"كيف يمكنني أن أرى كل ذلك ولا أفعل شيئاً؟ كيف أكون إنسانة وأنا أرى كل ذلك يحدث من دون أن أبذل كل جهدي لإنقاذ هذه الأرواح"؟ هكذا تحدثت الصحافية والفنانة والناشطة الألمانية نادية كي عن تجربتها على الحدود الصربية - المجرية، حين كانت هناك تعبر مع لاجئين من جنسيات مختلفة، غالبيتهم من السوريين، الحدود بين البلدين، برغم المنع الذي فرضته الشرطة المجرية، وحالة انتظار ثقيلة ومزرية للعائلات والأفراد المسافرين لساعات طويلة.
قالت كي لـرصيف22: "كنت على الحدود الصربية - المجرية، حيث تنتظر أعداد كبيرة من اللاجئين دورها للعبور، بعد أن أغلقت الشرطة الطريق أمامهم. نحن كأوروبيين يمكننا العبور لدى إشهار هوياتنا، لكن اللاجئين عليهم البقاء". واجه عدد من الصحافيين والإعلاميين، الذين كانوا على الحدود والمناطق التي شهدت تدفقاً للاجئين والمهاجرين، صعوبة في التجرد من الحس الإنساني في نقل الخبر وتغطية ما يحدث. فالبعض، وعلى رأسهم الصحافية المجرية، التي عرقلت اللاجئين السوريين، كانت تمثل أجندة الحزب اليميني الذي تنتمي إليه، والذي يحارب وصولهم إلى أوروبا. بينما بقي كثيرون على الضفة الأخرى، راغبين في المساعدة والتواصل وتقديم الدعم لهؤلاء القادمين من بعيد.مقالات أخرى
آلاف اللاجئين الصوماليين في اليمن يحلمون بلجوء جديد
إذا توقفت الحرب، هل سيعود اللاجئون السوريون؟
أضافت نادية: "كانت هناك عائلات وأطفال صغار جداً في العراء، في هذا الجو الخريفي البارد، قادمون من رحلة طويلة عبر البر أو البحر، وهم في حاجة لأن يعبروا المجر للوصول إلى وجهتهم، السويد أو ألمانيا. تحدثت مع بعضهم، والتقطت صوراً، لكن لم يكن في إمكاني عمل شيء آخر، حين حلّ المساء كنت قد تعبت نفسياً من رؤية هذه الأعداد البشرية عالقة بين حدود بلدين لم يكن بينهما حدود، ولا أستطيع القيام بشيء، فقررت المغادرة".
ركبت نادية سيارتها وتوجهت نحو المجر، إلا إنها رأت أعداداً من اللاجئين، الذين يسيرون باتجاه أوروبا الشمالية، فابتعدت عن الطريق الذي يسيرون عليه وقادت سيارتها في الغابة، الوقت كان مساءً، والجو ماطراً، حتى رأت 3 شبان، لا تتجاوز أعمارهم العشرين أوقفوها ليسألوها كيف بإمكانهم الوصول إلى سيارة أجرة. "وكأن الله أرسلني لأقوم بشيء مفيد أرضي به ضميري، طلبت منهم الركوب في السيارة، وأخذتهم إلى أقرب سوبر ماركت لشراء بعض الحاجات والطعام، وأوصلتهم إلى وجهتهم، الحدود السلوفاكية"، تقول الصحافية والناشطة الألمانية، وتضيف: "أخبروني أن والدهم أوصاهم بالذهاب إلى السويد، بينما بقي هو في الحرب الطاحنة. حين وصلوا إلى الحدود كانوا ممتنين لي جداً، وطلبوا صداقتي على Facebook. في الحقيقة أنا التي كنت ممتنة لهم، لأنهم منحوني الفرصة في تقديم شيء للاجئين". وتتذكر نادية: "كنت على الحدود بين صربيا والمجر، ورأيت المصورة المجرية بيترا لاسزو التي قامت بعرقلة عدد من اللاجئين الذين كانوا يودون الهروب إلى داخل المجر. بحنق شديد واجه كل الصحافيين هناك هذه الصحافية التي تجردت من الأمانة الصحافية والإنسانية، لتعرقل شخصاً كان يريد الفرار مع طفله". وتشير نادية إلى أنه كان من الصعب عليها الفصل بين كونها صحافية يجب أن تنقل الأحداث كما هي، وبين كونها ناشطة ترى أشخاصاً في حاجة للمساعدة ولا تساعدهم، "كان ذلك صعباً جداً"، قالت. وكانت الشرطة قد أغلقت الحدود بين المجر وصربيا بسياج من الأسلاك الشائكة، تاركة مئات من المهاجرين واللاجئين عالقين على الحدود، بهدف منعهم من دخول دول الاتحاد الأوروبي. أما الصحافي الألماني، الذي اكتفى بذكر اسمه الأول مارتن، الذي كان جاء لتغطية الحدث في هنغاريا موفداً من صحيفته الألمانية، فقال: "كان هناك المئات من اللاجئين في العراء البارد، بلا طعام ولا مال". بعد ساعات طويلة قضاها مارتن مع هؤلاء اللاجئين، تعرف إلى قصصهم والمعاناة التي عاشوها حتى وصلوا إلى هنغاريا، ولم يستطع أن يتمالك نفسه، أو يمنع نفسه من التدخل: "ذهبت إلى أقرب سوبر ماركت واشتريت مستلزمات وأطعمة معلبة، وكتبت على حسابي على موقع Facebook، أنني للتو أنفقت 40 يورو لتوفير مستلزمات للاجئين، من يود منكم المساهمة بمثلها فليخبرني بذلك، وخلال ساعتين تلقيت ردوداً من أصدقاء وزملاء، حتى وصل المبلغ إلى أكثر من 600 يورو، وهو مبلغ لم أكن أملكه في ذلك الوقت، فأنفقت ما كنت أملك لمساعدة أكبر قدر من اللاجئين باسم من طلب مني ذلك من الأصدقاء والزملاء". وفي يوم آخر من أيام وجود مارتن في أحد المخيمات التي نصبت للمهاجرين في هنغاريا، كان هناك رجل وزوجته الحبلى وابناهما الصغيران، وأخواته وبنات خالاته. يقول مارتن: "كانوا ينتظرون السماح لهم بأخذ القطار أو الباص إلى وجهتهم، إلا أن ذلك كان يبدو بعيد الأفق، أشفقت لحالهم وسألت الرجل إذا توافرت سيارة، فهل يستطيع هذا الرجل أن يأخذ عائلته ويرحل، فأجاب بالإيجاب، طلبت من أحد الأصدقاء القدوم من برلين لأخذهم، لأن موعد ولادة السيدة اقترب، ولا يجوز أن تبقى في هذا المكان من دون رعاية صحية، وهذا ما حدث". ويختم مارتن:"صور بعض الأطفال والعائلات، تعلق في الذاكرة، فأعود إلى بيتي وعائلتي وأتذكر هؤلاء الذين غربتهم الحرب وذلّتهم رغبتهم في العيش بأمان ليكابدوا كل هذه المشقات من أجل مستقبل أفضل".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...