جزيرة نهر النيل، أو "جزيرة الدهب"، تلك البقعة التي لا تستطيعون الوصول إليها إلا من خلال "معدية"، تعبرون بها فرعاً صغيراً من النهر جنوب محافظة الجيزة، وسط عزلة بيئية طوّقت المكان، ويتجاوز عدد سكانها الـ117 ألف نسمة.
حين تصلون إلى الجزيرة تستقبلكم من بعيد أبراج سكنية مرتفعة، تشعركم أنكم في منطقة راقية جداً، إلا أن في الجهة الأخرى من الشاطىء يبرز الفقر، وهذا ما يشكّل الوجه المتناقض للجزيرة.يحب أهالي الجزيرة تلك البقعة العشوائية وجمال طبيعتها، لكنهم يعانون من أوضاع معيشية سيئة وفقر يحرمهم من أبسط سبل الحياة. فوجود مستشفى في المنطقة هو أقصى أحلامهم، يعدهم به مرشحو الانتخابات البرلمانية كل أربع سنوات ثم يختفون بعد الوصول إلى المجلس.
تشكو أم زينب، واحدة من سيدات الجزيرة، من انعدام أي خدمات طبية في المنطقة، التي لا تحتوي على مستوصف طبي حتى، تقول:"أي حد بيمرض هنا بنشربه مية بملح لحد ما ننقله يتعالج بره الجزيرة، وخصوصاً الأطفال". كل ما تحلم به الشيخة، كما يسميها جيرانها، بعد سبعين عاماً عاشتها في الجزيرة، هو تلقي العلاج داخل الجزيرة.
التعليم ليس للجميع
يعتبر الأطفال أكثر المتضررين من سوء الخدمات والفقر، لوجود مدرسة واحدة فقط في الجزيرة بصف واحد متهالك ومكتظ. مصطفى (10 سنوات)، يشكو لرصيف22، من اضطراره إلى عبور
مقالات أخرى:
ذكريات عن لقاء الشيخ إمام بالشاعر أحمد فؤاد نجم في حارة "خوش قدم"
مقام "أبو طاقة" العلوي في سوريا وقدرات "الطاقة" العجائبية
النهر يومياً للوصول إلى المدرسة في وسط المدينة: "أنا بتعب أوي في المشوار وساعات بخاف من المعدية مع إني بركبها كل يوم". مصطفى واحد من مئات الأطفال الذين حرمتهم الحياة في جزيرة الدهب من ممارسة حياتهم الطبيعية كبقية "أطفال العالم اللي برّا"، بحسب ما يقول. واللعب مع الكلاب الصغيرة المولودة حديثاً أو إلقاء الطوب في النهر، هما الطريقتان الوحيدتان للهو الأطفال هناك. علماً أن المئات من الأطفال لم يلتحقوا أصلاً بالمدارس، بسبب الظروف الاقتصادية السيئة لأسرهم، أو غياب الوعي لدى الأهل في شأن أهمية تعليم أبنائهم.
إسلام (7 سنوات) واحد من أطفال الجزيرة الذين حرموا من التعليم بسب الظروف المعيشية السيئة لعائلته، فكان عليه العمل مساعداً على أحد المراكب التي تقل الأهالي خارج الجزيرة وداخلها، يقول: "مع إني مبسوط في الشغل بس كان نفسي أشيل شنطة المدرسة على ضهري زي صحابي كدة".
الصيد والزراعة سبيل الحياة الوحيد
يعتمد أهالي الجزيرة على الصيد والزراعة لكسب رزقهم، وهي من الموارد المتوفرة داخل الجزيرة، خصوصاً مع انعدام وجود المحال والأسواق.
ويجتمع يومياً عدد من الصيادين حول حافة الجزيرة حيث يقومون بصناعة وترميم مراكب الصيد الصغيرة بدقة بالغة، لبيعها لصيادين آخرين داخل الجزيرة أو خارجها.
قلة الموارد والفقر أجبرا يحيى، أو "الخطاط" كما يسميه سكان الجزيرة،، إلى الجلوس على ركبتيه لساعات طويلة، لممارسة موهبته في الكتابة والرسم علي المراكب كي يكسب رزقه. ويقول: "شغلتي ملهاش اسم محدد زي المهندس والدكتور، وبحمد ربنا إن عندي موهبة الكتابة والرسم وإلا كان زماني مت من الجوع".
الجزيرة عبارة عن أرض زراعية، لذلك تنعدم فيها وسائل التنقل والمواصلات، فيتنقل الأهالي مشياً أو على الحمير، لأن السيارات لا تستطيع العبور في المكان. هذه الصعوبة في حركة السيارات أدت إلى صعوبة في حركة نقل المرضى والمواد الغذائية من خارج الجزيرة إلى داخلها.
ويشرح محمد، صاحب محل "فول" صغير، أنه يعتمد على أصدقائه لنقل البضاعة التي يحتاجها إلى الداخل. ويقول: "يأتي لي أصدقائي بما أحتاجه داخل سيارة، تقف على الضفة الأخرى لنهر النيل، أتسلّم البضاعة ثم أحملها على المعدية وصولاً إلى الجزيرة". ويختم: "طبيعة الجزيرة والإهمال في المرافق، جعلا قيادة سيارة داخلها معجزة حقاً".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...