في المدة الأخيرة، شاع استخدام السياسيين لوسائل التواصل الاجتماعي. وراح كثيرون منهم يلتقطون صورهم بطريقة "السيلفي" Selfie حتى أن البعض يعتبر أننا دخلنا مرحلة جديدة أساسها استخدام "السيلفي" كأداة من أدوات تحقيق الزخم الجماهيري للعاملين في مجال السياسة.
يمكن القول إن غالبية السياسيين حول العالم قد لجأوا إلى استخدام صور "السيلفي" بشكل أو آخر، أثناء ممارسة أنشطتهم المختلفة. ويشمل ذلك العديد من الرؤساء أمثال باراك أوباما وفلاديمير بوتين وفرانسوا أولاند.
أشهر صور "السيلفي" العربية
أما على المستوى الإقليمي فقد شهد الفضاء الافتراضي قيام العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، بتوثيق لحظة جمعته مع ابنه الأمير سعود بصورة "سيلفي". فيما استقبل وزير التعليم السعودي الجديد أول يوم عمل له في الوزارة بصورة بعد الانتهاء من الاجتماع مع موظفيه.
ومن أبرز الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي بين الديبلوماسيين العرب، وزير خارجية مملكة البحرين الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة الذي يتواصل بشكل دائم مع متابعيه عبر حساباته وينشر صوراً له أثناء رحلات العمل. وقد نشر صور "سيلفي" جمعته بنظيريه السعودي سعود الفيصل، والإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد، بعيداً عن الرسميات المعتادة.
كما التقط حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم صور "سيلفي" في العديد من المناسبات.
كذلك فعل وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، وكانت أشهر صوره "السيلفي" تلك التي التقطها من أمام أحد البراكين في إيطاليا.
وفي مصر، كان الاستخدام الأبرز لـ"السيلفي" حين التقطت وسائل الإعلام صورة للرئيس السيسي مع الشباب عشية اختتام المؤتمر الاقتصادي في شرم الشيخ، في مارس الماضي.
ولعل تباين ردود الأفعال تجاه توظيف السياسيين وصناع القرار لصور "السيلفي" في نشاطاتهم العامة، هو ما يدفع إلى طرح تساؤل حول جدوى ذلك التوجه. فمن ناحية، يعتبر البعض أن قيام رجال السياسة بالتقاط صور السيلفي مثال للذكاء الإعلامي. ومن ناحية أخرى، يعتبره البعض مجرد استخدام لوسائل التواصل الاجتماعي خالٍ من المضمون، بل قد ينطوي على قدر من الصبيانية.
مكاسب "السيلفي"
تتجه آراء غالبية مؤيدي استخدام رجال السياسة لـ"السيلفي"، إلى اعتبار أن الأمر يجد جدواه في محاولة إثبات السياسيين لقربهم من الجماهير. فالسياسيون يوظفون هذه الصور كأداة من أدوات العصر الرقمي، ليؤكدوا لناخبيهم أنهم أشخاص طبيعيون وليسوا بعيدين عنهم. بل ربما يكون ذلك الوسيلة الفضلى للوصول إلى جيل الشباب الذين يشكلون الكتلة التصويتية الأكبر، والذين يقضون وقتاً محدوداً أمام وسائل الإعلام التقليدية.
في هذا السياق، يرى خبراء الدعاية السياسية أن السياسيين الذين يديرون حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي بأنفسهم، يكونون أكثر مصداقية لدى متابعيهم. وفي هذا السياق، تلعب صور "السيلفي" دوراً مهماً إذ تؤكد للناخبين أو المتابعين أن السياسي هو من يقوم بإدارة حسابه.
فمن خلال "السيلفي"، يمكن للسياسي أن يشارك لحظة ما مع مؤيديه ويعطيهم الانطباع بأن تلك المشاركة تتم دونما وسيط. وذلك في مقابل المشاركات عبر الكتابة التي ليس من الضروري أن يقوم بها السياسي نفسه بل من الوارد جداً أن يتولى تلك المهمة أحد مساعديه. أي أن ما تتمتع به صور "السيلفي" من واقعية تساعد السياسيين على بناء علاقة مع ناخبيهم تتأسس على الصدقية.
من ناحية ثانية، تكسر فكرة صور "السيلفي" احتكار التقاط الذكريات مع رجال السياسة على أفراد النخبة أو أبناء طبقة معينة. ففي الماضي، كانت فرصة التقاط الصور مع السياسيين تتاح فقط للشخصيات العامة وكبار رجال الأعمال. أما الآن فيمكن للمواطن العادي في حال جمعته المصادفة مع أي شخصية عامة أن يطلب إليها التقاط صورة "سيلفي" معه.
كذلك يعتبر البعض أن صور "السيلفي" وسيلة لتحرير السياسيين من قبضة رجال الإعلام، خصوصاً المصورين الصحافيين، باعتبارها وسيلة قوية ليقول: هذا ما أنا عليه وهذه حياتي.
من ناحية رابعة، ربما يحمل استخدام "السيلفي" رسائل ودلالات مهمة على الصعيدين الداخلي والخارجي في أي دولة. فهي تعطي الجمهور شعوراً بأنه يشارك في العملية السياسية. مثال ذلك صورة "السيلفي" التي التقطها الرئيس السيسي مع الشباب المنظمين للمؤتمر الاقتصادي في شرم الشيخ، إذ اعتبر كثيرون أن الغرض منها هو التأكيد على مشاركة الشباب في مستقبل العمل العام في البلاد.
وفي سياق الإيجابيات، يمكن لصور "السيلفي" أن تعد إحدى الأدوات الديبلوماسية. ويجسد الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند هذا النوع الجديد من الديبلوماسية الرقمية، وتجلى ذلك أثناء التقاطه صوراً تذكارية مع بعض السياح الصينيين في نهاية رحلتهم إلى فرنسا، خلال دورة الألعاب الفرنكوفونية السابعة في نيس في سبتمبر الماضي.
مخاطر "السيلفي"
على أرض الواقع، يبدو أن لجوء السياسيين إلى توظيف صور "السيلفي" ربما أدى في بعض الأحيان إلى نتائج سلبية تضر بشعبيتهم، أو أثار العديد من التساؤلات حول مقبولية هذا السلوك.
فعلى سبيل المثال، واجه الرئيس الأمريكي باراك أوباما انتقادات كبيرة بعدما شوهد يلتقط صور "سيلفي" مع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ورئيسة وزراء الدنمارك هيلي شميت، في جنازة الزعيم الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا، في ديسمبر 2014. وكانت الحادثة درساً مفاده أن ليس كل حدث سياسي يمكن أن يكون مناسباً لالتقاط هذا النوع من الصور.
وتعرّض أوباما لموقف سلبي آخر بسبب صورة "سيلفي" التقطها معه لاعب البايسبول ديفيد أورتيز، أثناء زيارته للبيت الأبيض. فقد استخدمها أورتيز كجزء من اتفاق مع إحدى الشركات المنتجة للهواتف النقالة. وبعد انتشار تلك الصورة وتوظيفها بشكل تجاري، اضطر البيت الأبيض إلى التأكيد أن أوباما لم يكن يعرف أنها ستستخدم في مخطط تسويقي.
في بعض الأحيان، يمكن أن تكون صور "السيلفي" كارثية بالنسبة إلى السياسيين. ففي الولايات المتحدة كان تسريب صورة "سيلفي" غير لائقة، سبباً في استقالة أنتوني وينر من عضوية الكونغرس عام 2011.
إجمالاً، يمكن القول إن رجال السياسة والشخصيات العامة ما عاد في إمكانهم تجاهل وسائل الاتصال الحديثة، لكن عليهم الحذر لدى توظيف تلك الأدوات، وإلا ستؤدي إلى الخصم من رصيد شعبيتهم بدلاً من الإضافة إليه.
نشر هذا الموضوع على الموقع في 23.05.2015
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ 23 ساعةالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت