عشرات الأسر اليمنية وجدت نفسها بلا مأوى بعد استهداف طائرات عاصفة الحزم منازلها في حي فج عطان، في العاصمة اليمنية صنعاء، وتحويلها إلى ركام. قساوة الواقع فرضت عليها العيش في مجاري الصرف الصحي.
حالياً، تعيش تلك الأسر في المجاري تحت الأرض مفتقرةً إلى أبسط مقومات العيش، إذ يمضون يومهم في البحث عما يبقيهم على قيد الحياة.في الأقنية هرباً من القصف
ناصر محمد، الرجل الخمسيني، يعيش وعائلته المكونة من خمسة عشر فرداً حياةً بائسة داخل أقنية تصريف المياه في صنعاء منذ قرابة شهر. قال لرصيف22: "دمّرت غارات عاصفة الحزم منزلي ولم يتبقَّ لي ولعائلتي من خيار سوى السكن في العراء. فبسبب حالتنا المالية الصعبة لا نتمكّن إلا من الحصول على القليل من الطعام، فكيف لنا أن نستأجر ولو غرفة في شقة؟ لذا لجأنا إلى أقنية الصرف الصحي لنتمسك بآخر رمق للحياة". وأضاف: "خرجت أنا وعائلتي من بقايا منزل أصبح أشبه بمقلع للحجارة. لا نملك سوى ثيابنا التي تغطي أجسادنا. ولولا أن أقنية الصرف الصحي أكثر أمناً من شوارع مدينة صنعاء لفضلنا المبيت في العراء".
أمراض جلدية عدّة تحاصر المكان بمجاريه التي تعج بالمياه المتعفنة والقاذورات المكدسة نتيجة قلّة النظافة وإهمال المكان منذ سنوات. وعلى الرغم من خطورة المكوث تحت الأرض، حيث القليل من الضوء والتهوئة، فإن عشرات الأسر آثرت السكن فيه، مخافةً من المبيت في الشوارع المنعدمة الأمان أو هرباً من حرارة الشمس نهاراً ومن الرياح ليلاً.
وقال محمد علي، رب إحدى الأسر لرصيف22: "أقنية الصرف الصحي أرحم بنا من أرصفة الشوارع، خصوصاً أن غارات عاصفة الحزم تستهدف العاصمة صنعاء ليل نهار، وهذا ما يجعل من شوارعها أمكنة خطرة".
وأكّد محمد علي أن "الكثير من النازحين المقيمين في المجاري بدأوا يصابون بأمراض مختلفة. فهي أشبه بالمستنقعات النتنة". وأضاف: "أطفالي العشرة أُصيبوا بأمراض جلدية. فالأطفال يستكشفون هذا المكان للمرة الأولى ويلعبون وسط الأوساخ، وهذا ما يجعلهم عرضة للإصابة بالأمراض أكثر من غيرهم".
وعن المساعدات الغذائية والطبية التي يتلقونها، قال: "إن فاعلي الخير والمنظمات الإنسانية يقدمون لنا مساعدات غذائية وطبية محدودة. تواجهنا الكثير من أعباء الحياة هنا. الحياة في المجاري لا تطاق".
اقتراب موسم الأمطار
تفتقر العائلات التي تسكن في أقنية الصرف الصحي إلى الفُرُش والبطانيات التي تقيهم من البرد، في وقت تزداد المخاوف من هطول الأمطار الغزيزة التي تتساقط موسمياً في شهر مايو تزامناً مع حلول فصل الصيف، والتي قد تتسبب بجرفهم إذا لم يتم نقلهم إلى مساكن آمنه.
وقال عبد الكريم الزارعي، المتطوّع في إحدى منظمات الإغاثة المحلية، إن "حال أفراد هذه الأسر سيىء جداً كونهم فقدوا منازلهم في غمضة عين، وأصبحوا مشردين في أقنية تصريف المياه، لأنهم من الطبقة الفقيرة ووضعهم المالي لا يسمح لهم باستئجار شقق أو بالمبيت في فنادق".
وأضاف لرصيف22: "هؤلاء مجبرون على العيش في أقنية الصرف الصحي برغم أنها أماكن غير صالحة للعيش. مع العلم أن عدد المشردين من منازلهم ناهز الـ51 أسرة ويتوزعون على بضعة أماكن بما فيها أقنية الصرف الصحي. وفي الأخيرة أكثر من 12 أسرة، بعض أفرادها أصيب بجراح جراء القصف ولم يتلقَّ العلاج بسبب وضعه المالي المتردّي، وهذا ما ضاغف من إمكان إصابته بأمراض مختلفة كالملاريا والأمراض الجلدية".
وناشد الزارعي المنظمات الإنسانية والأمم المتحدة برفع الحصار الجوي والبري والبحري عن اليمن والسماح لطائرات الإغاثة بإدخال المواد الغذائية والطبية بأقصى سرعة.
معاناة الأطفال
في أقنية الصرف الصحي تحت الأرض، يحاول الأطفال ممارسة ألعابهم الشعبية. لكن حاجتهم الماسة إلى الطعام تسبب لهم أحياناً الخمول نتيجة الجوع فتراهم جالسين صامتين.
وقال الطفل أسعد ذو الإثني عشر عاماً لرصيف22: "كنا على وشك الموت بسبب القصف وخصوصاً بسبب تلك القنبلة الكبيرة التي هدمت بيتنا وأدت إلى إصابة بعض أفراد أسرتي. وتهدمت منازل أصدقائي من أبناء جيراننا ومات الكثير من أهلهم، وهذا ما منعنا من مواصلة اللعب بفرح لأنهم صاروا حزينين طول الوقت".
وأضاف: "أنا وإخوتي وأصدقائي توقفنا عن الدراسة. كما أننا لم نذهب إلى البيت منذ وقت طويل. فقدنا بيتنا والمدرسة والسعادة. لا أرى أمي وأبي إلا بين بكاء وحزن".
وتابع: "أرقد أنا وعائلتي على فراش ممزق كما أنني أتضور جوعاً الآن. لذلك أناشد أهل الخير والجمعيات والمؤسسات الخيرية التي كانت تزورنا في المدرسة لجمع التبرعات لمَن هم بلا مأوى ولليتامى والمساكين، لكي تأتي وتساعدنا. فنحن الآن على شاكلة هؤلاء نستحق التبرع. أنا والجميع هنا نخاف أن نموت مع عائلاتنا في أقنية الصرف الصحي كالفئران. حتى الفئران تتنفس جيداً في هذه المجاري وتتلقى قوت يومها على عكسنا نحن. وضعنا قريب من الخيال. أنا لم أعرف مجاري الصرف الصحي إلا من خلال رسوم سلاحف النينجا الكرتونية".
وضع مأسوي
تحاول بعض المنظمات الإنسانية مساعدة العائلات التي تسكن في أقنية الصرف الصحي، ولكن قدراتها على القيام بهذه المهمة تتهاوى رويداً رويداً لقلة الإمكانات.
وقال لرصيف22، علي المقالح، العضو في منظمة "متطوعون": "قمنا بعملية مسح ميداني فوجدنا أن هذه العائلات أكثر تضرراً من تلك التي تقطن في المستشفيات. نحاول أن نوصل معاناتهم الإنسانية إلى المنظمات الدولية علّها تقدم لهم ما تستطيع تقديمه. وخلال الفترة المقبلة، إذا ما استمر الحال على ما هو عليه الآن أو إذا ازداد سوءاً، فسيندلع صراع بين القيم وبين غريزة البقاء. وربما ندخل في نفق الاقتتال من أجل سدّ الجوع والحصول على بيوت آمنة".
وتابع: "لا أنكر أن اليمنيين متعففون، لكن لن يطول هذا التعفف لأن عدد الأسر التي تنتظر الموت في ازدياد يوماً بعد آخر نتيجة استمرار القصف والاقتتال الداخلي".
ويعد حي فج عطان في العاصمة اليمنية صنعاء أحد أكثر الأحياء السكنية التي تعرضت لقصف طائرات التحالف الخليجي، لقربه من ألوية الصواريخ التي يتم استهدافها بشكل شبه يومي. سقط في الحيّ أكثر من ثلاثة وثمانين قتيلاً إضافة إلى مئات الجرحى. لذلك، نزحت غالبية سكانه إلى أماكن أكثر أمناً. ولكن، كالعادة في الحروب، فإن الفقراء يعانون أكثر من غيرهم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أيامرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 4 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ اسبوعينخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين