صدرت مجلة الشامخة، واحتفلت المنتديات الجهادية بها. "الشامخة" مجلة "إسلامية، جهادية، نسوية"، هي ثاني إصدارات "مركز الفجر للإعلام"، إحدى المؤسسات الإعلامية التابعة لتنظيم القاعدة. لطالما حاول تنظيم القاعدة مخاطبة المرأة المسلمة، سواء عبر زاوية ثابتة في مجلة "صدى الملاحم" بعنوان "حفيدات أم عمارة"، أم حينما أصدر عام 2004 مجلة "الخنساء" التي لم تدم طويلاً. منذ عامين، عاد يوجه خطابه إلى النساء عبر مجلة "الشامخة"، بحلة جهادية جديدة وأسلوب "عصري".
يدير تحرير الشامخة "صالح اليوسف". أما عن أسماء الكتاب الواردين فيها، فلا يمكن التأكد إن كانت وهمية أم حقيقية، أم أن شخصاً واحداً يقوم بكتابة المواد كلها. ومع أن المجلة نسائية تخاطب المرأة، ولا توجد فيها أي مادة موجهة للرجل، غير أن القائمين عليها ذكور فقط.
تبدو المجلة كإنتاج هاوٍ لبعض الأشخاص الذين يفتقدون للخبرة. الألوان والمواضيع والعناوين تحمل تناقضات بين عناصرها المختلفة. نرى رشاشاً على إحدى الصفحات، ثم باقة من الورود! على غلاف العدد الأول صورة لامرأة منقبّة بوصفها مفقودة، مع اسمي "كاميليا ووفاء" في الأعلى.
ضمن العدد مادة بعنوان "عندما لا يعود الألم مؤلماً"، تتحدث عن ضياع الأمة وتثير غضب نسائها وحميّتهن، وتندد بالبابا شنودة ثم تتحدث عن ولادة "دولة العراق الإسلامية" ودورها في حماية النساء المسلمات، حيث اختطفت نسوة من "النصارى"، واحتجزتهن في كنيسة سيدة البشارة في بغداد مقابل إطلاق سراح المصريتين "كاميليا شحاتة ووفاء قسطنيطن" اللتين أعلنتا إسلامهما ثم احتجزتا داخل الكنيسة.
تقارب "الشامخة" حياة المجاهدة كأم وزوجة، وتقدم حلولاً للمشكلة التي يواجهها "الكثير من الأخوة والأخوات الذين يرون أن الزواج عائق عن الجهاد أو يعارضه". في باب "أوراق من دفاتر مجاهدة" تدعو الشامخة المرأة إلى تأدية دورها وتطرح تساؤلاً يتعلق بـ"من يربي الشباب، ومن يقف وراء الرجال" لخوض معركة القضاء على الأنظمة العلمانية التي تجثم على صدور المسلمين! تشحن عواطفهن، وتحرض الزوجات المجاهدات اللاتي فقدن أزواجهن على الانتقام.
"هناك عالم آخر يعيش معنا على هذا الكوكب، وكأنهم من الصحابة" هكذا تصف أم مهند المجاهدين في أفغانستان والشيشان في "لقاء مع زوجة مجاهد"، وهو لقاء طويل نشرته المجلة تتحدث فيه عن حلم أم مهند في الزواج من مجاهد وتحقيقها هذا الحلم ثم توديعها لزوجها حين رحيله. يتغلغل اللقاء في تفاصيل حياتها مع المجاهد، وكيفية تربية أبنائها، وإخطارهم بخبر وفاة والدهم، حيث هللوا وفرحوا! أم مهند تحلم بالجنّة مع زوجها، فحين سألها أين تريد أن تعيش، معه أم مع أهله، أجابته بنبرة درامية: "لا أريد بيتاً هنا، أريد بيتاً في أفغانستان".
تعود "الشامخة" إلى ذات الموضوع في "مساحة حرّة" لتتحدث عن فضائل الزواج من مجاهد. هكذا تتعدد الأساليب ووسائل الإقناع المستخدمة التي تارة تأتي بشكل مواعظ، وتارة عبر الترغيب في هذه المهمة الجليلة التي على المرأة المسلمة أن ترتقي لمستواها!
