كمعظم الدول ذات الأغلبية المسلمة تواجه الفتيات في إيران ضغوطاً عليهن لوضع الحجاب لكن بشكل أكبر بكثير من جميع المجتمعات المسلمة، فمراقبة وضع الحجاب هو من مشمولات الدولة في إيران منذ قيام الثورة الإسلامية قبل أربعين عاماً.
في المجتمعات الصارمة تلتزم النساء بلباس شرعي يختلف في تفاصيله من منطقة إلى أخرى إلا أن تغطية شعر الرأس هي النقطة الجامعة بينها، ورغم هذه الصرامة المجتمعية والرسمية لا يوجد إجماع بشأن الحجاب، وفي إيران أصبحت الأصوات الرافضة للحجاب أكثر ارتفاعاً من السابق، بل ارتفعت كذلك أصوات تؤيد عدم وجوب وضعه داخل المساجد، إلا أن حضورَ الحجاب كعقيدة سياسية وفرضاً مجتمعياً مستمرٌ وما زال يمثل أحد أعمدة الخصوصية الثقافية التي تميز المسلمات المؤمنات به والوارثات له والمجبرات على ارتدائه بمقتضى قانون الثورة الإسلامية.
وصلت أصوات الإيرانيات المتمردات على الحجاب إلى كل أنحاء العالم إلا أن هذا الشأن الشخصي لم يتنازل عنه النظام الإيراني بل وضعه تحت جناحه ليجعل منه شأنه الخاص ولازال متعنتاً في ترويج إلزامية وضعه على حساب معالجة هموم المواطن الإيراني الحقيقية، الأمر الذي يزيد من تضخيم موضوع كان من المفترض أن يكون ضمن نطاق الحريات الشخصية للمرأة وليس من مشمولات الوزارات ومجالس الشورى والإعلام كما هو الحال اليوم.
كل من يزور إيران أو يختلط بجالياتها في العالم يدرك أن أغلب النساء الإيرانيات لا يرغبن بلبس الحجاب بل هناك ردة فعل عكسية ضده تشي بها تفاصيلُ ملابسهن، ويكفي أن تتجول في مواقع التواصل الاجتماعي ولا سيما موقع إنستاغرام ذائع الصيت في إيران لتكتشف مدى التباين بين الصورة التي يُروج لها النظام للمجتمع الإيراني والواقع المُعاش هناك.
نوافذ مواقع التواصل الاجتماعي التي تعكس الداخل الإيراني لا تناسب نظامَ الدولة الرجعي وكما احتلت الحكومة التلفزيون والراديو والصحف نافست كذلك الجمهور على الحضور في مواقع التواصل الاجتماعي في حملةٍ لتطوير شعار "لا تفكر نحن نفكر عنك" إلى شعار "لا تشاهد ولا تنشر نحن ننشر عنك".
تسويق الحجاب
تبدأ "ساقي" بتسجيل شريط مصور كعادتها بصوتها الناعم ونظرات الإغراء الصريحة وحركاتها الأنثوية المبالغ بها، كل ما على وجهها يلمع ولا شيء يظهر من جسدها، لكنها فاجأت متابعيها قبل فترة وجيزة بارتدائها الحجاب للمرة الأولى وتقول: "كل إنسان معرّض لأن يصطدم بأمرٍٍ ما في حياته ويرغب بتحسينها، لقد قررت أن أغير حياتي وأعتزل نشر الصور والمقاطع فالجميع يمكن له أن ينشر صوراً عارية دون حجاب ولكن من النادر أن تتمكن إحداهن من نشر صور بالحجاب بأنوثة كاملة"، كلماتها الغريبة عن جرأتها السابقة تناقض نظراتها في ذلك التسجيل، "ساقي” هي إحدى الحسناوات الإيرانيات على إنستاغرام، تُسوّق سلعاً مختلفة على حسابها فصفحتها باب رزق واسع فلماذا تتحجب؟
https://www.instagram.com/p/BtQH1LyH7o8/كان من الممكن اعتبار ما فعلته "ساقي" أمراً شخصياً إلا أن مثيلاتها على إنساتغرام بدأن بحركات مشابهة فحذفن الصور القديمة ثم أعلنّ عن الانقلاب المفاجئ بارتداء الحجاب.
"مهديس" حسناء أخرى تعمل في الترويج للمطاعم على إنستاغرام تحجبت أيضاً لكنها كانت واضحة وصريحة أكثر من زميلاتها فكتبت: "دعوني أقول لكم القصة، لقد انطلق مشروع تنظيف الفضاء الإلكتروني وعلينا جميعاً أن نشارك ونرتدي الحجاب الكامل، لا مشكلة في الأمر، من صميم قلبي وافقت على ذلك وانضممت إلى المشروع".
ومن صميم القلب تعاطف المتابعون مع المؤثرات الحسناوات بعد أن عدّلن صفحاتهن وكتبن بشكل واضح "ملتزمات بقوانين الجمهورية الإسلامية"، فإما أن تخسر الحسناء عملها بإغلاق صفحتها أو أن ترتدي الحجاب وتغطي منحدرات جسدها المنحوت بقماش فائض وربما يزيد هذا من شحنة الإغراء، المهم بالنسبة لها أن تبقى على تواصل مع المتابعين وتروج للبضائع وتحصل على نقودها.
إنستاغرام المنصة الأكثر شعبية للتواصل الاجتماعي اخترقت ببيانتها خصوصيةَ المجتمع الإيراني فعرضت ما يطفو منه على السطح وما يغوص في أعماقه، وكبقية المجتمعات أصيب الإيرانيون بهوَس توثيق تفاصيل حياتهم اليومية واستعراض ما أمكن منها، الأمر الذي جعل الشرطة الإلكترونية الإيرانية تتعقب المواطنات هناك والمواطنين أيضاً.
تفطن النظام الإيراني إلى أهمية موقع إنستاغرام، وكان بإمكانه حجبه مثلما فعل مع فيسبوك وتويتر، إلا أنه كان أكثر دهاءً فاستغل الفتيات "الأكثر تأثيراً" هناك للترويج للحجاب الشرعي.
كل من يزور إيران أو يختلط بجالياتها في الخارج يدرك أن أغلب الإيرانيات لا يرغبن بلبس الحجاب بل هناك ردة فعل عكسية ضده تشي بها تفاصيلُ ملابسهن، ويكفي أن تتجول في مواقع التواصل الاجتماعي ولا سيما إنستاغرام لتكتشف مدى التباين بين الصورة التي يُروج لها النظام للمجتمع الإيراني والواقع.
نظّارات كبيرة لحجب الواقع
أمر الحجاب في إيران أشبه بأن تضع نظارات بعدسة حمراء وترى كل شيء أحمر وتقنع نفسك أن كل ما تراه أحمر. أنت تدرك أنها نظارات والمسؤولون يدركون ذلك ولكنهم سعيدون بأن النصوص الشرعية التي يؤمنون بها تُطبق حرفياً، الأمر شكلي فقط، وعلى الجميع أن يخضع ولو كذباً لهذه التعليمات ليستطيع الحياة هنا والحصول على حصته من الهواء.
سكرتير المجلس الأعلى للفضاء الإلكتروني أبو الحسن فيروز أبادي كشف منذ أشهر عن مشاريع سيقوم بها المجلس لتنظيف شبكات التواصل الاجتماعي، معتبراً الأمر أولويةَ النظام في إيران بعد أربعين سنة من انتصار الثورة الإسلامية، وبينما تمارس ضغوط جدية على الحكومة لحجب إنستاغرام بشكل نهائي، تعمل الحكومة عنوةً على معالجته وتنظيفه وخلق بيئة سليمة وفق عقائدها، فيما ترى النيابة العامة أن هذا المشروع يندرج تحت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يمكن لأحد الاعتراض عليه.
الضحية الأولى كان فيسبوك ثم التويتر ثم الساوند كلاود واليوتيوب ثم تطبيق التلغرام والآن إنستاغرام، إلى جانب آلاف المواقع الإلكترونية المعنية بالفكر بالدرجة الأولى، على سبيل المثال فإن موقع "الحوار المتمدن" العربي محجوب كأغلب المواقع التي يصل إليها مقص الرقيب المتجاهل لوجود تطبيقات كسر الحجب معتقداً أن المواطن سيلتزم بما تقوله الحكومة لأنها أكثر دراية بما عليه أن يقرأ.
إنستاغرام المنصة الأكثر شعبية للتواصل الاجتماعي اخترقت ببيانتها خصوصيةَ المجتمع الإيراني فعرضت ما يطفو منه على السطح وما يغوص في أعماقه، وكبقية المجتمعات أصيب الإيرانيون بهوَس توثيق تفاصيل حياتهم اليومية واستعراض ما أمكن منها، الأمر الذي جعل الشرطة الإلكترونية الإيرانية "فتى" تستنفر كل قواها لرصد ما ينشره المواطنون على تلك المنصة أخبار اعتقال العارضات (الموديل) لمخالفتهن الشرائع الإسلامية فضلاً عن توقيف الصفحات المروجة للثقافة الغربية كما تصفها الحكومة، حيث تشهد إيران بين الحين والآخر حملة جديدة لإغلاق الصفحات واعتقال أصحابها.
حملة إلباس الفتيات “الأكثر تأثيراً على مواقع التواصل” حجاباً قد تنقذ إنستاغرام من عملية الحجب، لقد تفطنت الدولة الإسلامية في إيران إلى إمكانية استغلال الموقع للترويج لأفكارها عن طريق هؤلاء الفتيات، هذا أفضل بكثري من غلق الموقع. وبعد أربعين عاماً من قيام الثورة الإسلامية، تعجز إيران عن حل مشاكل البطالة والمخدرات والتشرد والفقر والكآبة، لكن المهم أن تُحكم سيطرتها على ما يفكر به المواطن، وما تلبسه المواطنة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع