يبدو أن البزّة العسكرية أقفلت أزرارها على مصر. لم تعمّر تجربة الحكم المدني إلا عاماً واحداً، تحت إمرة جماعة الإخوان المسلمين، ثم ثار المصريون عليها في 30 يونيو 2013، لتعود الدولة العسكرية إلى حكم مصر بقيادة المشير عبد الفتاح السيسي.
ومنذ انتهاء الملكية عام 1952، ورحيل الملك فاروق، آلت البلاد إلى ولاية الجيش، فتولى اللواء محمد نجيب رئاسة الدولة مدة عام، ثم تقلد الحكم الراحل جمال عبد الناصر حتى وفاته عام 1970، ليخلفه قائد الحرب والسلام الراحل أنور السادات إلى حين اغتياله في حادثة المنصة عام 1981، وليليه قائد القوات الجوية في حرب أكتوبر حسني مبارك حتى خلعه بعد ثورة 25 يناير 2011.
الوزراء: مدنية الدولة على المحك
حرص الرئيس عبد الفتاح السيسي على إسناد وزارتين من أهم الوزارات إلى قيادات عسكرية سابقة، هما النقل والإنتاج الحربي، بالإضافة إلى وزارة ثالثة كان قد حجزها الجيش لنفسه هي وزارة الدفاع.
ويشغل حقيبة النقل اللواء سعد الجيوشي الذي كانت القوات المسلحة قد انتدبته لشغل منصب رئاسة هيئة الطرق والكباري. لكنه لم يستطع مواكبة التحديات الإدارية التي فرضت عليه، فأصدرت القوات المسلحة، بعد عام من انتدابه، في مارس الماضي، قراراً قضى بإنهاء مدة انتدابه وذلك بسبب البطء في تنفيذ المشروع القومي للطرق (3300 كيلومتر). وبعد أن ظنّ البعض أن الجيوشي سيختفي من المشهد، تم تعيينه وزيراً للنقل في سبتمبر الماضي.
وكان العام الذي تولى فيه رئاسة "الطرق والكباري" قد شهد العديد من الكوارث، أبرزها حادثة حافلة طلاب البحيرة، في نوفمبر 2014، وراح ضحيتها 17 طالباً تفحّماً، وقيل وقتذاك إن المهندس إبراهيم محلب، رئيس مجلس الوزراء السابق، لم يستطع إقالته لأنه عسكري.
مقالات أخرى
مصر، جمهورية الاستثناءات العظمى
ساحات مصر خلت من الثوار وامتلأت بمتظاهرين من الشرطة
ووقع اختيار الرئيس السيسي على اللواء محمد سعيد العصار لتولي وزارة الإنتاج الحربي. والعصار كان أحد أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة منذ عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك حتى قيام ثورة يناير، واستمر في منصبه مع المجلس العسكري الذي حكم البلاد لمدة عام ونصف العام بعد الثورة تحت قيادة المشير محمد حسين طنطاوي.
وكُلّف العصار، في فترة تولي المجلس العسكري تسيير شؤون البلاد، إدارة أخطر قضايا شغلت القوات المسلحة، وعلى رأسها قضية تمويل أمريكا لمنظمات المجتمع المدني في مصر. كما حاول تبرئة المجلس العسكري من مجزرة ماسبيرو التي وقعت في أكتوبر 2011 وراح ضحيتها العشرات.
ووصف الناشط السياسي ممدوح حمزة تزايد أعداد العسكريين في المناصب التنفيذية بـ"الكارثة". وقال لرصيف22 إن "السلطة الحاكمة تجعل الشعب تابعاً والعسكريين هم السادة على نحو لا يتماشى مع مبادئ ثورة 25 يناير التي رفعت شعار مدنية الدولة". وأضاف: "نقدر ونحترم جيشنا الذي يحمي حدود البلد، لكن دون أن يكون ثمن الحماية السيطرة على مقدرات الدولة".
واستنكر حمزة تولي اللواء سعد الجيوشي حقيبة النقل بعد فصله من رئاسة هيئة السكة الحديد، متهماً السلطة الحاكمة بتعمد إسناد بعض المناصب التنفيذية لـ"مدنيين فاشلين" مثل المهندس إبراهيم محلب، رئيس مجلس الوزراء السابق، تمهيداً لعسكرة الدولة، ومؤكداً أن بعض القيادات الواعية والمخلصة في الجيش غير راضية عما يحدث، الأمر الذى يضعها على المحك.
عسكرة المحافظات: ضرورة أم اضطرار؟
في أمر يبدو أن هدفه إحكام القبضة الأمنية على مصر، شهدت حركة المحافظين الأخيرة التي أجراها الرئيس السيسي تعيين 11 محافظاً خلفياتهم عسكرية.
