تُلاحظ في مصر سهولة تنقّل بعض الإعلاميين من ضفة إلى أخرى. فهناك مَن كان مؤيداً لمبارك ضد ناشطي الثورة ثم عاد وامتدحها، وهناك من انتقد بعض جوانب التقصير الحكومي في عهد مرسي، بينما دعا إلى الصبر على الجوانب نفسها في عهد السيسي. وقد أثارت هذه التناقضات سخرية الكثيرين.
وللإعلام المرئي في مصر دور مؤثر جداً مقارنة بدور الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي، بسبب كثرة الأميين الذين تصل نسبتهم في المجتمع إلى نحو 29%، مما يمنح برامج التوك شو السياسية دوراً بارزاً في تشكيل وعي نسبة كبيرة من المصريين.من هنا حرص النظام على عدم ظهور قنوات لا يسيطر عليها إما بنفسه أو من خلال المقربين منه من رجال أعمال وأصحاب نفوذ. وفي المقابل، حرص الإعلاميون على استرضاء السلطة الحاكمة، وهذه حالة كانت موجودة قبل سقوط نظام الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك وبعده.
من مديح مبارك إلى ذمّه
في مناخات يناير 2011، انتقد الإعلامي عمرو أديب في برنامج "القاهرة اليوم" الذي تبثه قناة "أوربت"، تظاهرات ميدان التحرير، وامتدح مبارك. وفور سقوط الأخير عدّل "قناعاته" وراح يتحدث عن أساليب القمع والترويع التي عانى منها شخصياً، على حد قوله.
مواضيع أخرى:
المشاهير والسياسة في مصر
تراجعت الثورة المصرية فتوقف مهرجان "الفن ميدان"
كان أديب ينفي وجود رقابة على الإعلام في عهد مبارك، ووصف الأخير بأنه "قيادة تاريخية"، وقال عنه في برنامج "بدون رقابة" الذي كانت تبثه قناة "القاهرة والناس": "الراجل ده في عهده ولا صحفي دخل السجن... هو ما بيحبش يتكسر قلم ولا مايكروفون"، مضيفاً في تعليق على مسألة الرقابة: "كله ذاتي ما فيش حاجة خارجية، أنا رجل بلا رقابة وبلا ضوابط".
ولكن بعد نجاح ثورة يناير، سارع أديب إلى قناة "أون تي في" المملوكة من رجل الأعمال نجيب ساويرس، وسرد بلهجة أقرب إلى الغضب والحزن مساوئ عهد مبارك، واعتبره عصر "الذل"، وقال: "إحنا كنا مذلولين يا جماعة. إحنا كنا في حالة ذل. لا يمكن حييجي ذل زي اللي كنا فيه. لا يمكن حييجي أسوأ من اللي كنا فيه... كانت الناس بتنضرب بالجزم والبراديش، كانوا بيتخوزقوا في الأقسام قدام أمهاتهم، كانوا بيعملوا فيهم كل حاجة، إحنا كنا في عصر أسود".
من التغزّل بقطر إلى انتقادها
الإعلامي والصحافي إبراهيم عيسى، رئيس تحرير صحيفة "التحرير" اليومية، كان يكيل المديح لدور قطر الإقليمي، وصنّف قناة الجزيرة في مصاف قنوات عالمية كـ"سي أن أن" الأمريكية، ورأى أنها علامة تجارية، وقال: "قناة الجزيرة تشرفك كعربي. إزاي ما تشرفكش كعربي؟". لا بل كان يدافع عن مهنية القناة حين ينتقدها البعض كما في قوله إن "الجزيرة مهتمة بالثورة السورية، وتفرد لها تغطية تصنع من قططها جِمالاً، وتحوّل حدثاً صغيراً إلى أشياء كبيرة، وذلك ولاءً للحرية".
ولكن، بعد وصول عبد الفتاح السيسي إلى الرئاسة، ومناهضة قناة "الجزيرة" لحكمه، صار يقول عنها: "قناة صهيونية ناطقة بالعربية، كل ما فيها صهيوني، أنا باقول مش قطر اللي مشغلة الجزيرة، دا الجزيرة اللي مشغلة قطر، مش الأمير اللي يسيطر على الجزيرة، لكن الجزيرة اللي مسيطرة على الأمير، الجزيرة في حقيقة الأمر عبارة عن كينونة دولية استعمارية صهيونية".
تغيّر الموقف من الإخوان
مصطفى بكري، الإعلامي ورئيس تحرير صحيفة "الأسبوع" أشاد بدور الإخوان في ميدان التحرير وقال: "الإخوان المسلمون تصدوا في هذا الوقت وقاتلوا قتال الأبطال دفاعاً عن ميدان التحرير، وزحفت جيوش منهم وكانوا يتصدون وكأنهم في حرب ضروس، وكل منهم يريد أن ينال الشهادة"، معتبراً كلامه "شهادة للتاريخ".
ولكن بعد الإطاحة بالإخوان، صار يتوعّد الجماعة حين تدعو للتظاهر بقوله: "إحنا بنقول للجيش وللشرطة خليكم على جنب، وسيبوهم للشعب المصري، حناكلهم بسناننا، والله حناكلهم بسناننا، خلي كلب منهم يطلع، خلي كلب إرهابي بيكره البلد دي وطالع يقول أنا أقود حرب مسلحة خليه يطلع، خليهم يروحوا ميدان التحرير ويشوفوا الشباب حيعملوا إيه".
ما ينطبق على مرسي لا ينطبق على السيسي
في فترة حكم الإخوان المسلمين، انتقدت الإعلامية في قناة "سي بي سي" لميس الحديدي، بشدّة، المشاكل الناجمة عن تقصير الحكومات، مثل انقطاع الكهرباء، وحوادث القطارات، وحالات تسمم في مدينة الطلبة الجامعيين...
هذه المشاكل استمرت تقريباً على حالها في عهد الرئيسين مرسي والسيسي. ولكن ما تغيّر هو رد فعل الحديدي. فقد انتقدت تقصير مرسي في حادثة القطارات، وقالت: "تقيلة عليك الشيلة ما تشيلش"، وانتقدت ما اعتبرته شهوة السلطة عند الإخوان، وانتقدت تبريراتهم للكوارث. أما في عهد السيسي فصارت تمدح دفع التعويضات لضحايا حوادث القطارات، وتنصح بالذهاب إلى اليابان لتطوير خطوط سكك الحديد، وقالت إنها لن تلوم أشخاصاً في الحكومة لأنها "ليست قضيتهم".
أماني الخياط: حالة خاصة
ولم تنل إعلامية من فضح لتقلباتها وتغيير مواقفها مثل ما نالته أماني الخياط. فقد أعد لها باسم يوسف فقرة في برنامجه سخر فيها من مواقفها المتضاربة.
الخياط التي بدأت حياتها الإعلامية مقدمةً لبرنامج ترفيهي بعنوان "أماني وأغاني"، برزت بعد الثورة كوجه إعلامي معارض للمجلس العسكري، ولكنها لم تحظَ يوماً بمساحة إعلامية كتلك التي اكتسبتها في عهد السيسي، من خلال برنامج "صباح أون تي في" على قناة "أون تي في"، فانقلبت على شباب الثورة، وباتت مدافعة شرسة عن شخصيات تعتبر رموزاً للنظام السابق مثل المستشارة تهاني الجبالي، وكمال الجنزوري.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 9 ساعاتربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ 20 ساعةحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ يومينبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ أسبوعمقال رائع فعلا وواقعي