لا يزال الجدل مستمراً في الشارع السعودي حول ضرورة حلّ جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا سيما أن الهيئة أو الشرطة الدينية تسبّبت أخيراً بعددٍ من الحوادث التي أثارت الكثير من الانتقادات في المجتمع السعودي، وسط تأكيد المسؤولين أنه لا يمكن حلّ الهيئة أو إلغاء دورها أو تهميشها لكونها تمثّل شعيرة دينية.
وجاء الاعتداء الأخير الذي ارتكبه رجال الحسبة على بريطاني مقيم في العاصمة السعودية الرياض، ليسلّط الضوء على مدى تجاوزات رجال دوريات الشرطة الدينية في عمليات الضبط بدون التثبّت من الشبهات. فقد اعتدت الشرطة بالضرب والشتم على البريطاني الذي كان بصحبة زوجته في أحد المراكز التجارية ظنّاً منهم بأنه كان في خلوة غير شرعية. وقد أظهرت العديد من الفيديوهات على مواقع الإنترنت محاولات بعض رجال الهيئة الاعتداء على الرجل في خروج صريح عن النص والإجراءات المعمول بها في السعودية.
تُعدّ هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أحد أجهزة الدولة، وظيفتها حفظ الآداب العامة، ومراقبة الناس إذا ارتكبوا أو وقعوا في المنكرات أو المخالفات الدينية. وظلّت الهيئة، منذ تأسيس المملكة، أحد معالم تنفيذ الشريعة الإسلامية، إذ ينصّ النظام الأساسي للحكم على أن الدولة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر. وقد تطوّرت الحسبة في السعودية حتى تحوّلت إلى مؤسسة كاملة معروفة باِسم "الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". وقد دأب أعضاء الهيئة، منذ عهد الملك عبد العزيز، على منع الاختلاط والسفور، ومناداة الناس إلى الصلاة، ومعاقبة المحالّ التجارية التي تفتح أبوابها أثناء وقت الصلاة، وذلك عبر حبس المذنبين في سجن خاص بالهيئة.
ينتشر أفراد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الأسواق والأماكن العامة للحيلولة دون وقوع المنكرات الشرعية، ومنها منع الممارسات التي تظهر عدم الاحترام للدين. إلا أن الكثير من أبناء الشارع السعودي ينادون بضرورة كبح جماح الدوريات الميدانية للشرطة الدينية، التي يتّهمونها بانتهاك الحقوق الفردية، ويرى العديد من السعوديين أن سطوة "المطاوعة"، أيّ أعضاء الهيئة، على حياتهم الاجتماعية تبدو خانقة في الكثير من الأحيان.
شهدت السنوات الخمس الأخيرة تصاعد حدة الجدل حول ضرورة إصلاح الهيئة. وهو موقف يتبنّاه، من الداخل، رئيسها العام عبد اللطيف بن عبد العزيز الشيخ، يقابله، في الجانب الآخر، رفض داخلي من صقور الهيئة، الذين هم ضدّ المساس بالمبادئ التي قامت عليها الهيئة والتي قد تفتح الباب مستقبلاً لتهميش دور الجهاز أو إلغاء نفوذه في المجتمع السعودي.
نتيجة لهذا الجدل، أعفى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبدالعزيز الرئيس السابق للهيئة، الشيخ عبدالعزيز بن حمين الحمين من منصبه، وعيّن عبد اللطيف آل الشيخ المعروف بمواقفه الأكثر انفتاحاً من سلفه بديلاً منه. ولقي تعيين الرئيس الجديد عبد اللطيف آل شيخ ترحيباً في الوسط الإعلامي إذ أكّد معظمهم أنه "مؤشّر على مزيد من الانفتاح" في المملكة التي تتبّع نهجاً محافظاً جداً على الصعيد الاجتماعي.
أصدر رئيس الهيئة الحالي قراراً ذا توجّه إصلاحي يقتضي بإلغاء وحدة العمليات والدوريات الميدانية المساندة للهيئة، وذلك بعد مرور ثمانية أعوام على استحداثها للعمل الميداني ضمن أجهزة الرئاسة. وكان عملها قد اقتصر على العاصمة الرياض. وتضمّن القرار نقل موظفي الوحدات الميدانية المساندة إلى مراكز الهيئة البالغ عددها 44 في الرياض، ونقل جميع العُهد إلى المدير العام للشؤون الإدارية والمالية بالرئاسة العامة. إلا أن إلغاء الوحدة الميدانية لا يعني إلغاء العمل الميداني للهيئة. فالعمل الميداني مستمر، ولكن الفرق الميدانية المساندة التي تخرج في أوقات الإجازات والذروة لمساندة العمل الميداني الروتيني، ستتوقف عن العمل.
ولكن استنكر الرئيس العام للهيئة، عبد اللطيف آل شيخ الدعوات المنادية لحلّها، داعياً إلى عدم الالتفات للأصوات التي تسعى للانتقاص من الدور الذي يقوم به الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر. وأضاف "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب شرعي متعين بأمر من الله سبحانه وتعالى وردت فيه نصوص في الكتاب والسنة الصحيحة".
يتفق كثيرٌ من أبناء الشارع السعودي على أهمية مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتطبيقه في المجتمع، إلا أن أسلوب تطبيق المبدأ من قِبل رجال الهيئة، جعل الهيئة موضع تندّر في مجالس السعوديين ومنصات التواصل الاجتماعي، نظراً للأخطاء المتكررة التي تقع فيها. فتارةً يلاحق رجال الهيئة فتاة مع أبيها أو زوجها في السوق، ظنّاً أنها خرجت في نزهة مع رجل غريب، وتارة أخرى تتسبب دوريات الهيئة بوفاة أشخاص لاحقتهم بشكل متهور في إحدى الطرق الخطرة.
تبقى قضية وفاة الشقيقين من الجنسية السعودية في حادث مروري أثناء ملاحقة دوريات الهيئة من أبرز القضايا وأشهرها التي تناولها الشارع السعودي بانتقاد حاد، لكون رجال الهيئة قد خالفوا الإجراءات الرسمية التي تمنعهم من الملاحقات والمطاردات للمشتبه فيهم. تعود وقائع القصة إلى عام 2013، عندما طارد أعضاء في الهيئة مركبة كان يستقلها شقيقان وسط الرياض خلال الاحتفال باليوم الوطني، وهذا ما أدى إلى انقلابها ووفاتهما على الفور. واعترف سائقو دوريات الهيئة بمطاردة مركبة الشابيَن والاصطدام بها ثلاث مرات قبل سقوطها وانقلابها من أعلى جسر الملك فهد، ويعزى السبب إلى مشادة كلامية بين الضحايا وأعضاء الهيئة كانت قد سبقت المطاردة نتيجة تشغيل أغان وطنية في سيارة المجنى عليهما.
وقد أسفرت نتائج التحقيق عن براءة المتمهين من رجال الهيئة من تهمة صدم سيارة الضحية، برغم أن تهماً مثبتة وُجهت إليهم في هيئة التحقيق والادعاء العام تضمّنت التزوير والقتل غير المتعمد بحسب سير التحقيقات وشهادات شهود عيان.
نشر الموضوع على الموقع في تاريخ 13.11.2014
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...