سعاد محمد نوفل ناشطة سورية، ولدت عام 1973 في مدينة الرقة حيث عاشت وترعرت. عملت مدرّسة للمرحلة الابتدائية، وكانت من أوائل الذين خرجوا وانضموا إلى ما دُعي لاحقاً بالمظاهرات “الطيارة”، أي تلك التي يجتمع فيها حوالي عشرين شخصاً يطالبون بإسقاط النظام السوري، وذلك منذ بداية الحراك الثوري في مارس 2011.
على الرغم من تأخر انضمام مدينة الرقة إلى الثورة، استمرت نوفل بالتظاهر على هذه الحالة حتى سقوط أول شهيد (علي البابنسي) في منتصف مارس 2012. شاركت خلال هذا العام أيضاً بالأعمال الإغاثية والإسعافية، إذ كان يأتي المصابون من المدن الساخنة كدرعا وحمص وإدلب إلى الرقة، باعتبارها مدينة آمنة، وذلك حتى تحريرها في مارس 2013.
تقول سعاد نوفل إنها كانت تسير في الطريق عندما “بدأ فجأة إطلاق الرصاص ابتهاجاً، وعلت الزغاريد وخرجت المسيرات وتم وضع أول حاجز للجيش الحر عند مدخل قصر المحافظ. دخلت مركبات الجيش الحر، ولم تبد قوات النظام أية مقاومة إلا في فرعي الأمن العسكري والأمن السياسي".
اضطرت نوفل إلى مغادرة الرقة في منتصف أكتوبر 2013 إلى مدينة غازي عنتاب في تركيا، عندما تم إطلاق الرصاص عليها بشكل مباشر لكونها راحت تواجه الجماعات الإسلامية، وأولها الجماعة الإسلامية في العراق والشام يومياً. كانت تستيقظ صباحاً، تكتب لافتتها، ثم تتوجه إلى مقرهم في تحدّ شجاع غير آبهة بشتائمهم، تجابه بنادقهم، وحتى ضربهم لها أحياناً.
في 26 أيلول 2013، تم إحراق محتويات كنيستَي سيدة البشارة والشهداء وإنزال الصليب المقدس من عليهما وتحويل إحداهما إلى دار للدعوة الإسلامية. لم تتحمل سعاد الأمر، فكتبت على لافتة “الكنائس والمساجد بيوت لعبادة الله سبحانه وتعالى” وتوجهت إلى المكان.
بعد مرور يومين، حدثت مجزرة مدرسة التجارة حيث قامت طائرات النظام السوري بقصف المدرسة وراح ضحيتها 16 شاباً. تقول سعاد: “لم تقم تلك الطائرات برمي أي قذيفة أو برميل متفجرات واحد على قصر المحافظة، وهو أكبر مقر لداعش، يقيم فيه 1200 عضو من أعضاء الجماعة المتأسلمة والإرهابية! حينها خرجت إلى مقرهم حاملةً لافتة عليها "حاج كذب... بيكفي قتل فينا"، في إشارة إلى الاتفاق الضمني بين النظام وبين هذه الجماعات”. في ذلك اليوم، رأت سعاد أحدهم يشير إلى زميله ناحيتها، ففهمت أنه قد “صدر قرار بقتلي ولكن ليس بجانب المقر".
تعتبر سعاد أن لا حاضنة شعبية فعلية لهذه الجماعات، برأيها "لا يزيد مؤيدوهم عن 20% من أهالي الرقة الذين يرفض معظمهم تنصيب هؤلاء المقنعين أمراء عليهم، فهذا أمير الآليات وذاك أمير المركبات والآخر أمير المعتقلين، والكل أمراء يخرجون على السكان بالقرارات كمنع التدخين وتهديد البقاليات بحرق السجائر إن وجدت لديها وتوزيع المناشير للالتزام بمواعيد الصلاة وإغلاق المحلات أثناء أوقاتها وإلزام الفتيات بوجوب ارتداء الزي الشرعي منذ سن 12 عاماً”.
لا يلتزم كل أهالي الرقة بتلك التعليمات، ولكن تقرّ سعاد بـ “أن بعض السكان وأغلبهم من الشبان قد تعرضوا لما يشبه عملية غسل دماغ! انضموا لتلك الجماعات ولكن بدوافع مختلفة، فهناك من يؤمن بوجوب قيام دولة إسلامية فعلاً ولكن البعض الآخر انضم بسبب حاجته المادية".
الأمور الخدماتية كانت سيئة جداً عند مغادرتها الرقة، "هناك انقطاع تام للكهرباء والماء، ومحاولة من الكتائب للسيطرة على جميع المؤسسات الخدماتية مما جعلني بشكل شخصي أرى أن ما يحدث في الرقة ليس تحريراً، بل هو عمل مخطط له”. قصد النظام بحسب سعاد الإنسحاب في محاولة منه لإخماد الثورة، وداعش ليست سوى “ذراع النظام وتمارس نفس أساليبه مثل القتل، الاعتقال، والتعذيب، هما وجهان لعملة واحدة".
تؤكد نوفل “أنه لم يظهر أي وجود لجماعات الدولة الإسلامية في العراق والشام داعش حتى تاريخ مايو 2013، أي بعد مرور شهرين على التحرير". بعدها بدأت عمليات المواجهة بين الجيش الحر وداعش، إذ قامت تلك الأخيرة بتفجير مقر أحفاد الرسول في محطة القطار وسقط عدد كبير من الشهداء، و”بدأ ظهور عدد من الجنسيات بين صفوف تلك الجماعات المتأسلمة".
في لقائنا معها، استفسرنا عن وجود أي معلومات جديدة عن الأب باولو الذي تطلق عليه نوفل لقب "رسول الثورة". أحد أقربائها، السيد أحمد الحاج صالح، وهو معتقل سابق في سجن سد البعث في قرية المنصورة بتهمة العلمانية، كان حاضراً وأكّد "أن الأب باولو قد شوهد آخر مرة في 27 يوليو 2013 في السجن نفسه، وهو سجن تابع للدولة الإسلامية في العراق والشام".
لا حيرة لدى نوفل في من يمتلك جدارة تمثيل الثورة السورية. "أنا لست معارضة ولست سياسيّة” تقول، و”المعارض الأول هو أي إنسان يستطيع تقديم رغيف خبز لأي مواطن سوري في أي منطقة محاصرة”. لن يستطيع السورييون الحصول على الحرية إلا “بوعيهم أنفسهم، وإن كان الثمن غالياً” برأي نوفل، التي خابت آمالها كلياً في المجتمع الدولي “العالم الخارجي، عفواً، خسارة فيها الكلام حتى”.
يجدر الذكر أن سعاد نوفل دخلت في إضراب عن الطعام تضامناً مع السوريين الجائعين في المناطق المحاصرة منذ 19 نوفمبر 2013.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ يومالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يومينوالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت