"يقولون إن المصيبة تجمع، لكنهم نسوا أن يقولوا إن المصاب يصبح أنانياً". بهذه الكلمات تختصر سميرة ما تلقاه من معاملة كفلسطينية سورية في مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين في بيروت. عندما هربت من مخيم اليرموك في سوريا، عام 2012، كانت تظن أنها ستجد ملاذاً لدى الفلسطينيين اللبنانيين، ففي نظرها لقد خبر هؤلاء التهجير والحرب، ولا شك أن ظروفهم المأسوية ستجعلهم يشعرون بآلامها. لكنها اكتشفت أن "هؤلاء شعروا أننا ننافسهم على جرحهم، فحاربونا وحاولوا استغلالنا".
تميّز سميرة بين "الجراح القديمة والجراح الطازجة". قالت لرصيف22 إن "الفلسطينيين في لبنان بصعوبة كانوا يحصلون على ما يحتاجونه في مخيم يضيق بسكانه ومشاكله. ثم وجدوا أنفسهم أمام 500 عائلة إضافية أتت لتنافسهم على المساعدات والاهتمام الأممي. فما كان من الضعيف إلا أن أفرغ حقده في من هو أضعف منه". تستشهد سميرة بأمثلة عدّة قد يكون أبرزها ما تسمعه في الشارع من كلام نابٍ في كثير من الأوقات. روت أن فلسطينيي لبنان يقولون إن "السوريات رخيصات" واشتكت من محاولات تحرش. وعدا أن بدل إيجار الغرف والمنازل مرتفع جداً، طرد بعض اللاجئين الجدد من منازلهم بسبب تأخرهم في دفع بدل الإيجار يوماً أو يومين فقط.لا إقامة قانونية للفقراء
لا تقتصر مشكلة آلاف اللاجئين الفلسطينيين من سوريا إلى لبنان على ظلم المجتمع الضيّق المضيف لهم، بل يحملون فوق ذلك وزر السياسة اللبنانية التي حاذرت منذ البداية في التعامل معهم، منعاً لأي لجوء فلسطيني إضافي.
مواضيع أخرى:
اللاجئون السوريون في العراق: خطر السيارات المفخخة أهون من القصف العشوائي
خمس مجموعات ستغيّر شكل سوريا المستقبل
تكلف الإقامة في لبنان 200 دولار للفرد الواحد. في حالة أبي حسن الذي زرناه في مخيم صبرا، هو ملزم بدفع 1000 دولار عند كل تجديد، عنه وعن عائلته المؤلفة من زوجة وثلاثة أولاد. يقيم أبو حسن بطريقة غير شرعية منذ ثلاث سنوات. وقال لرصيف22: "منذ فترة طويلة، لم أخرج أبعد من الشارع الضيق الذي يقبع فيه منزلي. السجن أرحم من ذلك". أولاد أبي حسن يعانون كغيرهم من اللاجئين من التسرب المدرسي، والفتيات تحديداً من السجن داخل المنزل خوفاً من التحرش.
وأشار دبسي إلى "أن الغالبية العظمى من فلسطينيي سوريا يقعون في دائرة المخالفة القانونية، وعليه فهم ملاحقون قانونياً ومنهم من اعتقل أكثر من مرّة، ما يعتبر انتهاكاً لأبسط الحقوق الإنسانية". ويجرّ الحرمان من الإقامة القانونية الامتناع عن تسجيل وقائع مدنية عدة كالولادة والزواج والوفاة، وهذا ما يضعنا أمام جيل كامل من مكتومي القيد.
هذا الواقع يدفع أكثر من 90% من فلسطينيي سوريا إلى اعتبار لبنان ممراً وليس مقراً، بدليل تراجع أعدادهم من 80 ألفاً في بداية الأزمة إلى نحو 40 ألفاً اليوم. ولكن الوضع القانوني لمن تبقى فضلاً عن إقفال معظم سفارات العالم أبوابها بوجههم يحولان دون هجرتهم بأساليب شرعية، فيلجأ بعضهم إلى الهرب عبر البحر، مع كل احتمالات النصب والاحتيال التي قد يتعرض لها، ويفضّل البعض الآخر الاختناق في مكانه.
