجنسية لأبناء المتحدرات من أصل لبناني. إذاً، التمييز هو أساس القضية كلها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...