عقد كامل مر على نشأة جماعة " شتا" السعودية، التي عنيت بالفن المعاصر، ممتزجاً بالشعر والفنون الأخرى. كانت الرغبة ملحة آنذاك لبدء انطلاقة حقيقية لأعمال مغايرة ومختلفة. وفي ظل المخاوف والقلق بدأت شتا - وهي تتخذ من كتابة اسمها شكلاً مخالفاً لما هو متعارف عليه في الخط العربي - بإقامة معرضها الأول في مدينة جدة، بعد إعلان بيانها التأسيسي في مدينة أبها، ذاهباً نحو رؤية لا تزعم بأنها الأولى، إذ إن هناك تجارب قليلة كانت بدأت في معارض فنية معاصرة، بمحاولات ناجحة أثارت الكثير من الأسئلة.
جاءت شتا لتعبر عن مفاهيم جديدة متصلة بالحياة، في عالم يضج بالأسئلة والتغيرات، وفي مجتمعات ملأى بثقافات مختلفة وبقضايا جوهرية تتصل بالمكان. لكنها لا تلبث أن تطير نحو آفاق إنسانية مشتركة، مستفيدة من مفاهيم غير محددة، كالمجانية والمصادفة في العمل الفني، والتأسيس من الفراغ والأدائية الجديدة، ولتقلص الفجوة التي كانت تزداد مع متلق طالما راوده السؤال في مراحل قديمة كالسريالية والتجريدية.
مكة والتراث الديني في الفن المعاصر
نجحت التجربة في نقل المتلقي من الطبقي إلى شرائح متعددة من الناس، ومن النخبوي إلى الشارع. ومن تلك الجمالية البحتة، التي تلون الحياة دائماً بالبهجة، إلى الواقع الشائك أحياناً والحافل بهموم الإنسان وإشكالاته. ونقل الفن من حالة المحترف والماهر والمتقن، إلى الحياتي والمحيط المُشاهد، بعيداً عن تخدير الحواس. كذلك جعل الفن في متناول الجميع.
نرى هذه المفاهيم تتجسد في تجربة "عبدالناصر غارم": ماهي الطبيعة؟ مقاربة الطبيعة بوجودنا الإنساني، وفي عمل فيديو فني Video Art، تحت عنوان "الصراط"، يطرح سؤالاً مصيرياً مستلاً من وقائع الحياة. ومثله في عمل "تحويلة"، أو تلك القراءة الجديدة للموروث في عمله المثير للجدل "القبة". أو أخيراً معرض "الصحوة"، الذي يتصل بأسئلة جوهرية تعنى بمراحل التفكير والانغلاق.
القبة - الفنان عبد الناصر غارم
نراها كذلك مع "أحمد ماطر" في عدد من الأعمال المؤثرة كالمغناطيس المتصل (الصورة الرئيسية)، بمجموعة من الأسئلة المتوارثة، ومدى إمكانية تحريكها في الوعي المغيب. وأعمال أخرى كالبقرة الصفراء، وأشعة إكس راي X-Ray وفاران، التي تقرأ مدينة مكة من منظور مختلف عن السائد.
من مجموعة إضاءات للفنان أحمد ماطرمقالات أخرى
تلفاز 11: لقاء السعودي بأناه العليا
أبرز المعشوقات العربيات
كل ذلك جاء بعد شتا بسنوات، وامتداداً من الفنانين أنفسهم في أعمال لم تتوقف. نجد "عبد الكريم قاسم" في عمله "تبليط البحر"، وفي عمل آخر يعتمد على البحث والتحري والمفارقات بين صور التقطت قديماً وحديثاً للأشخاص أنفسهم، وهي تعطي دلالات نحو التحولات والمتغير الهائل. وكذلك "أشرف فياض" في البطاقات الافتراضية، حسب أهواء الأشخاص وميولهم واهتماماتهم، وفي قطعة القماش التي رسم عليها نزيفاً في صورة خارطة العالم.