أسلوب آخر تعتمده الشامخة لتصف معاناة المرأة المسلمة- السلفية هو "الرسائل"، حيث تنفرد بتقديم "رسالة من الطالبة المغربية فوزية أزكوغ" تروي فيها قصة اعتقالها وزجها في السجن ومعاناتها والإهانات التي تعرضت لها.
كانت فوزية قد اعتقلت مع الدكتورة ضحى أبو ثابت بسبب انتمائهما للإسلامية السلفية في المغرب، ثم أفرج عنها. تحاول المجلة رسم صورة قاتمة عن النساء في المجتمع العربي والقمع الذي يتعرضن له، وتقدم لهنّ الحل الأنسب، وهو الزواج من مجاهد وإنجاب "مجاهدين صغار" في سبيل إنقاذ الأمة!
في النهاية يرافق العدد ملحق "هدية" بعنوان "بيتي مملكتي" يحمل عناوين مثل "أتيكيت المشي، جمال البشرة والبشرة النقية".
يأتي العدد الثاني أكثر غنى! يبدأ بافتتاحية عن الثورات العربية ودور المجاهدين فيها وأهمية العمل الجهادي في القضاء على الأنظمة العلمانية. يجب أن "ينتهي فصل الثورات بإشراقة شمس الخلافة الإسلامية الزاهرة". ومع صعود دور وسائل الإعلام، توجه الشامخة لوماً كبيراً لهذه الوسائل التي تضلل الناس وتزيّف الحقيقة في تحقيق بعنوان "المجاهدون لا يقتلون الأبرياء" حيث تصف أهدافهم الحقيقية من وراء العمليات الاستشهادية. المجلة تروج لما هو بنظرها "منطقي"، وتدين الجميع - حتى الضحية - في أي عمل انتحاري، إذ أنّ "الأنظمة العلمانية لا بد لها من الزوال".
يتخلل العدد الثاني قصائد شعرية وخواطر زوجات المجاهدات، ثم عودة أخرى إلى أهمية الزواج من مجاهد والثواب الذي تناله الزوجة. أساليب السرد متعددة، تغلب عليها اللغة الشعرية، القريبة لتلك التي نقرؤها في كتب التراث. لكأننا فعلاً نقرأ في أحد كتب "ابن تيمية"، لكن بصورة أكثر معاصرة.
في هذا العدد تقدم المجلة صفحات تعليمية عن شبكة الانترنت وآليات التواصل والحماية من الاختراق بعنوان "الشامخة الرقمية" ثم عدة خطوات ومقترحات لنشر الفكر الجهادي عبر الأقراص الرقمية، بالإضافة إلى أمثلة لبعض المواد التي يمكن نشرها والتي قد تستهوي النساء وتدفعهن إلى الانضمام إلى صفوف الجهاد. ويأتي ملحق العدد الثاني بعناوين مثل "الشامخ الصغير، جمال الشامخة، مهارات منزلية".
فور نزول العدد، تضج المنتديات الإسلامية المتشددة بعبارات "بشرى سارّة" أو "أخي المسلم انشرها بين نساء بيتك". ربما لا تكون أساليب المجلة مقنعة بالنسبة للبعض، لكنها قادرة على غرس الثقافة "الجهادية" لدى المؤمنين بها، حيث تستعين بأقوال وصور واقتباسات لشخصيات جهادية مثل عبد الله عزّام وغيره في سبيل إعلاء صورة "من يقاتل في سبيل الله".
هي تروج للعنف بوجه عنف آخر، فالخطف والتهديد بالقتل صيغة طبيعية في حياة المجاهد الذي يدافع عن "دين الله" والمسلمات في كل بقاع الأرض. والصفحات التي تروج للمجلة تحمل الصيغة ذاتها، كـ"جندوبة المسلمة الثائرة"، أو "تبصير الأمة بعقيدة أهل السنة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...