"الأونروا": ظلم ذوي القربى
وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين، الأونروا، المولجة حصراً تأمين المساعدات لهؤلاء اللاجئين لم ترحمهم بدورها. ويأتي ذلك في ظل غياب السفارة الفلسطينية تماماً عن المشهد.
في منتصف شهر يوليو الجاري، أوقفت الأونروا دفع بدل الإيواء، وقيمته مئة دولار، لفلسطينيي سوريا. بررت الوكالة قرارها في بيان رسمي بـ"نقص في التمويل"، محمّلة المسؤولية إلى الدول المانحة التي لم تُلبِّ النداء، تاركة إيّاها في عجز مالي بلغ 101 مليون دولار للعام 2015. وشرحت الناطقة الإعلامية باسم الأونروا في لبنان زيزيت دركزللي لرصيف22 أن "هذه الأزمة هي الأصعب في تاريخ الأونروا منذ تأسيسها". ولفتت إلى أن أزمات كثيرة، من مشاكل الشرق الأوسط إلى الإيبولا وزلزال النيبال وغيرها، صارت تنافس أزمة الفلسطينيين على تمويل المانحين. ومع أن الدول المانحة، وهي من 10 إلى 12 دولة، زادت مقدار عطاءاتها عن ذي قبل إلا أن شدّة الأزمات منعت احتواءها.بقلق بالغ، حسب دركزللي، وضعت الأونروا الدول المانحة، في صورة تداعيات قرار حجب بدل الإيواء عن نحو 43 ألف عائلة من أصل 44 ألفاً، ومنها:
1- ازدياد نسبة الفقر، العالية أساساً، بشكل مأسوي.
2- ارتفاع نسبة التسرب المدرسي.
3- ارتفاع نسبة البطالة وما يتبعها من استغلال وزواج مبكر.
4- ارتفاع نسبة العنف.
وتساءلت ديركزللي: "ماذا نفعل أمام عائلتين مؤلفتين من 15 فرداً يعيشون في غرفة واحدة، إيجارها 200 دولار، بعد توقف مساعدات الاونروا؟".
بعد هذا القرار، يدرس كثيرون خيار العودة إلى سوريا. أم رامي، واحدة من هؤلاء، منزلها في درعا غير آمن، لكن ليس هناك من بديل. هي مريضة بالسرطان وزوجها يعاني من داء السكري، ومنذ ثلاثة أشهر توقفت عن شراء العلاج له. كان بدل الإيجار الذي تعطيه الأونروا يعينها على تدبير أمورها بالحد الأدنى. اليوم ما عاد بيدها حيلة.
ابتسامة تفي بالغرض
حين سألنا سميرة عن حاجاتها كلاجئة، أجابت: "أنا لا أطلب من أحد أكثر من ابتسامة. ربما لا تكفيني ابتسامة، فأنا أحتاج إلى قهقهة لأن نظري بات ضعيفاً وأعجز عن تحديد ملامح الوجه. تعبت من الشكوى وأريد أن أشعر بإنسانيتي. هل كثير علي أن أطلب ابتسامة؟ ابتسامة لي أنا كسميرة وليس بصفتي لاجئة؟".
قد يهتم الإعلام بهجرة ابن سميرة بطريقة غير شرعية، أو بوضع حفيدتها التي بلغت من العمر ثلاث سنوات من دون أن تحظى بأوراق ثبوتية أو بمشكلة إقامتها كفلسطينية سورية، لكن مَن يهتم بحاجتها إلى ابتسامة؟ الحديث عن التفاصيل الإنسانية البديهية يعدّ رفاهية في زمن الأزمات الكبرى، لكن مَن يمضي ساعة من الوقت في مخيم شاتيلا قد يفهم كيف تصبح الحاجة إلى ابتسامة في مصاف الحاجة إلى الطعام والماء أحياناً.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...