ليس بالأمر المفاجىء أن تدخل الكويت في أزمة سياسية عميقة هذا الصيف. فرغم اندلاع الأزمة وأخذها طابعاً عنيفاً مطلع الشهر الجاري، بعد اعتقال عدد من السياسيين على رأسهم النائب السابق مسلم البراك، الذي أخلي سبيله البارحة، يعود السجال السياسي في الإمارة الخليجية سنوات عديدة إلى الوراء.
في بيئة صراع لم تعرف مثلها منذ ثلاثة أرباع القرن، تشهد الكويت منذ سنوات انشقاقاً سياسياً ومجتمعياً بين السلطة والمعارضة بقواها المتعددة. البراك، الذي اعتقل عقب اتهامه بـ"السبّ والقذف" بحقّ رئيس المجلس الأعلى للقضاء فيصل المرشد والإساءة إلى القضاء في كلمة له ألقاها بساحة الإرادة الشهر الماضي، أُطلق سراحه أمس. وهو كان دعا المعارضة، في كلمته، إلى الخروج مرتين في الشهر والمبيت في الساحة حتى إسقاط البرلمان والإبقاء على نظام الدوائر الانتخابية، متوعداً باستمرار أنصار المعارضة في الميادين حتى إسقاط الحكومة وتشكيل حكومة تعّبر عن "الإرادة الشعبية" و"إسقاط الفاسدين ومحاكمتهم".
تثير الأزمة الحالية المخاوف من مرحلة جديدة من انعدام الاستقرار السياسي في الكويت، بعد أشهر من الهدوء تلت أزمات سياسية متواترة بين الحكومة ومجلس الأمة (البرلمان)، وبعد أن شهدت البلاد اضطرابات سياسية أدت إلى استقالة نحو عشر حكومات وحلّ ستة برلمانات منذ منتصف العام 2006.
وقد صعّدت المعارضة من تحركاتها المطلبية ميدانيّاً منذ ليل الخميس الماضي، ما دفع قوّات الأمن إلى مواجهة المتظاهرين بقنابل الغاز المُسيّلة للدموع وبالقنابل الصوتية وخراطيم المياه في محاولة لتفريقهم في مناطق صباح الناصر والجهرا والعارضية والصباحية والرقة، تحت حجة عدم شرعية التظاهرات غير المرخّص لها من قِبل وزارة الداخلية. وكانت التظاهرة جمعت آلافاً من أنصار المعارضة، وانطلقت من المسجد الكبير في العاصمة للمطالبة بـ"تطهير القضاء وإطلاق سراح المسجونين بتهم سياسية".
في وقت سابق، خرج الأمير الكويتي الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح بتصريحين، مستبقاً التظاهرات، شدد فيهما على ضرورة الحفاظ على أمن البلاد والمؤسسات فيها وحذّر من مغبّة الإساءة إلى سمعة السلطة القضائية، منبّهاً من أن المسار الذي أخذته الأزمة السياسية الداخلية يهدد مستقبل البلاد ووجودها. وكانت وزارة الداخلية قد حذرت في بيان أنها "ستواجه كل أعمال العنف والشغب والحرق والإتلاف والتدمير والتعدي على رجال الأمن والمرافق والمصالح العامة والخاصة التي حدثت خلال اليومين الماضيين".
لكن الأزمة ما زالت تتفاعل. ففي المقابل، أصدرت "حركة العمل الشعبي"، التي يتولى البراك منصب أمينها العام، بياناً نددت فيه بإجراءات قوى الأمن ضد المتظاهرين مشيرةً إلى أن الدستور يمنح الأفراد «حق الاجتماع من دون حاجة إلى إذن أو إخطار سابق»، مؤكدة رفضها «أي محاولة أو دعوة للخروج عن السلمية»، ومعتبرةً أن ما يجري «محاولة متعمّدة لصرف الأنظار عن القضية الرئيسية التي تشغل الرأي العام في الكويت وما يتمّ تداوله من أحاديث عن تحويلات وإيداعات طالت أطرافاً في السلطات المختلفة وأرصدة مالية وحسابات شخصية مشبوهة لمسؤولين سابقين بلغت عشرات مليارات الدولارات".
وقد احتدم الصراع السياسي في الكويت في السنوات الأخيرة. فبعد تشكيل معارضة ضمّت الحركة الشعبية الدستورية (حشد) برئاسة أحمد السعدون والبراك وخالد طاحوس وبعض النواب عام 2009، بالإضافة إلى الحركة الدستورية الإسلامية والحركة السلفية المنشقة عن التجمع السلفي وبعض أعضاء التجمع السلفي، طالبت المعارضة برحيل رئيس الوزراء آنذاك ناصر المحمد وباختيار الشعب رئيس وزراء البلاد الجديد بشكل مباشر.
أدّت المواجهات التي اندلعت في نوفمبر 2011 إلى اقتحام مجلس الأمة، قبل تبرئة المعارضة من القضية في المحاكم وحلّ مجلس الأمة بعد ذلك بشهر وتعيين الشيخ جابر المبارك الصباح رئيساً جديداً للوزراء. أجريت الانتخابات في شباط 2012، ففازت المعارضة بغالبية الأصوات، 35 نائباً من أصل 50. لكن بعد حلّ المجلس من جديد بسبب خطأ في إجراءات حلّ مجلس 2009 وإبطال المحكمة الدستورية لمجلس 2012، رفضت المعارضة المرسوم الأميري الصادر في أكتوبر 2012 القاضي بإجراء تعديل جزئي على قانون الانتخاب لإعطاء "صوت واحد للمواطن الواحد" وتخفيض عدد المرشحين من أربعة إلى واحد في كل من الدوائر الانتخابية الخمس في البلاد، ثم قاطعت الانتخابات التي أجريت وفق هذا القانون. عادت المحكمة الدستورية لتحل المجلس متحججة بخطأ في الإجراءات القانونية حسب حكمها في يونيو 2013.
حصلت آخر انتخابات في يوليو 2013 بمشاركة قدرت بأكثر من 51% وشهدت صعود الليبراليين وشخصيات سياسية قبلية ولحقتها انتخابات تكميلية في مايو، بعد استقالة بعض أعضاء مجلس الأمة. لكن تلك الإجراءات لم تطفىء نار الصراع السياسي في الكويت حتى الآن ويبدو أن الأزمة في البلاد ستكون طويلة الأمد في ظل تخوف خليجي من امتداد "الربيع" إلى الأراضي الكويتية. دفع ذلك بالأمير القطري تميم بن حمد آل ثاني للقيام بزيارة خاطفة إلى الكويت نهار الأحد الفائت.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين