"كويتي مع وقف التنفيذ". هكذا يعرّف أحمد، وهو اسم مستعار، عن نفسه. أما التعريف الرسمي والدولي للفئة التي ينتمي إليها أحمد، فهو "عديم الجنسية" أو "بدون".
البدون في الكويت هم مواطنون كويتيون أو غير كويتيين لكنهم عديمو الجنسية، لا يحملون جنسية الكويت ولا أي دولة أخرى، ويقدر عددهم وفقاً لهيومان رايتس واتش بأكثر من 100 ألف شخص. وتعتبر الحكومة الكويتية أن "البدون تعمدوا إتلاف أدلة جنسياتهم من أجل الحصول على الامتيازات التي تقدمها الكويت لمواطنيها، لكنهم لم يحصلوا على الجنسية الكويتية".
وتقول المحامية والناشطة في مجال حقوق الإنسان الكويتية سهى العودة، إن "قانون الجنسية الكويتي يمنح كل من أقام في الكويت قبل عام 1920 الجنسية بالتأسيس وكل من يولد لأب كويتي. أما قضية البدون فتعود إلى ستينيات القرن الماضي، حين استقلت الدولة عن المملكة المتحدة. ومن البدون من لم يحصل على الجنسية الكويتية لأن الحكومة لم تمنحها لهم آنذاك، برغم الوعد بالحصول عليها. ومنهم من لم يحصلوا عليها بسبب قلة الوعي وعدم تسجيل أنفسهم على أنهم مواطنون، وهم كثر، منهم من هم أبناء وأحفاد عديمي الجنسية أو أبناء المواطنات المتزوجات من عديمي الجنسية".
مقالات أخرى
خارطة حقوق المرأة السعودية: المسموح والممنوع
تويتر وفيسبوك يتغلبان على الديوانيات في الكويت
يؤكد أحمد أن أول ما فعلته الدولة بعد الاستقلال كان "حرمان البدون من الحقوق السياسية، وجميع الامتيازات التي يتمتع بها المواطن العادي، ثم التضييق والقمع لتحركاتهم المطالبة بحقوقهم، حتى غزو العراق للكويت، إذ مثّل البدون نحو 80% من قوة الجيش الكويتي آنذاك، وصولًا للتسعينيات حين منح أمير الكويت الجنسية لـ2000 من البدون كل عام ليتم تجنيسهم، لكن لم يحصل ذلك، وذلك لإيقاف القانون الذي كان قد أصدره مجلس الأمة". وأشارت العودة إلى أن هذه الفئة "محرومة من استخراج الوثائق الرسمية، والتنقل بحرية داخل حدود البلاد وخارجها بسبب منعهم من إصدار رخصة قيادة أو جواز سفر. عدا أنهم محرومون من الحق في العمل، بسبب فرض قيود شديدة في القطاعين الخاص والعام على تشغيل هذه الفئة. بالإضافة إلى منعهم من حق التملك أو ترتيب أي تصرفات قانونية باسمهم".
مواطن من الدرجة الثانية أو أقل من مواطن...
يرفض أحمد اعتباره مواطناً من الدرجة الثانية، فهو يعتبر أن الدرجات قائمة بين من يحملون الجنسية أنفسهم. أما هو، بحسب تعبيره، فقد يكون "في ترتيب بعيد عن المواطنة أصلاً". ويقول: "كيف أكون مواطناً وأنا محروم من جميع حقوقي تقريباً؟".
في مطلع عام 2011 خرج مئات من البدون في الكويت للتظاهر مطالبين بحقوقهم، وبحسب تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش حينذاك، فإن الحكومة استخدمت العنف في حقهم لتفريقهم، لكنها بعد احتجاجات وضغوط دولية، منحت البدون بعض المزايا والخدمات مثل الرعاية الصحية والتعليم المجانيين عبر صندوق خيري والبطاقة التموينية.
وعن الصعوبات التي يواجهها أحمد في حياته اليومية، بسبب انتمائه إلى فئة البدون، يقول: "هي عديدة أهمها العمل، إذ نجبر على القبول بوظائف زهيدة الراتب مثلاً، كما أن حرمان الأطفال من التعليم الحكومي وتوفير مساكن متواضعة في مناطق شبه نائية، أسهم في خلق حالة من العزل عن المجتمع".
وتلفت العودة إلى أن "البدون يحصلون على تعليمهم عن طريق القطاع الخاص، فمنهم من هو قادر مادياً على تحمّل الرسوم والتكاليف التي تفرضها المدارس الخاصة، ومنهم من يلجأ للمساعدة من صناديق أنشأها أفراد ومؤسسات غير حكومية لتقديم المعونات المادية لهم".
كيف يتعامل المجتمع مع "البدون"
تؤمن قلة قليلة من الناس بحقوق البدون وضرورة إعادتها لهم، وهم يواجهون نظرة فئوية من قبل عدد كبير من أفراد المجتمع، وهي مبنية على اختلافات عرقية ومذهبية تمنع الغالبية من تقبل وجود هذا المكون بينها. أحمد يؤكد أن "البعض يرى أن البدون يملكون طاقات كبيرة ومواهب عديدة تستطيع خدمة الوطن، لكن غالبيتهم ترفض فكرة التجنيس، وهو الملف الأكثر حساسية في الكويت بشكل عام". ويضيف أن "الدولة تنظر للبدون على أنهم مخزون استراتيجي عند الحاجة، لذلك ضمتهم سابقاً للجيش والشرطة، ومع تجدد الأخطار حالياً ستعيد قبولهم".
أما المحامية التي تنشط في قضايا حقوقية عدة منها قضية البدون، فتقول إن هناك جانباً مشرقاً دائماً، وتوضح أن "مؤسسات المجتمع المدني تنشط في الدفاع عن حقوق هذه الفئة المهمّشة وتسعى لإيجاد حل جذري للقضية، كما تنشر الوعي الحقوقي بين أفراد المجتمع". وتشير إلى أن "وسائل الإعلام في الكويت لا تختلف في هذه القضية عن الدولة، فبينما لا يوجد قانون لتجريم خطاب الكراهية أو التحريض ضد البدون، يترك الأمر لسياسة الناشر دائماً".
لا يبدو أن الأمور المُعلقة منذ أكثر من 50 عاماً قد وجدت سبيلها للحل، إلا أن الدولة أشارت عام 2014 إلى أنها تتفاوض مع بلدان أخرى، منها جزر القمر، لتجنيس البدون مقابل مزايا اقتصادية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...