عام 2002، حصلت العراقية نادين الخالِدي على فرصة اللجوء إلى السويد مع تسعة آلاف معظمهم من العراق وكوسوفو والصومال. عام 2015، غنّت نادين الخالدي مع فرقتها "طرب باند" للسويد في يومها الوطني 6 يونيو، في مقر السفارة السويدية في القاهرة. للخالدي تجربة لافتة في الحياة: طفلة بين حربي الخليج الأولى والثانية، مراهقة في مصر، ثم شابة في عراق ما قبل الحرب الأميركية عليها.
ما قبل السويد، بغداد والهرم
الشرق الأوسط متوتر دائماَ، إلا أن العراق كان الأكثر توتراً، وقد شهد ثلاث حروب خلال 25 عاماً، هي تقريباً مدة حكم الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وعُمر شاب ولد أواخر السبعينيات. ولدت نادين الخالدي عام 1980 بعد إعلان الحرب العراقية الإيرانية، وأتمت الثمانية من العمر بعد انتهائها. أكملت عامها العاشر بالتزامن مع اجتياح العراق للكويت، وفُرضت حينذاك على العراق عقوبات اقتصادية وسياسية عدّة، ثم حرب جوية وبريّة بقيادة أميركية ومشاركات دولية دامت أربعين يوماً، وانتهت في فبراير1991. انتظرت أسرة الخالدي قرابة السنة قبل أن تنتقل إلى بلد الأم
مقالات أخرى:
السارة، صوت الموسيقى السودانية الجديدة
مصر، وكانت نادين مراهقة في الثانية عشرة من عمرها. لم تكن جنسية الأم المصرية تُمنح إلى الابن في ذلك الوقت، فقضت نادين وشقيقتها نحو ستة أعوام مواطنتين عراقيتين في مصر. والتحقت طالبة بمدرسة الأهرام الثانوية في الجيزة، تعزف على الأكورديون كل صباح أمام الطلاب والمدرسين. تعلمت اللهجة المصرية وتعاملت معها، إلا أن لهجة عراقية كانت تظهر بين الحين والآخر في حديثها، حالها كحال مئات العراقيين الذين نزحوا إلى مصر بعد حرب الخليج الثانية. وكحال عراقيين كثيرين في مصر، كانت طالبة أجنبية لا تتمتع بامتيازات المواطن المصري حينذاك، فلم تستطع مثلاً الاستمرار كحارسة مرمى في فريق كرة اليد، كما حاولت الانضمام إلى "الكونسرفتوار" لتكمل دراسة "الفيولينة"، التي بدأت تعلّمها في العراق، إلا أن "المعهد العالي للموسيقى" في القاهرة لم يقبلها على اعتبار أنها طالبة أجنبية، فاهتمت بالدراسة الاعتيادية حتى أكملت الثانوية العامة. عادت الخالدي إلى العراق عام 1998، شابة تبلغ ثمانية عشر عاماً، تعيش في أجواء الحرب وما يلازمها من غياب العدالة والديمقراطية. وفي ظل هذه الأجواء أكملت دراسة الموسيقى أربعة أعوام، حتى هاجرت إلى السويد، قبل عام واحد من الحرب الأميركية على العراق عام 2003.
إلى مالمو وما بعد بعد مالمو
بحقيبة وضعت فيها بعض الملابس وطبقاً قديماً ورثته عن جدها، الذي بدوره ورثه عن أبيه، وصلت نادين إلى السويد، وقضت نحو عام في غوتنبرغ في أحد منازل اللاجئين. وفي العام التالي انتقلت إلى الجنوب، إلى مالمو حيث عاشت لاجئة عشرينية. عملت في مطعم للوجبات السريعة وتعلمت السويدية، وبالمصادفة سكنت في منزل تملكه مغنية أوبرا معتزلة، وأصبحتا صديقتين.
استكملت نادين دراسة الموسيقى وتعلمت العزف على الغيتار. غنت في مطاعم كبرى بالعربية والإنغليزية، وعملت في الإذاعة السويدية. قدمت برنامجاً من إعدادها عن الموسيقى الفولكلورية والعالمية، وبما أنّ البرنامج يستلزم بحثاً، استفادت نادين كثيراً ووسعت أفقها في ما يتعلق بالموسيقى الفلكلورية، كما تعرفت إلى موسيقيين سويديين مهتمين بالفولكلور السويدي.
تعرفت بداية إلى غابرييل هيرمانسون Gabriel Hermansson، موسيقي سويدي يعزف الروك، الروك والبروغريسيف روك Progressive Rock، كما الموسيقى الفولكلورية السويدية وإلى فيليب رونسون Filip Runesson ورومين كوتاما Romain Coutama وفيرهات دينيزفورس Ferhat Deniz-Fors، الذين لم تكن الموسيقى الشرقية على قائمة اهتماماتهم، إلى أن التقوا نادين الآتية من الشرق بموسيقاها وفولكلورها، وبدأوا جميعهم مرحلة من التجريب ومزج الموسيقى، البوب والفلكلور والشرقي ، قبل أن يكوّنوا عام 2010 فرقة TARABBAND.
تعرّف "طرب باند" عن نفسها كموسيقى عربية من السويد. وكانت أغنيتها "بغداد جوبي" واحدة من الأغاني التي حققت انتشاراً واسعاً على قناتي Youtube وSoundcloud. والـ"جوبي" هي رقصة شعبية عراقية تعادل الدبكة الشامية في العراق، إيقاعها بسيط، وقد أخذته الفرقة إيقاعاً للأغنية، بتوزيع اشترك فيه أعضاء الفرقة الخمسة، وكلمات الأغنية من وحي بغداد والعراق والجوبي نفسه.
اعتادت نادين الكتابة والغناء بالإنغليزية قبل أن تلتقي غابرييل هيرمانسون، ولكنها لاحقاً بدأت تكتب وتغني بالعربية، في حين بدأ هو بتعلم العزف على آلة العود. تعلّمت نادين العزف على آلة الساز وبدأ مشروعهما يتخذ شكلاً واضحاً. كتبت الأغاني ولحّنتها الفرقة وقامت بتوزيعها، ثم جرى اختيار 10 أغنيات كوّنت ألبوم "يا سيدي" الذي صدر عام 2013. تنتظر الفرقة اليوم الانتهاء من تسجيل ألبومها الجديد الذي سيصدر هذه السنة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...