شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
 مراجعة لرواية

مراجعة لرواية "ستيمر بوينت"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

السبت 28 مايو 201604:59 م

يكتب "أحمد زين" في روايته "ستيمر بوينت" عن مدينة عدن في زمن الاستعمار الإنكليزي (1839-1967)، منطلقاً من اليوم ما قبل الأخير لنهاية الاستعمار، وعائداً إلى بضعة أزمنة ماضية.

يسرد الكاتب مراحل تقدّم مدينة عدن، التي صارت مدينة كوزموبوليتية تجمع خليطاً من بضعة أعراق وأديان، وتطورت عمرانياً بمتنزهاتها وفنادقها ومقاهيها وأنديتها الليلية، والأهم أنها أصبحت مركزاً تجارياً. وتأخذ الرواية اسمها من "ستيمر بوينت" وهي التسمية الإنكليزية التي تطلق على مدينة "التواهي"، وهي نقطة تجتمع فيها السفن في ميناء عدن. "يجوع العالم المجاور لنا ويعرى، إذا لم تغادر البواخر من ميناء عدن، إذا لم تقلع الطائرات من مطارها، محمّلة بالأرز والسكر والملح والجلود والتوابل وكل شيء. أصبحت عدن بوابة مفتوحة على العالم"، وكان هذا مثار إعجاب الجميع، لدرجة دفعت أحد الضباط الإنكليز للتساؤل: "إلى أين تتجه هذه المدينة، ألم يكفها أنها أصبحت ثالث أهم ميناء في العالم بعد نيويورك وليفربول؟”.

مقالات أخرى:

رواية من اليمن: الثائر (خنثى)

سلسلة #أدب_السجون في العالم العربي

تناقش الرواية موضوع العلاقة بين المستعمِر والمستعمَر، إذ يكون "سمير" الشاب اليمني، الذي يعمل مشرفاً على المستخدمين في قصر تاجر فرنسي عجوز، منبهراً بحضارة الغرب، ومعجباً بما فعله الإنكليز في مدينة عدن، وكيف حوّلوها إلى "قطعة من الجنة"، خاصةً أنه قادم من مناطق الشمال التي كانت متخلفة في ذلك الوقت،"جرّبت أن أكرههم، لم أقدر. أحب طريقتهم في الحياة. وأعثر على نفسي في كل مرة أكثر شغفاً بما صنعوه في هذه المدينة، لم يفعلوا ذلك من أجلهم فقط، وحتى لو كان ذلك صحيحاً كما يقال، أليس يمكن أن ننال نصيبنا منه أيضاً، بصورة أو بأخرى”.

على الطرف المقابل، شخصيات ترغب في رحيل الاستعمار وتناضل من أجله، مثل "نجيب" الشيوعي، الذي يحلم أحلاماً كبيرة، متطلعاً إلى إلغاء الطبقية وطرد المحتل، وأيضاً "سعاد" التي يحبها "سمير" وينشأ بينها وبينه الكثير من النقاشات الحامية حول هذا الموضوع: "لا يعجبني كلامك أبداً، قالت سعاد. أنت تتلمس طريقة مختلفة لرؤية الإنجليز، كأنما عيناك غير عيوننا. من أنت؟ بطل ترديد معجزات البريطانيين. في اللحظة المناسبة سنصنع نحن معجزاتنا”.

ويرسم الروائي شخصية "آيريس" الإنكليزية المتعلقة بعدن وأهلها، والتي تكره تعالي قومها على السكان المحليين، وتكتب عن حياتهم في مدينة هم غريبون عنها، ويصدمها موقف "سمير" وإعجابه بهم. يعود "أحمد زين" إلى أربعينيات القرن الماضي، من خلال تقنية الاسترجاع، ليروي نتفاً من الحرب العالمية الثانية والغارات الإيطالية على عدن. تبرز الرواية الخوف من الاستقلال، وكيف كان البعض خائفاً من حصوله، إذ يحكي الراوي عن فرار الأوروبيين واليهود من عدن قبل أيام من الاستقلال، كما يجمع الخوف في عشية الاستقلال بين التاجر الفرنسي العجوز والشاب اليمني "سمير" الذي يعمل عنده، وكل منهما لديه أسبابه الخاصة، فالعجوز يشعر بالرعب من أن كل ما بناه خلال سنوات معرض للتدمير، والشاب خائف من انتقام المقاومة اليمنية الجنوبية منه لأنه معجب بالمستعمِر، كما أنه خائف من غياب الاستقرار ومن تشويه التنوع الموجود في عدن، خاصةً أن الفصائل المسلحة لا تملك رؤية واضحة لمستقبل البلاد. يجري الكاتب حواراً صامتاً بين العجوز والشاب على امتداد صفحات الرواية، عن هذه النقطة بالذات. تتحوّل المرآة في الليلة التي تسبق الاستقلال إلى وسيلة يتلصص فيها كل منهما على الآخر، ويبوح بمكنوناته للآخر دون كلام. "يفكر الشاب في كل ذلك، وفجأة يحدّق في الفرنسي، عبر المرآة التي عثر فيها على ما يشبه الوسيط، يمتص عنف الكلام وحدّة النظرات المباشرة. ولربما أن البرهة المشوشة التي يجد كل منهما نفسه مقذوفاً في جحيمها، تقترح طرقاً غريبة للتواصل. المرآة عريضة مثل جدارية يراه خلالها من الخلف، وهو يتململ في مقعده”. تتعدد الشخصيات في الرواية وتتعدد تشابكاتها وتفرعاتها الزمنية، مما يزيد من صعوبة قراءتها خاصةً أن الروائي لا يلجأ إلى السرد البسيط، بل يقطّر المعلومات ويعرض حكايات الشخصيات باقتصاد وتكثيف شديدين، ليعالج مسألة لم تعالج في الرواية العربية، وهي علاقة شعوبنا بالاستعمار، ومواقفنا الحقيقية منه.

أحمد زين روائي وصحافي يمني، يقيم في المملكة العربية السعودية. له اربع روايات هي: "تصحيح وضع"، "قهوة أمريكية"، "حرب تحت الجلد"، و"ستيمر بوينت".

الناشر: دار التنوير/ بيروت – القاهرة – تونس

عدد الصفحات: 172

الطبعة الأولى: 2015

يمكن شراء الرواية على موقع نيل وفرات


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image