ويرى الدكتور جمال زهران، أستاذ العلوم السياسية، أن ظاهرة تعدد القيادات العسكرية في المناصب المختلفة مؤقتة، وتحدث حالياً بسبب الظروف الخاصة التي تمر بها مصر من تحديات أمنية وإرهاب، وأيضاً لتسريع إنجاز بعض الملفات والمشروعات، كون العسكريين تربوا على الحزم والإنجاز داخل القوات المسلحة.
لكنه وصف وصول عدد المحافظين الأمنيين أو العسكريين إلى 11 بالظاهرة السلبية، وقال لرصيف22: "يجب أن يكونوا فقط في المحافظات الحدودية لأن البعد الأمني فيها يحتاج إلى تنسيق عالٍ لمجابهة العدو الخارجي"، وأضاف: "من الضروري أن تتسم شخصية المحافظ العسكرية بالكفاءة الإدارية والخبرة والنزاهة وطهارة اليد والتعامل المرن مع المواطنين".
مرشحو مجلس شعب: السياسة مهنة من لا مهنة له
ولم يكتف العسكريون بإحكام قبضتهم على السلطة التنفيذية فقط، بل قادهم طموحهم إلى السيطرة على السلطة التشريعية أيضاً. فلم تخلُ دائرة انتخابية من ترشيح قيادة عسكرية لشغل مقاعدها في البرلمان المقبل.
وأوضح الدكتور زهران أن عدد مرشحي مجلس النواب من العسكريين تجاوز الحدود، خاصةً بعد إنشائهم أحزاباً ترفع شعارات عسكرية، مثل حماة الوطن وفرسان مصر، ولا تختلف عن نظيرتها التي ترفع شعارات دينية في مخالفة الدستور الذي ينص على مدنية الدولة.
وقال أمين إسكندر، وكيل مؤسسي حزب الكرامة، إن الكثيرين من القيادات العسكرية التي أحيلت على الاحتياط ترشحت للبرلمان، ظناً منهم أن لهم ظهيراً بعد تولي الرئيس السيسي حكم مصر.
وأوضح لرصيف22 أن المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية شهدت منافسة 44 قيادة عسكرية على مقاعد البرلمان، "وكأن السياسة مجرد تدريب عسكري أو دورة أو مهنة من لا مهنة له، ونسوا أنها تاريخ نضالي والتحام بالجماهير وواقعهم وقدرة على التشريع وانحيازات اجتماعية لطبقات بعينها".
وأكد أن مصر تفتقد إلى القيادة السياسية، و"حتى البرامج الإعلامية التي تعطي جرعة سياسية للمشاهدين أُغلقت، في محاولة لإلهاء المواطنين عن واقعهم الأليم، وهذا يعني سيادة طبقة التكنوقراط أو المتخصصين أو العسكريين"، مشدداً على أن السياسي يجب أن يمتلك رؤيا شاملة وقدرة على التصرف في مواجهة جميع المشاكل والأزمات المختلفة، "وهو ما تفتقده مصر حالياً منذ مجيء السيسي إلى سدة الحكم، وهو يعتمد على غير السياسيين في المناصب المختلفة لأنه يكره السياسة كونه لا يجيد لعبتها "، برأيه.
المحليات: أمبراطورية فساد تحت إمرة العسكريين
تعد المحليات في مصر أمبراطورية خاصة للفساد. وأبرز أوجهها السرقة والتراخي في تحصيل إيرادات الدولة المستحقة مثل الإيجارات والضرائب وصرف حوافز دون وجه حق والاستيلاء على الأدوية، وصرف مبالغ مالية من حساب الموازنة العامة دون أوراق أو مستندات صرف وإسناد المناقصات بالأمر المباشر.
والغريب أن غالبية قيادات المحليات شخصيات عسكرية. وكشفت كارثة غرق محافظة الإسكندرية أخيراً عن مدى الفساد المستشري في قيادات المحليات العسكريين.
وقال الدكتور وحيد عبد المجيد، أستاذ العلوم السياسية ونائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، لرصيف22 "إن معايير اختيار القيادات التنفيذية في مصر غائبة، وهناك قيادات عسكرية ومدنية تُعيّن في أماكن لا تصلح لها، لافتقاد الموضوعية في الاختيار". وتابع: "السلطة الحاكمة تدور داخل حلقة ضيقة في ما يخص تعيين القيادات في المناصب التنفيذية المختلفة، وهناك مجموعات محدودة تعيد إنتاج نفسها في المناصب القيادية، سواء من المدنيين أو من العسكريين، مؤكداً أن كارثة الإسكندرية كشفت "تغلغل" الفساد في المحليات التي تسيطر على غالبيتها قيادات عسكرية".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع