تنطلق الفرق الموسيقيّة المستقلّة الموجودة على الساحة حالياً من زوايا مختلفة، أو هكذا يتمّ تصديرهم للمشهد، البعض بطابعٍ ثوري، البعض الآخر بهدف الإمتاع الخالص، أو استلهام التراث بهدف إعادة إنتاجه بشكل مبتكر معاصر، ما تُجمع عليه تلك الفرق هو فكرة التجديد، والخروج بالساحة الموسيقيّة من القوالب النمطيّة إلى مجالٍ أكثر رحابة.
لكن هل هذا ما يحدث بالفعل؟ هل قدّمت تلك الفرق في ظهورها الذي يمتدّ الآن على الأقلّ لخمسة أعوام أيّة بوادر تشير إلى طفرة ما؟ هذا ما نستعرضه في هذا المقال.
ولم يتأنّى الفريق في اتخاذ أولى قراراته بشأن الألبوم فانطلقوا بعد شهور من الثورة بألبوم "مطلوب زعيم" والذي ظهر مخيباً للآمال فنيّاً رغم نجاحه جماهيرياً، لاستغلاله الحالة الثوريّة و(النوستالوجيا) لدولة كانت قويّة في الخمسينيات.
فلم يتغيّر لهاث مغنّي الفريق وراء اللحن، وأتت الكلمات سطحيّة، وكان الاتكاء على اسم عبد الناصر في أهمّ أغنيتين بالألبوم غريباً بعض الشيء، فكيف يستلهم فريق ثوري خطابه من روح الثورة، ويقدّم في نفس الوقت أكثر الزعماء قمعاً للآراء في تاريخ مصر الحديث.
هدأ الرتم الثوري في الألبوم الثاني بشكل كبير، وهنا تجلّت عيوب الفريق واضحة خاصّة في ما يتعلّق بالكلمات التي أتت ضعيفةً للغاية ومعتمدة على السجع و تطويل و مطّ "أمير عيد" الذي أصبح متلازمة له في معظم أغانيه، لكن تجارياً سارت الأمور في مسارٍ أفضل وزادت القاعدة الجماهيريّة بانضمام الجمهور المستنزف من تلاحق الأحداث السياسيّة والاجتماعيّة بوتيرةٍ لم يعتد عليها من ثلاثين عاماً.
ومع استحداث طابع جديد من الحفلات الأوسع نطاقاً وبكل ما أثارته كايروكي من جدل، كان من الطبيعي أن تكون الخيار الأول للمموّلين والمنظّمين لتلك الحفلات، و مضت أغانيهم تسمع من قاعدة كبيرة من الجمهور، خاصّة الجيل الجديد الذي تتراوح أعمارهم بين 18-25 عاماً.
ومرّة أخرى لعبت كايروكي على التيمة الثوريّة لكن بشكل أكثر عشوائية بالألبوم الثالث "نقطة بيضة"، فالألبوم لم يحمل شكلاً أو شخصيّة واحدة و لعب على العديد من الأنماط والأشكال، مُظهِراً كلّ تأثيرات التجاريّة التي طغت على الاختيارات الخاصّة بالأغاني المشاركة، مع مؤدّين ومغنّين من خارج الفريق، والتي استهدفت جذب جميع الفئات لسماع الفريق.
وهذا أثّر بشكلٍ كبير على قاعدة الجماهير الخاصة ببداية الثورة والتي بدأت في النفور منهم، لكنه أكسبهم جمهوراً كبيراً من محبي الحفلات الموسيقيّة المختلفة والتي زادت مع انتشار ثقافة الحفلات الموسيقيّة بين الشباب.
ومع تقييم تجربة لم تتمهّل إلا شهوراً قليلة بعد أحداث 25 يناير لتقدّم أوّل ألبوماتها، يمكن الاستنتاج ضمنياً أنه لولا الثورة لما كانت كايروكي، وبالتأكيد كان الجمهور سيضجر بشكل أو بآخر من الرتم الثوري و أغاني الشيخ إمام، خاصّة أنهم ليسوا المؤدين الوحيدين لها، شخصيتهم الموسيقية لم تتطور بشكل جوهري إلا في بعض التغييرات الإصلاحيّة التي استهدفت الشكل الخارجي للأداء ، فبقي وجودهم حتى الآن يعتمد على ماكينات تمويل الحفلات الموسيقيّة واسعة الانتشار.
"الصراخ كأسلوب لجذب الانتباه وخلق حالة معينة" هي أكثر سمات مريم صالح في الأداء على خشبة المسرح وفي التسجيل والتي جعلت من جملة "ما هذا الغضب يا مريم؟" بمثابة علامة تصاحب كل فيديوهاتها على الفيسبوك أو التعليقات المصاحبة لأغانيها على اليوتيوب.
مريم صالح في الأصل ممثّلة وهي ابنة الممثل المسرحي صالح سعد وقد ساهم ذلك بالتأكيد في تكوين شخصيتها، خاصّة أنها شكّلت فريقاً أيضاً في عام 2002 سمي بـ"جواز سفر" قام بإعادة إحياء أغاني سيد درويش والشيخ إمام، ولها العديد من التجارب المستقلّة في أفلام مثل "فرح ليلة" و"آخر أيام المدينة".
كلّ تلك المحطات ظهرت في طريقة أداء مريم صالح، خاصّة في ألبومها الأوّل، والذي حمل ألحاناً شبه مطابقة لألحان الشيخ إمام وغيره من رموز التراث الغنائي الشعبي، في إخفاق تام بالتجديد، لكن غطّى على ذلك أداء مريم والذي رغم إيقاعه الثابت إلا إنه ينتقل من طبقة لطبقة في محاولة لجذب الأسماع.
اتجاهاتها التحديثيّة ظهرت بألبومها الثاني "إخفاء" مع تامر أبو غزالة و موريس لوقا والذي زاد فيه استعمال الموسيقا الإلكترونيّة والمطّ في الجمل كما استعملت تقنية تشبه تقنيّة منشدي حفلات الزار بتكرار جمل معينة لأكثر من مرّة مما يضع المستمع في انسجام مع الأغنية حتى ولو كان المضمون عادي.
ومريم صالح لا تشتهر إلا في نطاق جمهور معين، وغالباً من المهتمّين بالفن المستقلّ الباحثين عن صورته فيما قبل 25 يناير ممن ملّوا الفرق المستقلّة الأخرى التي أخذت تصطبغ بالتجاريّة.
لم يقدّم شارموفرز أنفسهم كفريق يغنّي بروح التحرّر وشعارات الثورة، ولم ينطلقوا من طريق تقديم رسائل إنسانيّة تبحث عن إثارة الشجن في النفوس، لكنهم اتجهوا إلى ما لم يبحث عنه غيرهم من الفرق الشهيرة والأكثر ذيوعاً وما لا يكلّفهم الكثير من الجهد، ألا وهو تقديم محتوى فارغ ينفّس عن هموم المستمع ويُخرجه عن نطاق الحياة الواقعيّة.
كانت فكرة إعادة تريند السبعينيّات و الثمانينيّات موفقة للغاية، خاصّة لهواة ومهووسي النوستالجيا ، لعبوا على تلك النقطة بشكل كبير بالإضافة إلى وضع طابع مشابه لموسيقا الـ reggae (نوع من الموسيقا الجامايكية/الإفريقية ذات إيقاع ثقيل، يعتبر بوب مارلي فنانها الأشهر) التي انطلقوا منها لألوان أخرى بشكل سلس.
أتى محتوى شارموفرز الأوّل المرتكز على تقديم بعض اليوميات من حياة شخصيتهم الوهميّة "مستر شارموفر العظيم" اليوميّة، ليرسم في ذهن المستمعين صورة كاريكاتير متخيّلة، ذلك الطابع وضعهم على رأس قائمة المطلوبين في الأفلام الكوميديّة الشبابيّة بأسرع وقت.
نقطة أكثر ذكاءً استغلّها فريق شارموفرز بعضويه "أحمد بهاء" و"مو عركان" وهي جوّ الحماسة الذي يضفونه على أي حفلة يشاركون بها و الذي جعلهم أشبه بمرتادي الأفراح الشعبيّة، وهذا زاد من أسهمهم التجاريّة.
فبالنسبة للمتلقّين وخاصّة الشباب منهم فإن شارموفرز هم العنصر الأكثر تسلية وإمتاعاً حتى مع إدراك ضحالة ما يقدموه.
كايروكي: الاقتيات على جثّة الثورة
ترتبط شهرة كاريوكي بذكرى 25 يناير رغم أنها ليست من أوّل الفرق المستقلّة المتواجدة على الساحة الفنية، هذا الارتباط يضعها في أول الفرق التي يتوجّب الحديث عنها كنموذج مثالي. بدأت فرقة كايروكي تحت اسم black star بأغنيات باللغة الإنكليزيّة ومساحةِ عرضٍ محدودةٍ وجمهورِ عرضٍ محدود، أولى محاولات الانتشار كانت بتغيير الاسم إلى كايروكي والاتجاه إلى اللغة العاميّة. الألحان ظهرت مستمدّة من النموذج الغربي للروك الحديث والكلمات قدّمت إما انتقاداً مقولباً ككليشيهات الأفلام التجاريّة أو إعادة إحياء تراث الشيخ إمام وخاصّة الأغاني الثوريّة التي اشتهر بها في فترة الثمانينيات، وحتى الأغنيات التي حملت طابعاً معاصراً وحملت محتوى انتقادي لاستيراد العادات الغربية، لم تختلف عن الخطاب الفوقي للمجتمع المحافظ في حينها، والذي ركّز على المظهر لا الجوهر. https://youtu.be/bjlimyuZdjM ما جعل لهم قاعدة جماهيريّة كبيرة ربما هو فكرة استلهام الشخصيّات التاريخيّة للإسقاط على الواقع، عن طريق حوارات معها، وتلك نقطة إيجابيّة رغم تكرارها من قبل كثيراً، كما أنهم أكسبوا تراث الشيخ إمام بعداً سطحياً حديثاً جعلها مستساغة لجمهور الروك أند رول المصري. https://soundcloud.com/tee-ka-1/rp8nm2zwyl2u بعد ثورة يناير ازدادت فرص الحصول على تمويل النشاط الموسيقي، وكانت كايروكي أكثر الفرق الموسيقية حظاً في تلقيه، خاصّة بعد إقبال الجمهور على أغنيتهم "صوت الحريّة" التي صُوّرتْ بميدان التحرير بمشاركة هاني عادل، و مشاركتهم بأغنية "الشتا اللي فات" في فيلم "الشتا اللي فات".ما تُجمع عليه الفرق المستقلة هو فكرة التجديد، والخروج بالساحة الموسيقيّة من القوالب النمطيّة إلى مجالٍ أكثر رحابة، ولكن هل هذا ما يحدث فعلاً؟
بعد شهور من الثورة أطلقت فرقة كايروكي ألبوم "مطلوب زعيم" الذي ظهر مخيباً للآمال فنيّاً رغم نجاحه جماهيرياً، لاستغلاله الحالة الثوريّة و(النوستالوجيا) لدولة كانت قويّة في الخمسينيات.كايروكي
ولم يتأنّى الفريق في اتخاذ أولى قراراته بشأن الألبوم فانطلقوا بعد شهور من الثورة بألبوم "مطلوب زعيم" والذي ظهر مخيباً للآمال فنيّاً رغم نجاحه جماهيرياً، لاستغلاله الحالة الثوريّة و(النوستالوجيا) لدولة كانت قويّة في الخمسينيات.
فلم يتغيّر لهاث مغنّي الفريق وراء اللحن، وأتت الكلمات سطحيّة، وكان الاتكاء على اسم عبد الناصر في أهمّ أغنيتين بالألبوم غريباً بعض الشيء، فكيف يستلهم فريق ثوري خطابه من روح الثورة، ويقدّم في نفس الوقت أكثر الزعماء قمعاً للآراء في تاريخ مصر الحديث.
هدأ الرتم الثوري في الألبوم الثاني بشكل كبير، وهنا تجلّت عيوب الفريق واضحة خاصّة في ما يتعلّق بالكلمات التي أتت ضعيفةً للغاية ومعتمدة على السجع و تطويل و مطّ "أمير عيد" الذي أصبح متلازمة له في معظم أغانيه، لكن تجارياً سارت الأمور في مسارٍ أفضل وزادت القاعدة الجماهيريّة بانضمام الجمهور المستنزف من تلاحق الأحداث السياسيّة والاجتماعيّة بوتيرةٍ لم يعتد عليها من ثلاثين عاماً.
ومع استحداث طابع جديد من الحفلات الأوسع نطاقاً وبكل ما أثارته كايروكي من جدل، كان من الطبيعي أن تكون الخيار الأول للمموّلين والمنظّمين لتلك الحفلات، و مضت أغانيهم تسمع من قاعدة كبيرة من الجمهور، خاصّة الجيل الجديد الذي تتراوح أعمارهم بين 18-25 عاماً.
ومرّة أخرى لعبت كايروكي على التيمة الثوريّة لكن بشكل أكثر عشوائية بالألبوم الثالث "نقطة بيضة"، فالألبوم لم يحمل شكلاً أو شخصيّة واحدة و لعب على العديد من الأنماط والأشكال، مُظهِراً كلّ تأثيرات التجاريّة التي طغت على الاختيارات الخاصّة بالأغاني المشاركة، مع مؤدّين ومغنّين من خارج الفريق، والتي استهدفت جذب جميع الفئات لسماع الفريق.
وهذا أثّر بشكلٍ كبير على قاعدة الجماهير الخاصة ببداية الثورة والتي بدأت في النفور منهم، لكنه أكسبهم جمهوراً كبيراً من محبي الحفلات الموسيقيّة المختلفة والتي زادت مع انتشار ثقافة الحفلات الموسيقيّة بين الشباب.
ومع تقييم تجربة لم تتمهّل إلا شهوراً قليلة بعد أحداث 25 يناير لتقدّم أوّل ألبوماتها، يمكن الاستنتاج ضمنياً أنه لولا الثورة لما كانت كايروكي، وبالتأكيد كان الجمهور سيضجر بشكل أو بآخر من الرتم الثوري و أغاني الشيخ إمام، خاصّة أنهم ليسوا المؤدين الوحيدين لها، شخصيتهم الموسيقية لم تتطور بشكل جوهري إلا في بعض التغييرات الإصلاحيّة التي استهدفت الشكل الخارجي للأداء ، فبقي وجودهم حتى الآن يعتمد على ماكينات تمويل الحفلات الموسيقيّة واسعة الانتشار.
"مسار إجباري" و"وسط البلد": اللعب بمستوى أكثر احترافية
أخطاء كايروكي في عدم تمهّلهم في طرح التجارب الأولى يمكن رؤية عكسه في تجربة فرقتي "مسار إجباري" و"وسط البلد"، فقد قدّموا نموذجاً أكثر نضجاً واحترافية، ولو أنهم لم يجدّدوا بل تفنّنوا في تزويق قديم أُزيح الغبار عنه، وهذا ربما يرجع لخلفية الفرقتين من البدايات. https://soundcloud.com/massaregbariofficial/cz5px9vjjnxe والفرقتان لهما تجارب كثيرة أبرزها في فئة الأفلام المستقلّة، كتجربة فيلم "حاوي مع المخرج لبراهيم بطوط وفيلم ميكروفون مع أحمد عبدالله لفرقة "مسار إجباري" وفيلم "بيبو وبشير" و أيضاً فيلم "عودة الندلة" لفرقة "وسط البلد"، وهذا بنى لهما قاعدة جماهيريّة من قبل الثورة، كما أنه ساعدهما على التعرّف بشكل أكبر على قاعدة كتّاب الشعر الحر الذي بدأ بالانتشار اعتراضاً على النمط الموجود والذي حصر نتاجه إمّا في النطاق العاطفي أو الأغاني الوطنيّة المستهلكة. انتظر فريق "مسار إجباري" حتى عام 2013 لتقديم تجربته الألبومية الأولى في "إقرا الخبر" والتي سبقها عمل على العديد من الحفلات الكبيرة. استخدموا الموسيقى الإلكترونيّة، كما استفادوا من الأغاني التي حققت نجاحاً جماهيرياً في البدايات في الأفلام المستقلّة، وفنّياً استطاعوا ضبط الألحان مع الكلمات فلم يضطرّ المغني "هاني الدقاق" لبذل مجهود كبير للهاث وراء اللحن، رغم أن لأدائه العديد من السلبيات. بضبط الإيقاع استطاعوا إضفاء الشعور الدافئ بالنشوة في أغانيهم الهادئة، كما أضافوا الحماس غير المفتعل في الأغاني الحماسيّة والأغاني ذات الرتم السريع، إلا أن الكلمات لم تستطع تقديم النموذج التهكّمي الأفضل فيما يتعلّق بتناول حياة المواطن البسيط في نطاق الكوميديا السوداء، كان أيضاً لهاني الدقاق في الغناء تيمة واحدة لا تتغير، وذلك جعل منها طريقة مألوفة توصل الجمهور إلى الملل في بعض الأحيان. ولم تختلف التجربة الثانية "تقع وتقوم" بشكل كبير إلا في اتجاه الأغاني لنمط أكثر هدوءاً وشاعرية، وظهر استعمال الكلمات الفارغة من المعنى والتي توضع للسجع فقط. ولم تؤثر الحركة التجاريّة على أداء مسار إجباري الذي اتسم بالاحترافيّة، لكن التدهور الكبير والفقر الشديد ظهر في الألبوم الأخير "الألبوم" و الأغنية التي سبقته "شيروفوبيا"، فظهر في ذلك الألبوم البحث عن أكبر قطاع من الجمهور والاتجاه إلى موجة التسطيح السائدة. من منطلق الكلمات، لم تقدّم فرقة "وسط البلد" أكثر مما قدّمته "مسار إجباري"، ولو أن أداء هاني عادل مغنّي الفريق كان أكثر حيويّة، باستعماله للصياح للتغطيّة على أي عيب يظهر باللحن أو بتركيب الجمل، إضافة إلى تعاملهم الجاف مع الأغاني المستوحاة من الطابع الريفي والنوبي والبدوي التي التزموا فيها فقط قشور اللهجة دون التعمّق في الأسلوب لتقديم وجبة خفيفة للجمهور. طعّموا أغانيهم أيضاً ببعض الجمل العربية الفصحى و قد كانت موجة تستهوي الشباب بشكل كبير، بعض الكلمات وصلت حدّ الابتذال ، وربما تكون أغاني "وسط البلد" هي أكبر دليل على إعجاب الشباب بأي منتج يختلف ولو ظاهرياً عن ما فرض عليهم من قبل. هذا ما انطبق على جميع ألبومات "وسط البلد" الثلاثة، ولو أن الألبوم الأخير "بنطلون