شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
تونس...

تونس... "النزعات الانفصالية" تتعاظم على مواقع التواصل الاجتماعي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

السبت 17 سبتمبر 201602:47 م

منذ تأسيس الدولة الحديثة في تونس أواخر القرن الثامن عشر مروراً بحقبة الاستعمار وصولاً إلى الدولة المستقلة، لم تعرف البلاد أيّة نزعات انفصالية. وبرغم التنوع العرقي والطائفي والاجتماعي، والبنية القبلية المعقدة التي تسيطر على شطر خارطتها الجنوبي، تمسّكت كل المعارضات بخارطة الوطن الكاملة.

ثورات المهمشين

لكن ذلك لم يمنع بروز العديد من الأصوات المعارضة لسوء توزيع الثروة بين الجنوب والشمال، وبين المناطق الساحلية والجهات الداخلية، وبين العاصمة وبقية الولايات. هذا الخلل التنموي الذي تراكم طوال سنوات ولّد انتفاضات شعبية وتحركات اجتماعية وصل بعضها حد العنف.

ففي العام 1864، أطلق الثائر علي بن غذاهم ثورة شعبية عارمة ضد النظام الضريبي الذي فرضه محمد الصادق باي (1859- 1882) على المناطق الداخلية وانضمت إليه قبائل وسط البلاد وجنوبها. وفي العام 1915 أطلقت قبائل تطاوين، في أقصى الجنوب الشرقي، ما عرف بثورة "الودارنة" احتجاجاً على فرض الاستعمار نظاماً عسكرياً على المنطقة ومضاعفة الضرائب وتهميش الجهة.

وبعد الاستقلال عام 1956، وطوال حكم الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، تعمقت الطبيعة المركزية للدولة. وترافق ذلك مع فشل تطبيق النموذج الاشتراكي في عقد الستينيات من القرن الماضي وتحرير السوق غير المدروس في السبعينيات وأزمة الثمانينيات الخانقة التي عمقها "الإصلاح الهيكلي" المفروض على البلاد من البنك الدولي في مقابل منحها مزيداً من القروض.

ولمّا وصل الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي إلى السلطة، واصل سياسات سلفه الاقتصادية والاجتماعية. وفي السنوات الأولى لحكمه، انتفضت ولاية سليانة، في داخل البلاد، لكنه نجح في إخماد جذوة العمل الاجتماعي الاحتجاجي بشوكة الأمن طوال حقبة التسعينيات.

لم يمض وقت طويل حتى استأنف التونسيون حراكهم. وفي أواخر حكم بن علي، تحرك الجنوب الغربي، في ما عرف بانتفاضة "الحوض المنجمي" عام 2008، احتجاجاً على سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لأهالي هذه المنطقة المنتجة للفوسفات. ثم التحقت مدينة بنقردان الحدودية، في الجنوب الشرقي، بركب "العصاة" خريف العام 2010.

وأخيراً، جاءت "ثورة يناير" التي انطلقت من مدن الداخل وقراها ووصلت إلى العاصمة وأسقطت الرئيس من دون أن تسقط النظام. فالمدن والبلدات نفسها ما زالت تكابد المتاعب نفسها وتعاني من خلل في توزيع الثروة، خلل ينسحب على أحوال الناس والبنى التحتية، ويعزّز لديهم مشاعر الحرمان والحقد الطبقي والمناطقي.

رد فعل "انفصالي"

وإن كانت كل التحركات الاجتماعية التي خاضها أهالي المناطق الداخلية في تونس منذ سنوات قد تحركت في إطار مطالبة حكومة المركز بحسن توزيع الثروة وخلقها في مناطقهم، وفي إطار وحدة الوطن، فإن صوتاً أقلياً بدأ في الآونة الأخيرة بالعزف على نغمة "الانفصال" وتكوين دولة "جنوبية مستقلة تستفيد من ثرواتها بعيداً عن جشع الشمال"، في تعبير عن أقصى ردود الفعل تطرفاً.

ومنذ سنتين أو أكثر، بدأت تنشط في الفضاء الافتراضي وعلى مواقع التواصل الاجتماعي صفحات يديرها ناشطون من الجنوب التونسي وتطالب بإقامة دولة لأهل الجنوب وبالانفصال على ما يسمونه بـ"الاحتلال التونسي". أشهر هذه الصفحات صفحة "دولة ورغمة" الداعية إلى إقامة "دولة ليبيا الغربية" و"كنفدرالية ورغمة" في الجنوب الشرقي. و"ورغمة" تعني تجمعاً قبلياً يضم قبائل ولايتي مدنين وتطاوين، في أقصى الجنوب التونسي، إلى خليط عرقي من القبائل العربية والأمازيغية يمتد على مدن: جرجيس، بنقردان، غمراسن، بني خذاش، تطاوين ومدنين.

النزعات الانفصالية في تونس - صورة 1

ووفقاً لما يُنشر على جدار هذه الصفحات، يطالب "الانفصاليون" بإعلان دولة مستقلة تُسمّى "ليبيا الغربية (ورغمه)" وعاصمتها مدينة جرجيس، ويصفون الجيش والأمن التونسيين بـ"قوات الاحتلال". ويعلل هؤلاء توجهاتهم الانفصالية بعدم "وجود روابط تاريخية وثقافية مع شمال البلاد من خلال مقارنة اللهجة والعادات والتقاليد". كذلك يمتزج خطابهم تجاه الشمال بالكثير من العنصرية والشتائم المتعلقة بالجنس، حتى وصل الأمر إلى دعوة الميليشيات الليبية إلى قتل كل تونسي يلقون القبض عليه، وإلى دعوة أهالي الجنوب الشرقي لمقاطعة الانتخابات التشريعية والرئاسية التي أقيمت نهاية العام الماضي.

وفي محاولة لإقناع متابعيها بجدوى طرحها الانفصالي، تقوم الصفحات بنشر أخبار ومقالات تتحدث عن الحركات الانفصالية في العالم، في اسكوتلندا وكتالونيا وغيرهما. ويؤكد القائمون عليها أن مساحة دولتهم المنشودة أكبر من مساحة دول عربية عدّة، إذ تصل مساحتها إلى 48,056 كلم2. ويطالبون أهالي الجنوب الشرقي بالانشقاق عن الجيش التونسي وتكوين جيش مستقل.

برغم هذه المطالب "المغرية"، التي وجدت ظروفاً موضوعية وذاتية جاهزة للتمدد والانتشار، فإن الصفحات المنادية بالانفصال لم تجد الكثير من المتابعين والمتحمسين لخطابها، بل أن الكثير من المتابعين يسجلون حضورهم فيها بنقدها ورفض نزعتها الانفصالية.

مثلاً لم تجمع صفحات "دولة ورغمة" مجتمعة إلا 1600 متابع أغلبهم من الناقدين، كما يغلب على منشوراتها الطابع الديني أو الدعاية لجماعات الإسلام السياسي. وأيضاً، لا يتعدى نشاطها الفضاء الافتراضي إلى الواقع، فحتى الآن ما زالت هذه النزعات حبيسة شاشات الكومبيوترات لاعتبارات أمنية واجتماعية.

النزعات الانفصالية في تونس - صورة 2

أزمة تتفاقم

لا تجد النزعات الانفصالية الكثير من القبول في مدن وبلدات الجنوب الشرقي التونسي، غير أن مزاجاً عاماً يتشكل منذ ثلاث سنوات صار يطالب بإعادة توزيع الثروة النفطية ورفع التهميش عن الجهة. هذه المطالب تصطدم دائماً بواقع البلاد غير المستقر، مما خلق نوعاً من خيبة الأمل لدى قطاعات واسعة من السكان، تتغذى من طول أمد الأزمة يوماً بعد أخر.

وقد تجلّى ذلك بوضوح خلال الأزمة التي عاشتها الجهة بداية العام الحالي، حين انتفض أهالي مدينة "ذهيبة" الواقعة على الحدود مع ليبيا احتجاجاً على ضرائب جديدة فرضتها الدولة على المعبر الحدودي الذي يشكل شريان الحياة الوحيد بالنسبة للمدينة.

كما تجلى هذا المزاج الشعبي، مدفوعاً بالمظلومية والمقارنة المناطقية، أكثر فأكثر خلال الحملة الانتخابية الرئاسية الأخيرة التي شهدتها البلاد. يومذاك نقلت وسائل إعلام عن الرئيس الحالي الباجي قائد السبسي تصريحات مفادها أن "الذين صوتوا لخصمه منصف المرزوقي في الجولة الأولى أغلبهم متطرفون جهاديون"، وقد فُهم كلامه كاتهام لأبناء الولايات الجنوبية التي صوتت بكثافة للمرزوقي. أما السبسي نفسه فقد اتهم خصومه بإخراج تصريحاته من سياقها.

عقب ذلك خرجت العديد من التظاهرات والمسيرات في المدن الجنوبية وأحرق المتظاهرون المقارّ الحزبية لحركة نداء تونس التي يرأسها السبسي. وبموازاة ذلك تحول الصراع إلى مواقع التواصل الاجتماعي ووصل إلى حد التناحر المناطقي والجهوي افتراضياً ليكتشف التونسيون وجود مخزون هائل من النزعات الانفصالية والعنصرية داخل مجتمعهم.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image