شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
كلّما كان أكبر كان أفضل: ليس صاروخاً فضائياً ما نتحدّث عنه

كلّما كان أكبر كان أفضل: ليس صاروخاً فضائياً ما نتحدّث عنه

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 14 يناير 201911:04 ص
عندما نتجوّل في الأسواق، تذهب أعيننا نحو الأكبر حجماً بشكل تلقائي، سواء أكان الأمر خضاراً أم أثاثاً منزلياً، الجميع يحلم ببيتٍ أكبر، سيّارة أضخم، سرير أوسع، في سوريا، نقول للأكبر حجماً أنه أميركي، التفاح الأميركي يعني تفاحة تزن نصف كيلو، السرير الأميركي يعني أنك تستطيع استضافة مباراة تنس في غرفة النوم، حتى الثوم كبير الحجم قلنا عنه بأنه أميركي رغم اكتشافنا لاحقاً أنه صيني، أميركا تصنّع لنا القياسات الكبيرة،XXXL  من الثياب الداخلية، ملاعب كرة قدم هائلة، حروب طويلة ومستمرّة، ناطحات سحاب، قنابل بحجم أبنية، طيّارات تسع نصف مدينتي في رحلة واحدة، متى بدأ هذا الهوس بالأكبر حجماً والأطول خصوصاً في موضوع الأعضاء الذكريّة؟ متى بدأت جملة Bigger is better بالظهور؟ لدرجة أن يتبجّح ترامب بأن "زرّ" الصواريخ النووية لديه أكبر من "زرّ" رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون، وكأن فعالية الصاروخ النووي تتأتى من "زرّه". لماذا تسعى الشركات المتنافسة والمؤسّسات الإعلاميّة إلى تقديم الأكبر بوصفه الأفضل، سواء أكان الأمر هاتفاً محمولاً أم قضيباً ذكرياً؟ وإذا استمرّ الأمر على هذا النحو، أفلا نصل إلى وقت نحتاج فيه إلى شاحنة لتحمل أغراضنا الشخصيّة من هواتف وعلّاقات مفاتيح وأقلام وكومبيوترات محمولة وخواتم وعقود وأخرى لتحمل خيبتنا من أعضائنا الجنسيّة الصغيرة؟ 
متى بدأت جملة Bigger is better بالظهور؟
يخرج الممثّل في أفلام البورنو بقضيبٍ أشبه بمحراث، يجعلنا نحن، الآخرين، العاديين، نشعر بالعجز والضآلة والخصاء أمام عموده المحتقن، قد يكون الأمر مقبولاً حين يتعلّق بحجم سندويشة برغر مثلاً، بدلو من الدجاج المقلي، بفطيرة بيتزا يبلغ قطرها متراً كاملاً، لا مشكلة، نستطيع تعويض الحجم بالعدد، بدل البيتزا الهائلة اثنتين أو ثلاث بالحجم العادي، لكن ماذا نفعل أمام صواريخ الدفاع الجوّي السمراء التي تروّج لها المجلات الإباحيّة والمواقع الالكترونيّة؟

قبضتان ونصف، هذا ما يجب تسميته عضواً

ارتبط حجمُ القضيب في الثقافة اليونانيّة القديمة بفسوقِ صاحبه وسوءِ أخلاقه، لذا نرى التماثيل اليونانيّة والرومانيّة القديمة على هيئة رجال جميلي المظهر حدّ الكمال الجسماني لكن بأعضاء جنسيّة صغيرة، ويعكس هذا نظرتهم الوظيفيّة للجنس كوسيلة للإنجاب وليس غاية بحدّ ذاته، فاللعب بالأعضاء الجنسيّة كما نرى لم يكن مرغوباً بل كان عادة سيئة تخّلف "ألماً في الظهر وبثوراً في الوجه"،إذ أن الأكثر أهمية يكمن في أماكن أخرى، في الرأس، في العضلات، وبنفس الوقت لا يعطى الأمر للضخامة على حساب الرشاقة والتناسق. وبقي الأمر هكذا حتى عصر النهضة، أما عند عرب الجاهلية وصدر الإسلام، فكان الأمر مختلفاً، إذ لطالما كان حجم الأعضاء الذكرية شيئاً يُعتدّ به، ويتمّ التفاخر به، حتى قيل: من طال أير أبيه تمنطق به، إذن، الأمر معقودٌ في التراث العربي للأكبر حجماً والأكثر قدرة على غشيان النساء، ولم تذكر كتب الحديث والسيرة أي شيء عن حجم "آلات" الأنبياء إلا أن المتوقع أنها لو فعلت لبالغت بالأمر حدّ الإعجاز.

الكبير بدو كبير

قال هشام بن عبد الملك لامرأةٍ من قبيلة كلب: وي نساء كلب، إني وجدت فيكنّ سعة، فأجابته: أحراح نساء كلب خلقت لأيور رجال كلب، وهذا ما نستطيع ترجمته بالعاميّة بـ (الكبير بدو كبير)، لكن الأمر أصبح أكثر من مجرّد تفاخر صبياني، أصبح الهوس بتكبير حجم القضيب هوساً عامّاً لدرجة أن هنالك من يربطه بثقلٍ ليطول أو من يغلّفه بالزفت الساخن كل ليلة، (وهناك وصفات تراثيّة لتكبير الأعضاء ما يجعلك تخسر قضيبك وحياتك معاً إذا جرّبتها )، أصبح الأمر وباءً عامّاً لا ينجو منه نخبة ولا عامّة. ودوماً يتمّ الربط بين حجوم الأعضاء الجنسية وحجوم الأعضاء الأخرى عند الرجل والمرأة، بالرغم من أن الدراسات التي بحثت في الأمر وجدت فروق دقيقة لصالحه، إلّا أن الأبحاث ليست حاسمة بهذا القدر، ومع هذا لا يزال لحجم الأنف والأقدام واليدين وطول الأصابع وثخانتها(خصوصاً السبابة والخنصر) أهمية في تقدير حجم "الخرطوم" الذي سيسقي الزرع، فنستطيع عندها أن نفهم طبيعة تبجّح دونالد ترامب في مناظرته ضد سيناتور فلوريدا "ماركو روبيو" عن حجم قبضتيه وعلاقة حجمهما بحجم قضيبه، فاته ربما وقتها أن يكشف عن أعضائه ويرينا إياها لنصدّقه.
متى بدأت جملة Bigger is better بالظهور؟ ولماذا تسعى الشركات المتنافسة والمؤسسات الإعلامية إلى تقديم الأكبر بوصفه الأفضل، سواء كان الأمر هاتفاً محمولاً أم قضيباً ذكرياً؟
يخرج الممثل في أفلام البورنو بقضيب أشبه بمحراث، يجعلنا نحن، الآخرين، العاديين، نشعر بالعجز وبالضآلة أمام عموده المحتقن. ماذا نفعل أمام صواريخ الدفاع الجوّي السمراء التي تروّج لها المجلات الإباحية والمواقع الإلكترونية؟
أصبح الهوس بتكبير حجم القضيب هوساً عامّاً لدرجة أن هنالك من يربطه بثقل ليطول أو من يغلفه بالزفت الساخن كل ليلة، (وصفات تراثية لتكبير الأعضاء)، أصبح الأمر وباءً عامّاً لا ينجو منه نخبة ولا عامّة.

إنصاف التكنولوجيا

وبالرغم من أن توجّهات التكنولوجيا في العقدين الأخيرين تُنصف إلى حدّ ما أصحاب الحجوم "الشكلية" الصغيرة لصالح الفعالية والسرعة، كما نرى في حافظات USB مثلاً أو في الأجهزة الأخرى كمشغّلات الصوت والتطبيقات السريعة، إلا أن الأمر لا يزيد على منافسة من نوع آخر، يحتلّ فيها الحجم مجدّداً موقع الجائزة، فيكون هذا الصغر غطاء وهمي لحجم يتفجّر عندما يراد منه ذلك، فهذه الأجهزة تنطوي على حجوم تخزين هائلة أو فعالية كبيرة تتخفّى بغطاء من النعومة والصغر، لكنها وهمية لصالح الكبير والضخم والمتسع. وبهذا تمّ الأمر وخسر اللطيف والذكي والأنيق المعركة لصالح الأضخم والأطول والأكثر قدرة على "النهوض".
إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard