أعاد عرض "بار فاروق" المسرحي الغنائي للمخرج اللبناني هشام جابر جمهور مهرجانات بيت الدين إلى أجواء مدينة بيروت في النصف الأول من القرن العشرين، بمزاجها الغنائي الخاص وملامحها الاجتماعية وحكاياتها وحياة الليل فيها، قبل أن تأتي عليها متغيرات سياسية وثقافية متعاقبة، كان آخرها الحرب المدمرة التي اندلعت في السبعينات.
وبعد سبعة أشهر من التصميم والتدريب، أطلت الفرقة المسرحية الغنائية في أمسيتها الأولى الخميس أمام جمهور غصت به الباحة الداخلية من القصر المبني في مطالع القرن التاسع عشر في بلدة بيت الدين التاريخية شرق بيروت، في إخراج مسرحي لم يقتصر على خشبة المسرح، بل تعداها إلى صفوف الجمهور الذي وضعت مقاعده الأولى حول طاولات، في جو يحاكي أجواء الكاباريهات.
مقالات أخرى:
بمترو المدينة تعا فرفش وسلّينا
متحف Aishti الجديد: ما تحتاجه الساحة الفنية في العالم العربي
واستوحى هذا العرض اسمه من مكانين مطبوعين في الذاكرة البيروتية، مسرح فاروق الذي أنشئ في السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر في وسط بيروت باسم "زهرة سوريا" ثم تغيرت أسماؤه مراراً بما يؤشر على عمق التأثير المصري على المزاج البيروتي آنذاك. فقد أصبح بعد ذلك "مسرح فاروق" تيمناً بالملك فاروق الذي حكم مصر بين 1936 و1952 وبهذا الاسم ظل معروفاً رغم تغيير اسمه إلى "مسرح الثورة" بعد الإطاحة بالملكية في مصر.
أما المكان الثاني فهو "بار فاروق" أحد أشهر بيوت الدعارة في بيروت التي كانت منتشرة في ذلك الزمن، وحولها يدور كثير من القصص والشائعات.
ويقول هشام جابر "أردنا من هذا العمل بشكل أساسي تصوير بيروت في تلك الحقبة، من خلال نقل أجواء المسرح وما كان يقدم فيه من ثقافة موسيقية غنائية واستعراضية ذات نكهة مدينية خاصة متأثرة إلى حد ما بالأغنية المصرية وبالجو المصري، وذات هوية مختلفة عن الأغنية الريفية اللبنانية التي طغت على المشهد الثقافي بعد ذلك".
ويضيف "لقد أصبحنا بعيدين عن هذا الجو اليوم فلم نعد نعرف سوى الانتاج الموسيقي الريفي من الأخوين الرحباني إلى زكي ناصيف وغيرهم، وطويت في ذاكرتنا صفحة الانتاج الموسيقي المديني من عمر الزعني وسامي الصيداوي وغيرهما".
8adb3f3283db3c9a4a62da724a531cb076cec13d
يستعرض العرض على مدى ساعتين، أغاني من التي استضافتها دور العروض البيروتية منذ مطالع القرن العشرين، مثل موشح "ملا الكاسات وسقاني" للمصري محمد عثمان أحد رواد النهضة الموسيقية المشرقية المتوفى في العام 1900، مروراً بالتراث الغنائي النقدي الكبير للبناني عمر الزعني (1898-1961) "شاعر الشعب" الذي قارع بأغانيه الساخرة الحكم العثماني والانتداب الفرنسي ثم السلطات اللبنانية بعد الاستقلال، وصولاً إلى الأغاني الخفيفة التي ذاع صيتها في النصف الثاني من القرن نفسه مثل "يا ستي يا ختيارة" للمغنية طروب، و"برهوم حاكيني" للمطربة نجاح سلام، و"آه يا أم حمادة" لمحمد جمال.
وتقدم هذه الأغاني في إخراج مسرحي يحاكي جو الكاباريه وينتقل بالديكور والعروض البصرية وأداء المغنين والممثلين وملابسهم في أجواء مختلفة بحسب موضوع الأغنية المؤداة وزمنها.
وتشارك في العرض مجموعة من الموسيقيين على آلات مختلفة، من عود وكمان وأكورديون وكونترباص، بقيادة المؤلف وعازف العود والمغني زياد الأحمدية، ويؤدي الموسيقيون أدواراً مسرحية وغنائية إلى جانب المواكبة الموسيقية للعرض.
أما فريق الغناء الاستعراضي فيتألف من الممثلة والمغنية الاستعراضية ياسمينا فايد التي حققت نجاحاً كبيراً في عروض كاباريه سابقة، ولينا سحاب، وبشارة عطا الله ورنده مخول ووسام دالاتي وشانتال بيطار، إضافة إلى الممثل زياد عيتاني الذي يقدم منذ عامين دون انقطاع مسرحية "بيروت طريق الجديدة" يروي فيها حكايات واقعية بأسلوب فكاهي تستعرض تاريخ أحد أشهر أحياء العاصمة اللبنانية.
ومعظم فريق "بار فاروق" شارك هشام جابر في عرض الكاباريه المصري "هشك بشك" الذي يقدم منذ أكثر من عامين ونصف العام في مسرح مترو المدينة في بيروت في ظل إقبال غير منقطع.
ويقول جابر "كان لدينا هاجس أن نتمكن من إعداد عرض كاباريه لبناني ببرنامج يوازي أغاني الكاباريه المصرية المعروفة للجميع وإيقاعاتها الراقصة الجذابة، لكن يبدو أن الجو البيروتي وخفة الأغاني قاما بالمهمة على أكمل وجه".
وأيقظ عدد من الأغاني المقدمة ذاكرة أجيال، فكانت الصيحات تعلو من الجمهور مع كل أغنية يخرجها العرض من زوايا النسيان، من "والله لهشه للعصفور" و"دقي يا ربابة" و"لما بمشي عالرصيف"، ولاسيما مع الأداء الاستعراضي المتقن للمغنية والممثلة ياسمينا فايد.
ويضيف هشام جابر "مع تعلقنا جميعاً في فريق العمل بالأغاني التي قدمناها في عرض هشك بشك، إلا أن عرض بار فاروق له علاقة بمدينة عشنا فيها بكل مراحلها، وعشنا فيها ذكرياتنا وسمعنا ذكريات أهلنا، لذا نشعر أن هذا العرض أقرب إلينا، وهو وليد انطباعات تكونت من جو هذه المدينة، بصرف النظر عما إذا كانت انطباعاتنا هذه صحيحة أم لا".
واتخذ العرض وتيرة تصاعدية جعلت معظم الحاضرين يتمايلون ويصفقون على إيقاع الأغنيات التي تؤدى بخفة ظل ورشاقة على خشبة المسرح. ثم تصاعدت الإيقاعات مع اقتراب العرض من نهايته وتحولت إلى ما يشبه أصوات الطلقات النارية والتفجيرات، قبل أن تطفأ الأضواء مع صوت التفجير الأخير الأكبر، ويعم الظلام خشبة المسرح، في إشارة إلى طي الحرب اللبنانية نهائياً صفحة مسرح فاروق في الوسط التجاري لبيروت الذي تحول ساحة حرب طاحنة، وطي حقبة غنية من الغناء والموسيقى والاستعراض وحياة الليل في بيروت، وسط تصفيق حار من الجمهور تواصل على مدى دقائق.
وهشام جابر مخرج مسرحي ولد في بيروت العام 1980، تخرج من معهد الفنون في الجامعية اللبنانية، له عدد كبير من المسرحيات معظمها ذات طابع ساخر مثل "كولا بربير متحف دورة"، و"غير مخصص للجمهور العريض"، و"العميل الملتهب والراقصة المزدوجة"، وأعمال متفرقة يؤديها باسم "روبرتو قبرصلي" يسخر من خلالها من الواقع السياسي والاجتماعي في لبنان.
وهو يشغل منصب المدير الفني لمسرح مترو المدينة في بيروت الذي يعج منذ ثلاثة أعوام بالعروض المسرحية والغنائية والموسيقية بشكل متواصل.
وستمر عرض "بار فاروق" في إطار مهرجانات بيت الدين الجمعة والسبت. ويتواصل المهرجان الذي يحتفل هذه السنة بمرور ثلاثين عاماً على تأسيسه حتى الخامس من سبتمبر، وفي برنامجه بعد حفلة مع مغنية الأوبرا الشهيرة آنا نيتريبك وأمسية مع المغنية المصرية ريهام عبد الكريم في تحية إلى أم كلثوم.
