
مدينة طوبى "المقدسة"
تقع طوبى في المنطقة الوسطى من السنغال، على بحد نحو 190 كيلومتراً من العاصمة داكار، واتخذها الشيخ مدينة للاعتكاف والخلوة الروحية. لكن، ومع بداية السبعينيات من القرن الماضي، تطورت كثيراً، وتحوّلت إلى عاصمة اقتصادية. تبدأ تحضيرات الاحتفال قبل إحيائه بأكثر من ستة أشهر، وتُدعى إليه جميع البعثات الدبلوماسية ورئيس جمهورية السنغال الذي يحضر بنفسه أو يُرسل نيابة عنه وفداً رفيع المستوى. أكثر من أربعة ملايين شخص من كل أنحاء إفريقيا وبعض الزوار من أمريكا الجنوبية وآسيا وحتى أوروبا يجتمعون كل عام في المدينة، لزيارة ضريح الشيخ أحمد بمبا المقام في داره الذي تحوّل بعد توسيعه إلى مسجد كبير يحوي عدداً من أضرحة خلفائه وشيوخ المريدية.

محظورات داخل المدينة "المُقدّسة"
في طوبى بشكل عام وفي موسم "مغال" بشكل خاص، هناك العديد من المُحرمات التي تُمنَع ممارستها، مثل التدخين، وفتح الحانات والملاهي الليلية، وارتداء الملابس الكاشفة أو الضيقة، وأمور كثيرة أخرى مثل لعب كرة القدم وإركاب الرجل لزوجته خلفه على دراجة نارية. وإذا أراد أحد ذلك، عليه أن يمشي إلى المدينة المجاورة إمباكي. كل تلك الأمور، رغم حظرها، تُمارَس سراً، فيمكن أن تجد أحدهم يُدخّن خلسة، لكن هذا الأمر لن يمرّ مرور الكرام إنْ اكتُشف أمره، إذ ستتولى دائرة "سفينة الأمان" معاقبته، وهي هيئة يقوم أفرادها بمصادرة "المحظورات" من كرات القدم وتبغ وملابس ضيّقة وحرقها في تجمع يُقام سنوياً. أما مَن يمارس أحد المحظورات، فيكون مصيره تلقي الضرب المبرح. وعن تلك الدائرة، يقول أبو مدين شعيب إنها مجموعة من المريدين الذين تشكّلوا بأمر من الخليفة، لنشر الفضيلة داخل المدينة المُقدسة، وهي تشبه هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر السعودية، وهي صوت الخليفة لعقاب مَن تسوّل له نفسه ممارسة المحرمات المنهي عنها. وينتقد شعيب كون أفراد تلك الدائرة من العوام غير المؤهلين، ويرى أن النهي عن المنكر والأمر بالمعروفة وظيفة العلماء لا العوام، ويحتاج إلى تسيير علمي جاد.لكل مريد شيخ يأخذ بيده إلى الجنة
خليفة المريدين لا بد أن يكون من نسل المؤسس، والخليفة الحالي الشيخ محمد المنتقى بن الشيخ محمد البشير بن الشيخ الخديم، هو ثالث خليفة من أحفاد المؤسس بعد خمسة من أبنائه. ويُسمي أتباع المريدية المتحدرين من نسل المؤسس "شيخنا"، وربما تحوي الأسرة الواحدة أكثر من ولد يحمل اسم "شيخنا"، لذا يميّزون بينهم بوضع اسم الأم بعد اسمه، بحسب "شيخنا حواء إمباكي"، أحد أحفاد الشيخ أحمد بمبا ويقيم في القاهرة. ورغم أن "شيخنا" يحمل لقبه بالوراثة، وقد يكون غير متعمق في أمور الدين، إلا إنه أيضاً يُعامَل معاملة "الشيخ". ولكل تابع من أتباع الحركة "شيخ" من الشيوخ يتبعه، ويعتقد التابع (المريد)، أن روحه متعلقة بروح شيخه، حتى بعد وفاته، برباط مُقدس سيجمعهما في الجنة. وبحسب مهدي بلحاج، تجتمع العائلات والأفراد أثناء الاحتفال، كل لزيارة شيخه، والتبرّك بدعائه، ويجلس المرابط،، وهو شيخ من نسل الشيخ أحمد بمبا أو من نسل تلاميذه، على سريره، وللدخول إلى حضرته يزحف الناس على قوائمهم لتقبيل يده، ويُمنعون من الحديث أو النظر إليه مباشرة إلا بإذنه، ويجب عليه تقديم هدية أو على الأقل مبلغ من المال عند إلقاء التحيّة على الشيخ، وبعد مغادرته يركض الجميع خلف موكبه لحمايته وطلباً لمزيد من البركة.
تُطلَق على احتفال "مغال طوبى" تسمية "الحج" ويُعتبر ثاني أكبر تجمع سنوي للمسلمين حول العالم، ويراه بعض المُريدين كعيد الأضحى الثاني، إذ أمر الشيخ أحمد بمبا أتباعه بتقديم ذبائح في المناسبة
أكثر من أربعة ملايين شخص، خاصةً من إفريقيا، يجتمعون كل عام في مدينة طوبى السنغالية، لزيارة ضريح الشيخ أحمد بمبا المقام في داره الذي تحوّل بعد توسيعه إلى مسجد كبير
الاحتفال بالمغال ليس في طوبى فقط
لا يوجد إحصاء دقيق لعدد أتباع المريدية داخل السنغال أو خارجها، لكن يحرص الأتباع على إقامة طقوس الاحتفال بيوم المغال في كل مكان. ففي القاهرة تحرص "دائرة خدمة الخديم" التي تتبع اتحاد الطلبة السنغاليين بالقاهرة، على إقامة الاحتفال في 18 صفر. وبحسب شيخنا حواء إمباكي، يشارك مبعوثو الوفود الإسلامية والبعثات الدبلوماسية في الاحتفال الذي يُقام في قاعة مستأجرة، غالباً ما تكون داخل جامعة الأزهر. يقوم الطلاب بجمع الأموال لتجهيز مكان إقامة الحفل، وتوجيه الدعوات للمريدين سواء كانوا طلبة أم تابعين للمذهب، ويستمر الاحتفال منذ الصباح وحتى المساء، بنفس طقوس الذكر وقراءة القرآن. وتختص دائرة الخديم في القاهرة بترجمة كتب الشيخ أحمد بمبا من اللغة الولوفية (لغة أغلبية سكان السنغال) إلى العربية، لكي يقرأها العرب ويتعرفوا على المذهب المريدي، وكذلك جمع المريدين ليتعارفوا، وهو ما أمر به الشيخ. وتُنظّم احتفالات مشابهة في المغرب حيث توجد دائرة تعمل على تحقيق الكتب وتدقيقها لنشر ثقافة الحركة ومفاهيمها.
النفوذ الاقتصادي والسياسي للمريدية
يمكن أن نلمس النفوذ الاقتصادي للمريدية من واقعة جمع الحركة، بأمر الخليفة، حوالي 37 مليار فرنك إفريقي (حوالي 64 مليون دولار) من أعضائها، لبناء أكبر جامعة في غرب إفريقيا باسم "مجمع الشيخ أحمد الخديم"، لتدريس علوم الدين والقرآن والفقه، وقد وُضع حجرها الأساس مُنذ شهر تقريباً، بحسب "أبو بوسو طلحة"، الباحث في الشأن المريدي. ويقول طلحة لرصيف22: "للحركة قوة اقتصادية وسياسية كبيرة فالخليفة العام يأمر أتباعه، بما يريد إنجازه سياسياً أو اقتصادياً، وليس عليهم سوى الطاعة". ويرى الباحث أبو مدين شعيب تياو أن خلاصة نفوذ المريدين السياسي تكمن في علاقتهم المتينة بالرئيس السنغالي. فمثلاً التجانيون (وهم فرقة صوفية أخرى) أكثر عدداً لكن ليس لهم خليفة واحد، كما أنهم ينقسمون إلى فروع كثيرة بينها "حزازات"، عكس المريدية. ويتحدث عن تأثير المريدين الانتخابي، ويروي أن "الخليفة الثالث الشيخ عبد الأحد أصدر قراراً بأن يصوت المريديون للرئيس الثاني عبدو ضيوف، ففاز، ولم يكن الأخير يقر أمراً إلا إذا حضر لاستشارة الخليفة، أو أرسل له رسولاً". كما يتحدث عن العلاقة المتينة بين الرئيس ليوبولد سنغور والخليفة الثاني الشيخ محمد الفاضل، وبين الرئيس الثالث عبد الله واد والخليفة الخامس الشيخ صالح إمباكي، وبين الرئيس الحالي ماكي سال والخليفتين الحالي والراحل. ولكن أبومدين يشير إلى أنه رغم كل ذلك الدعم الذي تمنحه الحركة للسياسين، إلا أن مكاسبها من ذلك ضعيفة جداً، وربما تقتصر على إصلاح مسجد مثلاً، وهو استغلال واضح للحركة وتابعيها.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Apple User -
منذ يوماتمنى الرد يا استاذ ?
Apple User -
منذ يومهل هناك مواقف كهذه لعلي بن ابي طالب ؟
Assad Abdo -
منذ 3 أيامشخصية جدلية
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 4 أيامأن تسخر التكنولوجيا من أجل الإنسان وأن نحمل اللغة العربية معنا في سفرنا نحو المستقبل هدفان...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 5 أياملم تسميها "أعمالا عدائية" وهي كانت حربا؟
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعnews/2025/03/12/nx-s1-5323229/hpv-vaccine-cancer-rfk في هذا المقال بتاريخ لاحق يشدد الأطباء على...