جينز" ظهرت فيه خبرة المغنّي "هاني عادل" والذي استطاع نقل تجربته الناجحة في التمثيل بمسلسلات ناجحة على المستوى التجاري باللعب على الديكورات الحديثة و الإضاءات المختلفة في كليبات أغاني الألبوم، مع استحضار نماذج من العهد القديم "ما قبل الثورة" مثل mtm، والتمسّح بالطبع بتيمة الحديث عن علاقة الحاكم بالمحكوم والظلم الواقع على المحكوم، دون طرح جاد ودون صدام، ولم يسلموا من موضة استعمال الموسيقى الإلكترونيّة و الأنغام الشعبيّة.بلاك تيما: محاولة استحضار تجربة منير بروحٍ جديدة
فضّلت "بلاك تيما" أن تلعب بالمنطقة الرمادية، محاولةً استقطاب كلّ الأعمار باختلاف ميولهم السياسيّة أو أذواقهم، لذلك فهي الأقرب للسائد في فترة ظهورهم فيما يتعلّق بالألحان، مع محاولة استنساخ – بطريقة بائسة - تجربة محمد منير، والذي مثّل لذلك الجيل حلماً ونموذجاً مهمّاً، لكن التجربة فشلت إلى حدّ ما في إحداث تأثير مهمّ. قدّموا ألبومهم الأول بعد نجاح مغني الفريق "أمير" في تقديم نفسه في أبرز أدواره كسائق تاكسي في فيلم "1000 مبروك" الناجح للغاية موافقين لموجة التهكّم على الأوضاع التي تمرّ بها مصر، بأسلوب لم يختلف كثيراً عن السائد ودون وجود ملمحٍ للتمرّد على المنهج المستهلك في النقد. ألبومهم الثاني "غاوي بني آدمين" لم يقدّم أيضاً أي جديد رغم اختلاف الجو العام الذي قُدِّم فيه، ولو أنه أتى متأخراً بعد عودة الركود بشكل كبير، عقب تولّي الرئيس عبد الفتاح السيسي السلطة ووجود نظام جديد يمارس أساليب الضغط على كلّ طرق الإبداع. ناقشوا باسكتشات بسيطة الزواج، العادات اليوميّة، وقدموا التراث النوبي بشكل سطحي في القالب المعتاد، لكن بدا الأمر مقبولاً بشكل كبير لخلفيتهم النوبيّة. ما يحسب لبلاك تيما بشكل كبير - رغم تشابه ألحانهم مع النمط السائد - هو عدم اتجاههم للتغير لإرضاء الجمهور، وهي الظاهرة التي لوحظت على العديد من الفرق المستقلّة، وهذا ربما يعود لوجود قاعدة جماهيريّة كبيرة لهم نوعاً ما، ساهمت في وصول إنتاجهم إلى ما يقارب الخمسين أغنية ضمن بعض الإحصاءات. لكنهم حافظوا على الجمهور بالمداومة على حفلاتهم بساقية الصاوي ومكتبة الإسكندرية والتي حرصوا على أن تتجدّد باستمرار كتيمة لهم.مريم صالح: إرهاصات النشأة المسرحيّة، التراث بشكل آخر
"الصراخ كأسلوب لجذب الانتباه وخلق حالة معينة" هي أكثر سمات مريم صالح في الأداء على خشبة المسرح وفي التسجيل والتي جعلت من جملة "ما هذا الغضب يا مريم؟" بمثابة علامة تصاحب كل فيديوهاتها على الفيسبوك أو التعليقات المصاحبة لأغانيها على اليوتيوب.
"الصراخ كأسلوب لجذب الانتباه وخلق حالة معينة" هي أكثر سمات مريم صالح في الأداء على خشبة المسرح وفي التسجيل والتي جعلت من جملة "ما هذا الغضب يا مريم؟" بمثابة علامة تصاحب كل فيديوهاتها على الفيسبوك أو التعليقات المصاحبة لأغانيها على اليوتيوب.
مريم صالح في الأصل ممثّلة وهي ابنة الممثل المسرحي صالح سعد وقد ساهم ذلك بالتأكيد في تكوين شخصيتها، خاصّة أنها شكّلت فريقاً أيضاً في عام 2002 سمي بـ"جواز سفر" قام بإعادة إحياء أغاني سيد درويش والشيخ إمام، ولها العديد من التجارب المستقلّة في أفلام مثل "فرح ليلة" و"آخر أيام المدينة".
كلّ تلك المحطات ظهرت في طريقة أداء مريم صالح، خاصّة في ألبومها الأوّل، والذي حمل ألحاناً شبه مطابقة لألحان الشيخ إمام وغيره من رموز التراث الغنائي الشعبي، في إخفاق تام بالتجديد، لكن غطّى على ذلك أداء مريم والذي رغم إيقاعه الثابت إلا إنه ينتقل من طبقة لطبقة في محاولة لجذب الأسماع.
اتجاهاتها التحديثيّة ظهرت بألبومها الثاني "إخفاء" مع تامر أبو غزالة و موريس لوقا والذي زاد فيه استعمال الموسيقا الإلكترونيّة والمطّ في الجمل كما استعملت تقنية تشبه تقنيّة منشدي حفلات الزار بتكرار جمل معينة لأكثر من مرّة مما يضع المستمع في انسجام مع الأغنية حتى ولو كان المضمون عادي.
ومريم صالح لا تشتهر إلا في نطاق جمهور معين، وغالباً من المهتمّين بالفن المستقلّ الباحثين عن صورته فيما قبل 25 يناير ممن ملّوا الفرق المستقلّة الأخرى التي أخذت تصطبغ بالتجاريّة.
عمدان نور: الانتقال من محاولات إحياء التراث إلى طابع تترات المسلسلات الرمضانية
يقدّمون نتاجهم من واقع استلهام التراث وهذا ما جعلهم بشكل كبير أسرى الألحان السابقة لهم والتي استُعملت كثيراً و أصبحت تحمل شخصية روّاد ذلك اللون من الفن المستقلّ "علي الحجّار" و"إيمان البحر درويش"، لم يستطيعوا الصمود في وجه الموجة التجاريّة التي لم تعطهم فرصة للتواجد، نظراً لضعف الإقبال من المهتمّين على ما يقدّمونه، ذلك ما جعلهم يميلون في تعبيرهم عن الواقع الشعبي، إلى الوقوع في فخّ تقليد تترات المسلسلات الرمضانية التي تناقش نفس القضايا بشكل سطحي.حمزة نمرة : الاحترافيّة والانتشار، تجربة أقرب للكمال الظاهري منها للنقص.
لم تشهد الألحان تجديداً بشكل كبير من حمزة نمرة، إلا أن خبرته الكبيرة منذ بداياته في عام 1998 حتى تأسيسه لفريق "نمرة" ثم ألبومه الأول "إحلم معايا" جعلت لديه قدرة كبيرة على تحديد التنوّع المناسب الذي يحقق له الاختلاف وفي نفس الوقت لا يشعر المستمع بالعشوائيّة، ورغم استعماله للعديد من الألحان النمطيّة بعض الشيء، إلا أن أداء حمزة نمرة الغنائي هو الأفضل فيما يتعلّق بتنظيم النفس وتناغم الكلمات مع الألحان والراحة التي يوفرها في الغناء. الطفرة الأهم كانت بالكلمات والتي عبّرت عن العديد من المصاعب التي يتعرّض لها المواطن المصري في حياته، رغم عدم تمرّدها بشكل كبير عن قواعد الحديث في موضوع المغتربين المشتاقين للأرض أو مشاكل المساكين والبسطاء، الخ...إلا إنها قد تركت أثراً كبيراً في تلك الفترة، خاصة مع زيادة الضغط العام على طوائف الشعب المصري. انخفض المستوى بشكل كبير للغاية في ألبوم "إسمعني"، الكلمات و الألحان كانت أقرب إلى الإعلانات الدعائيّة للشركات العربية الكبيرة. ولم تختلف الأمور كثيراً حتى شهد الانكماش مرّة أخرى والعودة لبداية مسيرته، بمناقشة قضايا كالغربة والحنين للوطن و الإسقاط على ظلم النظام، لكن هذه المرّة عن تجربة شخصيّة بعد تعرّضه للاعتقال بمصر قبل سفره للخارج ومنع أغانيه على الإذاعة المصريّة. و لكن مع كلّ تلك الظروف، إن وضعنا ترتيباً عاماً لأكثر الفرق أو الرموز الموسيقية انتشاراً وشهرةً على مستوى ساحة الأندرجراوند فيمكن وضع "نمرة" على القمّة، رغم أنه لا يقيم حفلات إطلاق ألبوماته، كما أن الشركات الدعائيّة ومنظمي حفلات الموسيقى البديلة أو المستقلّة لن يجازفوا بجلبه، كلّ علاقته بالجمهور عن طريق حسابه على تويتر أو قناته على اليوتيوب و أنغامي، ومع ذلك فإن قطاعات كبيرة ومتنوّعة تتفاعل مع أغانيه وتضعه في مراتب متقدّمة فيما يخصّ الموسيقيين المؤثّرين، ويرون في محتواه إنسانية وسموّ عن الابتذال الحالي التي بدأت تقع به الفرق المستقلّة.شارموفرز: الذكاء في سلوك الطريق الأسهل
لم يقدّم شارموفرز أنفسهم كفريق يغنّي بروح التحرّر وشعارات الثورة، ولم ينطلقوا من طريق تقديم رسائل إنسانيّة تبحث عن إثارة الشجن في النفوس، لكنهم اتجهوا إلى ما لم يبحث عنه غيرهم من الفرق الشهيرة والأكثر ذيوعاً وما لا يكلّفهم الكثير من الجهد، ألا وهو تقديم محتوى فارغ ينفّس عن هموم المستمع ويُخرجه عن نطاق الحياة الواقعيّة.
لم يقدّم شارموفرز أنفسهم كفريق يغنّي بروح التحرّر وشعارات الثورة، ولم ينطلقوا من طريق تقديم رسائل إنسانيّة تبحث عن إثارة الشجن في النفوس، لكنهم اتجهوا إلى ما لم يبحث عنه غيرهم من الفرق الشهيرة والأكثر ذيوعاً وما لا يكلّفهم الكثير من الجهد، ألا وهو تقديم محتوى فارغ ينفّس عن هموم المستمع ويُخرجه عن نطاق الحياة الواقعيّة.
كانت فكرة إعادة تريند السبعينيّات و الثمانينيّات موفقة للغاية، خاصّة لهواة ومهووسي النوستالجيا ، لعبوا على تلك النقطة بشكل كبير بالإضافة إلى وضع طابع مشابه لموسيقا الـ reggae (نوع من الموسيقا الجامايكية/الإفريقية ذات إيقاع ثقيل، يعتبر بوب مارلي فنانها الأشهر) التي انطلقوا منها لألوان أخرى بشكل سلس.
أتى محتوى شارموفرز الأوّل المرتكز على تقديم بعض اليوميات من حياة شخصيتهم الوهميّة "مستر شارموفر العظيم" اليوميّة، ليرسم في ذهن المستمعين صورة كاريكاتير متخيّلة، ذلك الطابع وضعهم على رأس قائمة المطلوبين في الأفلام الكوميديّة الشبابيّة بأسرع وقت.
نقطة أكثر ذكاءً استغلّها فريق شارموفرز بعضويه "أحمد بهاء" و"مو عركان" وهي جوّ الحماسة الذي يضفونه على أي حفلة يشاركون بها و الذي جعلهم أشبه بمرتادي الأفراح الشعبيّة، وهذا زاد من أسهمهم التجاريّة.
فبالنسبة للمتلقّين وخاصّة الشباب منهم فإن شارموفرز هم العنصر الأكثر تسلية وإمتاعاً حتى مع إدراك ضحالة ما يقدموه.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...