أشرف فياضفي مواجهة القفل
لم تتوقف التجارب مع شتا، بل استمرت وحققت المزيد مع فنانين كـ"إبراهيم أبو مسمار"، في عمل "القفل" في مجاز للفكر المتحجر الذي لم يعد يقبل الآخر، ولم يعد في وسعه الإضافة أو الحوار.
القفل - ابراهيم أبو مسمار
وفي عمل الجدار العازل الذي طاف به عدداً من الدول، ويعبر فيه عن نظرة إنسانية وموقف تجاه ذلك الجدار. و"منال الضويان" في طرحها لقضايا المرأة ضمن حساسية جديدة. تلك القضايا المتصلة بالسفر والعادات والتقاليد، ومساحات التعبير والعمل، ومرتبطة باللغة والصورة والمفارقات التي تتولد منهما.
Suspended Together - منال الضويان
إلى جانب "أيمن يسري"، الذي بدأ مبكراً بعدد من الأعمال المهمة، وعرف بلقب ديدبان، الشخصية التي لازمته في أكثر من عمل. بالإضافة إلى عمل "محارم" والصور الملتقطة من أفلام، والتي تحمل عبارات ذات دلالات جديدة حالما نضعها في قالب محلي أو شعبي.
محارم - الفنان أيمن يسري
كما نلحظ أعمالاً لـ"عبد الله العثمان"، منها تلك الشاشة التي عرضها في بينالي فينيسيا 2013، وطرح منها سؤاله وتلقى ردود الأفعال. لم يكن سؤالاً اعتيادياً، وفي اللحظة نفسها كان يمكن أن يخطر على بال أي شخص في العالم، المشتركات الإنسانية التي يمكن أن تتقاطع فيها وحولها الشعوب، بمختلف عاداتها وتقاليدها وأعرافها. ومع حساسية سؤال العثمان، إذ السؤال عن الله، أو أي موضوع ميتافزيقي تختلف حوله الثقافات الدينية وتحتد وتصطدم أحياناً جراء الفروق الهامشية أو الأصولية، تكون المفارقة والدهشة والاختلاف.
والفنانة "هند الذرمان"، وهي تتشابك مع اللغة في لوحات حروفية، تشير دائماً إلى قيم مهملة في الموروث المندثر. وفي عمل جديد عنوانه "على حافة الألم" تطرح "غادة الحسن" مجسماً كبيراً لعلبة طماطم في صورة ممزقة، بوصفها واحداً من المنتجات الاستهلاكية. لكن غادة تجسد هذه العلبة بشكل ضخم، هي كناية عن حالة التضخم والترهل جراء تكدسها لدى المستهلك في صورة ساخرة وحقيقية، في إشارة إلى حالة التكدس الذي نمارسه كأشخاص وكمجتمع استهلاكي.
أما "رملاء الحلال"، فوظفت لعبة البلاي ستيشن Play Station، في مفترضات متصلة بالواقع وبمشاهير الفن المنسيين. وتستلهم فكرة الجداريات في الغرافيك والـ"بوب آرت" Pop Art و"الكولاج" Collage، من واقع التعبير عن الرأي والحرية، كتلك العبارات التي سادت جراء هذا الواقع الجديد مثل: "ارحل" و"لا" وغيرهما.
وقد أثر في الفنانة، أن تلك التعبيرات كانت تعطي وقعاً أكبر بعد طمسها بطريقة عشوائية. ففي لوحة "ارحل"، لن تبدو الكلمة واضحة أبداً في الصورة، فقد طمست من أجل كتم الصوت في الجدار. تلك الكلمة يمكن قراءتها لمجرد بقاء حرف من حروفها ظاهراً، بل أصبحت كلمة شائعة وجاءت بالكثير من التعبيرات التي ولدت منها، وشوهت بألوان عشوائية في اللوحة، وهذا ما سيكون مشابهاً في لوحة "قدسوا الحرية".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 3 أيامtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع