"لأن التوبة عمل قلبي مختص بأمور القضاء الأخرى، وليس مناط القضاء الدنيوي عليه، لذلك فقد رجعنا عن ذلك وقررنا قتل المدعي عليه وحد الكفر وبه حكمنا". ليست هذه عبارة من رواية لكافكا، حيث البطل إنسان واقع في شراك سلطة لا متناهية القوة بلا عقل منطقي، بل هي العبارة التى بررت بها المحكمة العليا في أبها حكمها على الشاعر أشرف فياض بالإعدام، أو للدقة قتله. فلا تستخدم المحاكم السعودية لفظ الإعدام، بل تفضل لفظ أكثر مباشرة وإثارة للفزع كالقتل.
نجح موقع رصيف22 في الحصول على نسخة من أوراق قضية أشرف، التي تكشف الكثير من التفاصيل عن كيفية تعامل القضاء السعودي مع مثل تلك القضايا. وعن أشرف فياض وواقع الشعر والفن في السعودية. (الصور في آخر الموضوع).هاتف المدعي عليه
أشرف فياض هو شاعر وناقد فني، برز اسمه في السنوات الأخيرة في مشهد الفن المعاصر السعودي. فرغم أنه يحمل الجنسية الفلسطينية، ولد وعاش حياته كلها في السعودية، وظهر أكثر من مرة في القناة السعودية الثقافية الرسمية. ونظم عشرات المعارض الفنية داخل المملكة وخارجها، وفي عام 2008 أصدر ديوانه الشعري "التعليمات في الداخل"، الذي نشرته دار الفارابي.
كانت حياة أشرف تمضي بشكل هادئ، حتى استوقفه مشهد في إحدى الأسواق، حيث مجموعة من "المطاوعة"، الشرطة الدينية، يعنفون مراهقاً، حينذاك أخرج أشرف هاتفه، وصور ما يحدث أمامه ثم رفع الفيديو على الانترنت، ليضاف كسجل جديد لتجاوزات الشرطة الدينية في السعودية.
تحولت هذه الحادثة إلى لعنة أشرف، فتدفقت البلاغات الكيدية عليه. في البداية تم إيقافه وتفتيشه، وتفتيش هاتفه المحمول. طبقاً للجزء الأول من أوراق القضية، فقد عثرت المحكمة داخل هاتفه المحمول على "صور حية لسيدات وفتيات ومحادثات بينه وبينهم تحتوي على عبارات خادشة للحياء، وتشير إلى إقامته علاقات عاطفية مع فتيات".استدعت المحكمة أيضاً ديوان أشرف، وقامت بتحليله بشكل شرعي، إذ رأت في المجاز الذي احتواه الديوان إشارات إلحادية. لكن أشرف أنكر مسألة الإلحاد، وشهد بالشهادة أمام المحكمة، وكما يرد في أوراق القضية، فقد ثبت أنه نظم معارض فنية تدعو إلى الإسلام، وأدخل بعض الأجانب إلى الإسلام. لذا حكمت المحكمة عليه بالبراءة من تهمة الإلحاد، لكن إدانته بتهمة الفسق بسبب الرسائل الخاصة بينه وبين فتيات، ووجود صورهن معه في معارض فنية محلية وعالمية، وحكمت عليه بالسجن أربع سنوات مع 800 جلدة.
إلا أن جهة الادعاء لم ترضٓ بهذا الحكم واستأنفته، فأعادت محاكمته بتهمة الإلحاد إذ رأت أن الإلحاد ثابت عليه بسبب تغريدات كتبها على موقعه على Twitter، وبسبب بعض الجمل في قصائده. وقالت المحكمة إنه حتى لو كان أشرف مسلماً، وأعلن توبته، فقبول تلك التوبة في يد الله، لكن التهمة ثابتة عليه. لذلك يجب أن يوقع عليه الحد وهو الإعدام بقطع الرأس.
بعد إعلان خبر حكم الإعدام، أصيب والد أشرف بجلطة في الدماغ، وتوفي بعد ذلك بيومين في المستشفي حزناً على الابن المهدد بقطع الرأس.
مائة قصيدة لعتق رقبة شاعر
على مدى الأيام الماضية، تصاعدت حملة التضامن مع أشرف فياض عربياً وعالمياً، فاحتفى مهرجان برلين الأدبي بأشرف وشعره، وأعلن تنظيم عدد من القراءات الأدبية تضامناً معه وللمطالبة بالإفراج عنه.
كذلك أطلق نادى القلم الدولي حملة توقيعات شارك فيه كتاب عرب وعالميون، لمطالبة السلطات السعودية بإيقاف تنفيذ حكم الإعدام. كما انطلقت في 3 ديسمبر حملة "سنحرر شاعراً بقصيدة"، إذ ستقام في القاهرة، ورام الله، وغزة، وتونس، أمسيات لقراءة أشعار أشرف. وفي القاهرة استضافت دار ميريت للنشر أمسية لقراءة أشعاره، وفي رام الله استضاف متحف محمود درويش أمسية مماثلة، وفي مقر الاتحاد الجهوي للشغل بتونس أقيمت أمسية أيضاً.
على شبكة الانترنت انطلقت حملة التضامن مع الشاعر المهدد بقطع الرأس، لتشمل جميع أشكال التضامن الإلكتروني المعتادة. كذلك وجهت الحملة نداءً إلى المثقفين العرب للتضامن مع أشرف من خلال قراءة أشعاره في أي مكان وتصوير القراءة ورفعها على شبكة الانترنت. ومن المقرر أن تستمر حملة التضامن وسلسلة القراءات الشعرية كل أسبوعين، إلى حين عتق رقبة أشرف فياض من تحت سيف السياف.
يُذكر أن أشرف لا تزال لديه فرصة أخيرة لاستئناف الحكم الصادر بحقه أمام المحكمة العليا.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...