انضم/ي إلى المناقشة
jessika valentine -
منذ 6 أيامSo sad that a mom has no say in her children's lives. Your children aren't your own, they are their father's, regardless of what maltreatment he exposed then to. And this is Algeria that is supposed to be better than most Arab countries!
jessika valentine -
منذ شهرحتى قبل إنهاء المقال من الواضح أن خطة تركيا هي إقامة دولة داخل دولة لقضم الاولى. بدأوا في الإرث واللغة والثقافة ثم المؤسسات والقرار. هذا موضوع خطير جدا جدا
Samia Allam -
منذ شهرمن لا يعرف وسام لا يعرف معنى الغرابة والأشياء البسيطة جداً، الصدق، الشجاعة، فيها يكمن كل الصدق، كما كانت تقول لي دائماً: "الصدق هو لبّ الشجاعة، ضلك صادقة مع نفسك أهم شي".
العمر الطويل والحرية والسعادة لوسام الطويل وكل وسام في بلادنا
Abdulrahman Mahmoud -
منذ شهراعتقد ان اغلب الرجال والنساء على حد سواء يقولون بأنهم يبحثون عن رجل او امرة عصرية ولكن مع مرور الوقت تتكشف ما احتفظ به العقل الياطن من رواسب فكرية تمنعه من تطبيق ما كان يعتقد انه يريده, واحيانا قليلة يكون ما يقوله حقيقيا عند الارتباط. عن تجربة لم يناسبني الزواج سابقا من امرأة شرقية الطباع
محمد الراوي -
منذ شهرفلسطين قضية كُل إنسان حقيقي، فمن يمارس حياته اليومية دون ان يحمل فلسطين بداخله وينشر الوعي بقضية شعبها، بينما هنالك طفل يموت كل يوم وعائلة تشرد كل ساعة في طرف من اطراف العالم عامة وفي فلسطين خاصة، هذا ليس إنسان حقيقي..
للاسف بسبب تطبيع حكامنا و أدلجة شبيبتنا، اصبحت فلسطين قضية تستفز ضمائرنا فقط في وقت احداث القصف والاقتحام.. واصبحت للشارع العربي قضية ترف لا ضرورة له بسبب المصائب التي اثقلت بلاد العرب بشكل عام، فيقول غالبيتهم “اللهم نفسي”.. في ضل كل هذه الانتهاكات تُسلخ الشرعية من جميع حكام العرب لسكوتهم عن الدم الفلسطيني المسفوك والحرمه المستباحه للأراضي الفلسطينية، في ضل هذه الانتهاكات تسقط شرعية ميثاق الامم المتحدة، وتصبح معاهدات جنيف ارخص من ورق الحمامات، وتكون محكمة لاهاي للجنايات الدولية ترف لا ضرورة لوجوده، الخزي والعار يلطخ انسانيتنا في كل لحضة يموت فيها طفل فلسطيني..
علينا ان نحمل فلسطين كوسام إنسانية على صدورنا و ككلمة حق اخيرة على ألسنتنا، لعل هذا العالم يستعيد وعيه وإنسانيته شيءٍ فشيء، لعل كلماتنا تستفز وجودهم الإنساني!.
وأخيرا اقول، ان توقف شعب فلسطين المقاوم عن النضال و حاشاهم فتلك ليست من شيمهم، سيكون جيش الاحتلال الصهيوني ثاني يوم في عواصمنا العربية، استكمالًا لمشروعه الخسيس. شعب فلسطين يقف وحيدا في وجه عدونا جميعًا..
محمد الراوي -
منذ شهربعيدًا عن كمال خلاف الذي الذي لا استبعد اعتقاله الى جانب ١١٤ الف سجين سياسي مصري في سجون السيسي ونظامه الشمولي القمعي.. ولكن كيف يمكن ان تاخذ بعين الاعتبار رواية سائق سيارة اجرة، انهكته الحياة في الغربة فلم يبق له سوى بعض فيديوهات اليوتيوب و واقع سياسي بائس في بلده ليبني عليها الخيال، على سبيل المثال يا صديقي اخر مره ركبت مع سائق تاكسي في بلدي العراق قال لي السائق بإنه سكرتير في رئاسة الجمهورية وانه يقضي ايام عطلته متجولًا في سيارة التاكسي وذلك بسبب تعوده منذ صغره على العمل!! كادحون بلادنا سرق منهم واقعهم ولم يبق لهم سوى الحلم والخيال يا صديقي!.. على الرغم من ذلك فالقصة مشوقة، ولكن المذهل بها هو كيف يمكن للاشخاص ان يعالجوا إبداعيًا الواقع السياسي البائس بروايات دينية!! هل وصل بنا اليأس الى الفنتازيا بان نكون مختارين؟!.. على العموم ستمر السنين و سيقلع شعب مصر العظيم بارادته الحرة رئيسًا اخر من كرسي الحكم، وسنعرف ان كان سائق سيارة الاجرة المغترب هو المختار!!.