على أحد الأرصفة، تجلس ظهر كل يوم لتبيع الخضار كي تقتات هي وأسرتها المكوّنة من ثلاثة صبيان، وثلاث بنات، وزوجها الذي قارب عمره السبعين عاماً.
بدأت حديثها لرصيف22 بالقول: "بيقولوا الهدوم بتداري (الملابس تحقق السترة)، البيوت بتداري أكثر، أنا بقالي أكثر من 20 سنة بفرِش بالخضار، وآخرتها بِنْبات على أقفاص نفرش عليها بطانية وننام".مواضيع أخرى:
نساء من غزة يمارسن "مهن الرجال"
كيف تُغيّر الحرب الأدوار التقليدية للمرأة؟
الحاجة أم جمعة، أو خالتي أم جمعة، كما يناديها زبائنها، تطالب المسؤولين بالنظر إليها وإلى الحالات المشابهة لها، لانتشالهم من الفقر المدقع، وتوفير سكن ملائم لهم، كما تطالب بتوفير فرص عمل لأولادها، كي لا يضطروا إلى القيام بأفعال تأبى أنفسهم الإقبال عليها. "والله العظيم إحنا بقالنا 3 شهور ما أكلنا لحمة، الكيلو بـ80 جنيه. بس نقول إيه؟ الحمد لله على كل حال"، قالت.
تعيش أسرة الحاجة أم جمعة على ما يتبقى من الخضر التي تبيعها والتي تمثل مصدر رزقهم الوحيد. وقالت إنها ستظل تكافح وتعمل إلى آخر نفَس يخرج منها، ولكن على الحكومات أن تقف بجوارها "لأنهم مسؤولون، ونحن رعاياهم".
حارسة العقار
تمشي بجلبابها الأسود الفضفاض وهي تحتضن الجرائد. كعادتها كل صباح، توصل الصحف إلى سكان المبنى الذي تعمل حارسة له، وذلك بعد أن تصلي صلاة الفجر وتقرأ بعض الأدعية متوكلة على الله، كما قالت لرصيف22.
وروت أمينة مدني محمد عبد الرحمن (70 عاماً) أنها جاءت مع زوجها من مدينة الأقصر، في أقاصي الصعيد، منذ 37 عاماً للعمل في مبنى يتبع أحد أحياء محافظة الجيزة.
أنجبت طفلتين وعاش الجميع يتقاسمون الشقاء والرزق، من خلال عملهم في حراسة المبنى والعمل على نظافته وقضاء متطلبات السكان. ولكن أتت الرياح بما لا تشتهي سفنها. توفي زوجها تاركاً لها مسؤولية رعاية ابنتين رضيعتين. قرّرت عدم العودة إلى بلدتها وأصرت على مواجهة الحياة، لتكافح بمفردها، وتتجول هنا وهناك بين الشوارع والمحال لشراء حاجات سكان المبنى.
تمارس عملها بابتسامة ورضى. لا تفشي همومها رغم المسؤوليات التي تحملها على كتفيها، هي التي أتت في ريعان شبابها بحثاً عن الرزق، ظانّة أن زوجها سيظل شريكاً لها طوال حياتها. انهمكت أمينة بعملها حتى استطاعت تربية ابنتيها وتزويجهما، وبدورهما أنجبتا أطفالاً يمثلون مصدر فرح الجدة وينسونها كل عناء.
"أهي عيشة والسلام"
في أحد النوادي الكبرى، تعمل الأربعينية صباح علي إبراهيم في النظافة. صباح لم يتوفَّ زوجها، لكنه يلازم الفراش بسبب مرض السكري وقد اضطر الأطباء إلى بتر مشط رجله. لم تتخلَّ عنه صباح. بشهامة بنت البلد أبت إلا أن تعمل وتقف إلى جواره وتقاسمه لقمة العيش وتهوّن عليه مرضه.
كل يوم، تمارس عملها في تنظيف مرايا وأحواض وأرضيات الحمامات. قالت لرصيف22: "لا أستطيع ترك زوجي لأنه مريض وطريح الفراش ولدي منه طفلان، عبد الرحمن في الصف الرابع الابتدائي، ومها في الصف الثاني الإعدادي. براتبي بالإضافة إلى البقشيش الذي يدفعه أعضاء النادي، نواجه مشقة الحياة وندفع بدل إيجار المنزل وفاتورتي الكهرباء والغاز. "أهي عيشة والسلام، اللهم لا اعتراض". صباح لا تعيل زوجها فقط، بل تعيل أمها المُسِّنة وتعمل أيضاً على خدمتها، فانشغالها بحياتها لم ينسها المرأة التي أنجبتها.
حالة منتشرة
داخل أحد أسواق حي بولاق الدكرور، في مدينة الجيزة، ينتشر عمل السيدات: بائعات خضار، بائعات مناديل ورقية، نساء يشوين ذرة أو يمارسن أعمالاً أخرى. هذا السوق ليس حالة خاصة فهكذا هو الحال في مصر.
العوز والظروف الاقتصادية العصيبة يدفعان أغلب السيدات إلى العمل وعدم الاتكال على أزواجهن. كثيرات منهنّ يتحملن حرارة الشمس صيفاً، وصقيع البرد شتاءً، لمساعدة الأزواج على مقاومة الغلاء الفاحش الذي يكاد يجرف الطبقات الأشد فقراً. ولكن ليس هذا السبب الوحيد. فهناك رجال كثر يكتفون بالجلوس إلى طاولات المقاهي تاركين زوجاتهم وأمهاتهم يفترشون الأرصفة لبيع البضائع الرخيصة.
"ظل رجل ولا ظل حيطة"
يجلس العم إبراهيم في محله الصغير للبقالة ويبيع الزيوت والعسل والطحينة والمخللات. ومعظم زبائنه من النساء. أكّد أن معظم أزواجهن يتمتعون بصحة وعافية جيدتين، لكنهم لا يعملون بالقدر الذي يكفي عائلاتهم.
برأي العم ابراهيم، لو عمل الرجال الذين يمتلكون صنعات بشكل جدّي "سيأكلون الشهد ويجنّبون نساءهم العمل أو الجلوس على الأرصفة". ولكن الحال ليس كذلك وهو ما يدفع النساء إلى سوق الأعمال المتواضع.
وتابع: "هؤلاء الصنايعية يعملون يوماً ويجلسون عشرة أيام. ولا يبحثون عن عمل جديد لإنجازه إلا بعد أن يصرفوا أجر اليوم أو "الشغلانة" التي قاموا بها وقبضوا أجرها". واستطرد: "هناك رجال جل همهم السيجارة والكيف، وللأسف لا يفكرون في زوجة أو ابن أو ابنة. وما يزيد الطين بلة أن زوجاتهم لا يعارضنهم، ويردد معظمهن المثل الشهير: ظل رجل ولا ظل حيطة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين