إذا سألتم حالياً معظم الناس عن أكثر أمنيةٍ يودون تحقيقها في العام الجديد، فإن الأغلبية قد تتفق على جوابٍ واحدٍ: التخلص من الدهون الزائدة والحصول على جسمٍ "مثالي".
فبعد الانتهاء من "موسم الأعياد" الحافل بالدسامة المفرطة، جرّاء الاكثار من إلتهام الأطعمة الغنية بالسعرات الحرارية و نتيجة الافراط في إحتساء المشروبات الكحولية، يستيقظ البعض فجأةً من هذا "الحلم الجميل" ويجد نفسه قد إكتسب بعض الكيلوغرامات التي تنغص حياته، فيرغب بالتخلص منها بأسرع طريقةٍ ممكنةٍ وعندها يلجأ في الكثير من الأحيان إلى وصفات "الديتوكس السحرية" التي تعد المستهلكين بالتخلص من الشحوم وتنظيف الجسم من السموم بفترةٍ زمنيةٍ قصيرةٍ.
من الماء المنقوع بالخضار والفاكهة وصولاً إلى الحبوب والأعشاب، هل نظام "الديتوكس" قادر بالفعل على تحقيق المعجزات أم أنه مجرد مضيعة للوقت والمال، وماذا عن أضراره التي تفوق أحياناً فوائده؟
خطة تسويقية بامتياز
هناك العديد من الكلمات التي تجذب إهتمام الناس بسهولة، ومن بين هذه الكلمات "الديتوكس"، فإذا كنتم تواجهون مثلاً مشكلة في فقدان الوزن، أو تجدون صعوبة في محاربة الجوع والشهية المفرطة أو في حال كنتم تريدون "إعادة ضبط" نظامكم الصحي بعد فترةٍ مليئةٍ بالعادات الصحية السيئة، فإنكم قد تفكرون جدياً في إتّباع نظام ال"ديتوكس"، آخر "صيحات" الريجيم الحديث، والذي أثبتت الأبحاث العلمية أنه فخ تجاري بامتياز. فبالرغم من أن فكرة محو "خطايا السعرات الحرارية" قد تبدو الحل المثالي لنمط حياتنا القائم على الوجبات السريعة والكحول، إلا أنه قبل الاقدام على إزالة الغبار عن العصارة أو الذهاب إلى عيادةٍ متخصصةٍ، فهناك شيء يجب الانتباه إليه: الديتوكس الذي يعني طرد السموم من الجسم والابقاء على نظافة الأعضاء هو ضرب من ضروب الاحتيال ومفهوم طبي زائف مصمم لتسويق بعض المواد التجارية. "إن شراء نظام الديتوكس في صندوقٍ عندما لا تكونون في قمة الصحة، يشبه شراء بطاقة يانصيب عندما تكونون مفلسين. فهذه الخطوة مليئة بالنوايا الحسنة والأمل ولكنها تتحول حتماً إلى مضيعة للوقت والمال. ولا يبقى أمامكم أي شيء لتظهروه"، هذا ما جاء في صحيفة الهافيغتون بوست التي شددت على ضرورة الابتعاد عن "الديتوكس" ومغرياته التي لا فائدة لها على الاطلاق سوى "إصطياد" جيوب المستهلكين وإضاعة وقتهم. via GIPHY فقد إعتبرت الصحيفة أنه من السهل جداً اليوم التسويق لنظام "الديتوكس" لكونه يحمل الكثير من الوعود التي تجذب المستهلكين: إزالة السموم من الجسم، تنظيف الخلايا، الحصول على بشرةٍ متوهجةٍ والتخلص من الوزن الزائد بسهولة وغيرها من الوعود التي تبدو مغرية، خاصة بالنسبة إلى الأشخاص الذين يشعرون بالانتفاخ، الاحباط، الخمول، العجز عن ممارسة الرياضة إضافةً إلى عدم القدرة على التحكم بالشهية المفرطة. واللافت أن "الديتوكس" قد يأتي على شكل حبوب، مساحيق، أعشاب، سوائل، تتضمن معظمها مكوناتٍ غنيةٍ بالأعشاب تحفز القولون وتحارب الامساك، مما يعطي إنطباعاً "بطرد" السموم وتنظيف الجسم، إلا أنه سواء كنا نتحدث عن "شوربة الديتوكس" أو شراب "القيقب" العضوي أو مشروبات ديتوكس الماء مع الليمون أو ديتوكس خلّ التفاح، فكلها وصفات تجارية مليئة بالأكاذيب تشتت الانتباه عن الحل الحقيقي للحصول على جسمٍ صحي.الديتوكس: خرافات وأكاذيب
إنه عامٌ جديد يحمل معه تطلعات جديدة، ومع محاولات الأحشاء للتعافي من "دسامة" الأعياد، تبدو الاعلانات التي تسوّق لنظام "الديتوكس" مغرية بالفعل ومن الصعب تجاهلها، خاصة وأنها تشغل صفحات التواصل الاجتماعي ويتم تسويقها على أيدي النجوم والمشاهير. فمن الصوم وصولاً إلى إضافة مكملاتٍ غذائيةٍ إلى الطعام، تعد خطط "الديتوكس" بتخليص الجسم من السموم الناجم عن الافراط في إستهلاك الأطعمة والكحول طوال فترة الأعياد، إلا أن "الديتوكس"، على اشكاله وأنواعه، يبدو مجرد أكاذيب و"وهم زائف" هدفه الكسب المادي فقط. فلماذا يفشل هذا النظام الغذائي في تخليص الجسم من السموم وإذابة الدهون والشحوم؟ إن تكوين جسم الانسان يجعله يتمتع بنظامٍ مدمجٍ للقضاء على السموم، إذ يعمل الكبد مع الكلى بشكلٍ طبيعي على تنقية الدم من هذه السموم، وبالتالي في حال كان كل من الكبد والكليتين في صحةٍ جيدةٍ فإن هذه الأعضاء سوف تخلص الجسم من السموم، لكون هذه هي وظيفتها الأساسية، وفق ما أكده "ستيفن نوفيلا"، أخصائي الأعصاب السريري في كلية الطب في جامعة "يال"، معتبراً أن "الديتوكس ليس سوى خرافةٍ". من هنا أكد موقع wired أنه ليس هناك من علاجٍ شرعي للتخلص من السموم أكثر من العلاج البيولوجي نفسه، ومن أجل إثبات ذلك جال الموقع على أبرز أساليب الديتوكس المتّبعة، شارحاً ما تفعله بالجسم من الناحية العلمية. الصيام: في حال تم القيام به بطريقةٍ آمنةٍ ووفق الارشادات الطبية، فإن الصيام المتقطع يحمل الكثير من الفوائد، منها فقدان الوزن وتحسين السيطرة على نسبة السكر في الدم، ولكن ليس هناك الكثير من الأدلة العلمية التي تشير إلى أن الصيام من شأنه طرد السموم من الجسم. في المقابل أظهرت الأدلة أن هناك بعض الأنظمة الغذائية التي تحدّ بشكلٍ كبيرٍ من السعرات الحرارية، والتي قد تكون خطيرة بالفعل، على غرار النظام الغذائي Master Cleanse الذي إشتهرت به "بيونسيه"، فهذا النظام الذي إتبعته لمدة 10 أيام مصنوع من عصير الليمون، الفلفل الحرّيف، شراب القيقب والماء، والهدف منه إستبدال جميع المواد الغذائية والمشروبات بهذا السائل، وهو أمرٌ خطيرٌ وفق ما تؤكده أخصائية التغذية "رايتشيل لينك":" هذه الحميات لا يمكنها فقط إبطاء عملية الأيض الخاصة بكم وجعلها أكثر صعوبة في إنقاص الوزن، لكنها غالباً ما تؤدي إلى إستعادة الوزن بمجرد إستئناف النظام الغذائي العادي". via GIPHY الأعشاب: من الأعشاب التي يتم التسويق لها على أساس أنها تساعد الكبد على التخلص من السموم، عشبة "حليب الشوك"، التي تحتوي على مادةٍ كيميائيةٍ تُعرف بـ"سيليبين" يُعتقد بأنها من المكوّنات الواعدة لتطوير علاجات ضد أمراض الكبد والسرطان، إلا أنها قد تحمل عواقب وخيمة للصحة. ديتوكس الماء: نقع الماء مع الفاكهة والخضار للحصول على طعمٍ مميزٍ خالٍ من السعرات الحرارية، يعتبر أحدث إتجاه في مجال التخلص من السموم، لا سيما أنه الخيار الأحب على قلوب المشاهير، خاصة النجمة "كورتني كارداشيان" التي سبق أن أكدت أن "خلط" الماء مع الخيار والليمون والزنجبيل ساعدها على طرد السموم من جسمها، غير أن الاستهلاك المفرط للمياه مضر للصحة لكونه يسبب مرض إضطراب مستويات الصوديوم في الدم بحسب ما اشارت إليه "رايتشيل لينك":"نقص الصوديوم في الدم هي حالة طبية حادة يمكن أن تحدث إذا شربتم أكثر من لترٍ واحدٍ من الماء في الساعة". ولكن إذا كانت كل هذه الطرق والأساليب غير مجدية، فكيف يمكن التخلص من السموم؟ في حال كان جسمكم يتمتع بصحةٍ جيدةٍ، فسيقوم بنفسه بمهمة طرد السموم، وبهدف الحفاظ على مستوى صحي جيّد يجب إتباع بعض الارشادات الأساسية مثل: تجنب الافراط في تناول الطعام والشراب، الحصول على قسطٍ كافٍ من النوم، الحفاظ على جسمٍ رطبٍ، وفي حال تعذر ذلك كما هو الحال في موسم الأعياد، توصي "لينك" باستئناف نظام غذائي طبيعي واسلوب حياة نشط ومفعم بالحيوية:" إن إتباع نظام غذائي صحي هو الطريقة الأكثر فعالية لتزويد الجسم بالمواد المغذية التي يحتاجها للتخلص من السموم من تلقاء نفسه. يمكنكم التخلص من هذه السوائل لأن طبقاً كاملاً من الخضار والحبوب والدهون الصحية قادر على القيام بالعجائب".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 20 ساعةجميل جدا وتوقيت رائع لمقالك والتشبث بمقاومة الست
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أياممقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ أسبوعمقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ أسبوععزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ اسبوعينلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعيناخيرا مقال مهم يمس هموم حقيقيه للإنسان العربي ، شكرا جزيلا للكاتبه.