شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
أبحاث التسويق والإعلانات: هناك من يفكّك عقلك ويركّبه

أبحاث التسويق والإعلانات: هناك من يفكّك عقلك ويركّبه

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الجمعة 15 فبراير 201902:16 م
نشاهد في واحدة من حلقات المسلسل الشهير "Mad Men" كيف استعانت وكالة الإعلان التي يعمل فيها "دون دريبر"، ببحّاثة في علم النفس لدراسة الجمهور وأطيافه بالاستناد إلى نظريات فرويد في اللاوعي والتأثير اللامباشر، وكيفيّة إدراكنا للعالم، ورغباتنا ضمن تكوينه الرمزيّ. هذه "الأبحاث" التي لم يأخذها رجال الإعلانات المفرطون في تقدير رجولتهم على محمل الجدّ ، تُحيلنا إلى العلاقة بين العلم/الطب وبين صناعة الإعلانات، وبالطبع هناك قصّة حقيقيّة وراء الإشارة في المسلسل، وهي قريب فرويد والمطلع على أعماله "إدوارد بيرنايز"، أو ملك العلاقات العامّة، الذي استعانت به شركة "لاكي سترايك" في العشرينيات من أجل الترويج للسجائر بين النساء، فإن كانت رغباتنا مكبوتة ودفينة ولا مرئيّة، فلم لا يخاطبها الإعلان، بوصفه تجلّياً مرئيّاً لها، وإشباعاً مادياً للنقص والقلق الذي تسببه.

برمجة إيقاع حياتنا

السطوة التي تمتلكها الإعلانات على معتقداتنا وأفكارنا نراها أيضاً في الحادثة الشهيرة المرتبطة باللونين الأزرق والزهري، وكيف "اختير" الأول للذكور والثاني للإناث في الخمسينيات إثر حملة إعلانيّة لثياب الأطفال، "تمّ التعارف بعدها" على التقسيم اللونيّ ودلالاته الجندريّة، ما يهمّنا من هذه الأمثلة هي العلاقة بين أبحاث التسويق والإعلان وسلوكنا ورغباتنا المختلفة التي تبدو طبيعيّة في الكثير من الأحيان، لإنتاج تصميم دقيق وأسلوب مُصطنع لدفعنا نحو شراء شيء ما أو الإيمان بفكرة ما.
كيف دخل اللونان الأزرق والزهري في الترويج؟ وكيف "اختير" الأول للذكور والثاني للإناث في الخمسينيات إثر حملة إعلانيّة لثياب الأطفال، "تمّ التعارف بعدها " على التقسيم اللونيّ ودلالاته الجندريّة
ما هي العلاقة بين أبحاث التسويق والإعلان وسلوكنا ورغباتنا المختلفة التي تبدو طبيعيّة في الكثير من الأحيان؟
تحاول أبحاث الإعلان والتسويق تطوير شكل الإعلانات ضمن وسائل الاتصال المختلفة، وجعلها إدمانيّة لتتسلّل إلى "وعينا"، ونمارس بعدها ما هو مطلوب منا بشكل طبيعي، والأهم أن هذه الأبحاث تدخل في تصميم التكنولوجيا، كوسائل التواصل الاجتماعي، التي حوّلت الحياة اليوميّة وأنشطتها المختلفة إلى نوع من أنواع اللعب، الذي نقدّم فيه معلومات عن أنفسنا طواعية من أجل تلقي "الإعلان" لنكسب بعدها شيئاً ما مغايراً لمضمون الإعلان. والمثال الأبسط، هو الفيديوهات الإعلانيّة الإجباريّة التي نراها حين نلعب لعبة ما، والهدف من مشاهدتها هو كسب نقاط أكثر تساعدنا ضمن اللعبة، فالإعلان تحوّل إلى جزء من التحدّي كي نكسب أكثر، ونلتقط معلومات مجزّأة بدقة عن منتج ما، سنراه لاحقاً ضمن صفحاتنا الشخصيّة. 

تحاول أبحاث الإعلان والتسويق تطوير شكل الإعلانات ضمن وسائل الاتصال المختلفة، وجعلها إدمانيّة لتتسلّل إلى "وعينا"، ونمارس بعدها ما هو مطلوب منا بشكل طبيعي

تتعاون شركات الإعلان ومراكز الأبحاث لإعادة برمجة عقولنا ووعينا بالعالم، وحوّلت الإعلان إلى محرّك خفيّ للسلوك في ذات الوقت مهيمن، مُتغير الأشكال، يبرمج إيقاع حياتنا قبل تلقّيه حتى، فمثلاً قام فيسبوك حسب تقرير مسرّب بإنجاز بحث سرّي، بيع لاحقاً لواحدة من شركات الإعلان، لتحديد الأوقات التي يكون فيها المراهقون متوترين و"ضعفاء"، لتقديم إعلانات مخصّصة لكل واحد منهم في هذه الأوقات التي تتيح التأثير عليهم بشدّة.

الرغبة بالتشابه مع الآخرين

"استخدام تقنيات معرفيّة ونفسية للتقليل من قدرة المتلقّي على الفهم والتحليل، واستنزاف قدراته العقليّة على تفكيك الإعلان والتفكير فيه": من تقنيات "التطبيع" الإعلاني

تراجع أبحاثُ الإعلان نفسَها وتأخذ بعين الاعتبار أسلوب تفادينا للإعلانات، ففي واحد من الأبحاث التي تشرح تقنيات "التطبيع" الإعلاني نقرأ أن على الإعلان "تمويه القصد من الرسالة" و"تشتيت الانتباه عبر استخدام عبارات مربكة تجعل التركيز على مقاصد الإعلان صعباً" و"استخدام تقنيات معرفيّة ونفسية للتقليل من قدرة المتلقّي على الفهم والتحليل، واستنزاف قدراته العقليّة على تفكيك الإعلان والتفكير فيه". هذه اللغة الجديّة تتحوّل إلى شكل مسلٍّ ولطيف أثناء الإعلان الذي نراه منتشراً في كل مكان، كالانترنت المجّاني في المقاهي، وبطاقات الوفاء في السوبر ماركت، التي تتغلغل ضمن "عاداتنا" التي نظن أننا أحرار كلياً في ممارستها، بل ونشعر بالرضا لأننا اشترينا المنتجات التي نريد، و"صدفةً" نجد أن عليها عروضاً وخصومات، متجاهلين أنه أُعلن عنها سابقاً أمامنا قبل أن نتسوّق. تستفيد الإعلانات والأبحاث المرتبطة بها من خصائص العصر، وتراهن على النقص البشري، والرغبة بالتشابه مع الآخرين عبر الاستهلاك والشراء، ليأتي الإعلان كرهان على عقدة "الخوف من عدم اللحاق بالعصر-FOMO"، وتحريض للمشاهد على بذل جهد ومال أكثر، كي لا يبقى وحيداً ومنبوذاً، ليأتي الإعلان وتنفيذ ما يقوله كوسيلة للاستقرار النفسي ضمن المحيط الاجتماعي، ما يجعل كل الإعلانات المشابهة منطقيّة، بل و"علاجيّة" كونها تراهن على الخوف من ألا ينتمي الفرد إلى الآن وهنا.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image