النجاح بالنسبة إلى أحمد السوداني (مواليد بغداد 1975) هو إمكانية العمل في الشيء الذي يحبه الإنسان وهو الفن بالنسبة إليه.
خلال لقائنا به في محترفه النيويوركي يقول السوداني لرصيف 22، هناك "جيش صغير"، يقوم بالاهتمام بالأمور المتعلقة بالتسويق والإعلام وجامعي الفن والمعارض وحتى تأطير اللوحات وكثير من الأمور المهمة لاستمرار النجاح وتسويقه. "والنجاح على هذا المستوى يعني إتقان التجارة الفنية، إلى جانب المثابرة والعمل الفني نفسه. ولا يمكنك القيام بذلك لوحدك. أما أنا فأقوم بالرسم، وهذه نعمة كبيرة: أن تعتاش مما تحب".
هجر السوداني العراق عام 1995 إلى دمشق بعد أن أنهى الثانوية في بغداد. وعاش أربع سنوات في دمشق قبل حصوله على اللجوء السياسي في الولايات المتحدة. بداياته الفنية كانت في دمشق لكنه يرى أنها كانت بدايات ساذجة بعض الشيء. "الموهبة تحتاج إلى معرفة وصقل، وهذا صعب من دون دراسة الفن أكاديمياً". هكذا وصل السوداني إلى كلية الفنون في جامعة Yale في الولايات المتحدة ونال منها شهادة الليسانس ثم الماجستير.
على الجدران الخشبية والبيضاء تُعلق مجموعة من اللوحات (٢×٣ متر) التي يعمل عليها. "فوضى" من الألوان الدافئة، القوية والصادمة، يفضل الرسّام، غالباً، ألا يأسرها في عناوين.
يعمل السوداني على ثلاثة أو أربعة أعمال في الوقت نفسه. عشر ساعات يوميّاً، ولا إجازات في نهاية الأسبوع، إلا إذا كان خارج المدينة. الفن هو المركز الذي تدور حوله حياته. في المحترف ذي الشبابيك الواسعة وضع كنبة سوداء كبيرة وبعض الكراسي الصغيرة البسيطة وطاولات يبدو أنها وجدت للألوان لا غير. وهو يستخدم الفحم والأكريليك على الورق أحياناً، والقماش دائماً. "لا أضع سكتش أو مخططاً مسبقاً وكاملاً للوحتي. ما أقوم به أحياناً هو تخطيط مبدئي، ولكن ليس نهائياً، وذلك لأسباب عديدة، من ضمنها أن لوحاتي في الغالب كبيرة الحجم وعلي أن أتفاعل معها كي أنتجها. العيش في مدينة مثل نيويورك يعني أن تعيش تقلبات المدن وحياتها اليومية، وهذه المزاجات المختلفة تنعكس في عملي، وإلا أصبح العمل مملاً وغير ممتع".
يؤكد السوداني أنّه لا يُعد نفسه تابعاً لمدرسة فنية أو مريداً، فليس له أب روحي فني. وهذا حرّره، كما يقول، من عناء المرور بمراحل قتل الأب الرمزي.
الفوضى والعنف البشري وحالة الناس والأماكن بعدما يقع فيها دمار الحروب، هي من المواضيع الأساسية التي يتناولها في أعماله. بغداد حاضرة في لوحاته بألوانها القوية. لكن هذه الألوان خدّاعة ومراوغة، فما قد يبدو للوهلة الأولى كأنه باقة زهور، سرعان ما يتضّح، بعد التمعّن في هذه اللوحة أو تلك، أنّه جزء من أشلاء بشرية. الألوان الدافئة المستخدمة لها مبرراتها، فهي تساعد على جذب المشاهد وشده جسدياً ونفسياً للعمل، واستدراجه للإقتراب من عالم اللوحة. تعد طريقة إنتاج العمل نفسها جزءاً مهماً وأساسياً للشكل النهائي. فهو لا يرسم أولاً اللوحة بشكل كامل بالفحم ثم يضع الألوان، بل يبدأ رسم الألوان في الوقت الذي يخط فيه خطوطه الأولى بالفحم.
يرتشف السوداني قليلاً من "الچاي" (الشاي)، كما يحب أن يلفظه باللهجة العراقية. ويروي: "كانت حياتي في بغداد صعبة. وعندما نبتعد عن مكان ما نشتاق له ونرسم له صورة تكون في الغالب أجمل من الواقع. أقول أحياناً إنني لا أريد أن أسمع الأخبار أو أن أتعامل مع الدمار الذي يحدث في العراق. لكن أجدني في اليوم التالي، أفتح وأبحث عن الأخبار وآخر المستجدات. أما واقعي هنا في نيويورك فهو مختلف. نيويورك مكان مختلف وخاص، وهي تبنّتني قبل أن أتبنّاها. وتنظر إليَّ وإلى إنجازاتي بطريقة حيادية، بغض النظر عن مكان ولادتي. هنا أشعر أن مجهوداتي لن تذهب سدى. لكن هذه المدينة شرسة وفيها كثير من الفنانين، وعلى الرغم من نجاحاتي فأنا لست سوبر ستار".
تلمع عيناه وترتسم على وجهه إبتسامة مشاكسة عندما يتحدث عن بداية نجاحاته وكيف بات لا يبيع لوحاته لمن يدفع أكثر. يقول: "إن جامعي الفن عالم خاص بحد ذاته. الفنان يعيش في حوار دائم مع الأعمال الفنية الأخرى سواء في عالم الموسيقى أو الرسم أو الأدب إلخ. لكن الأهم في ما يتعلق بالرسم أن أي فنان يطمح بأن يعرض ليس بصورة فردية فقط، وإنّما ضمن مجموعة فنانين آخرين مميزين، وأن يكون ضمن مجموعة جامع للفن صاحب أعمال شهيرة، لأن هذا يضع عمله في سياق وحوار مع الفنانين الآخرين. لذلك، ليس مهماً أن تبيع أعمالك بأسعار عالية فحسب. الأهم هو لمن تبيع وما هي الأعمال الفنية الأخرى التي يملكها جامع الفن. لذلك فأنا أفضّل أن لا تذهب أعمالي إلى المزادات. نقوم منذ عام بتوقيع عقد مع كل من نوافق على أن يشتري لوحاتي، ينص على أن تبقى اللوحة في ملكه الخاص خلال السنوات الثلاث إلى الخمس المقبلة على الأقل".
تدير غاليري "Barbara Galdstone Gallery"، في نيويورك (لها فرع أخر في بروكسل)، أعمال أحمد السوداني. وأول نجاح عالمي سُجّل له عندما قامت Gallery Saatchi، في لندن، بشراء أعماله الأولى التي عرضها عام 2008، في معرضه الفردي الأول في نيويورك.
نشر هذا الموضوع في 24.09.2013رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...