في 21 أغسطس 2013، استفاق العالم على مجزرة راح ضحيتها مئات السوريين في منطقة الغوطة الشرقية، بعد تعرضهم لغاز السارين الكيميائي المحرم دولياً. هذه الضربة الكيميائية لم تكن الوحيدة في تاريخ البشرية، هنا محطات من تاريخ استخدام هذه الأسلحة.
2000 ق.م. - الكيميائي البدائي
أبخرة سامة هدفها التسبب بالارتخاء والنعاس والتثاؤب، استخدمها سكان الهند القديمة في حروبهم ليتمكنوا من التقدم على أراضي المعركة. هكذا أبصرت الأسلحة الكيميائية النور على شكل مواد بدائية أقل خطورة من الأسلحة الكيميائية المستخدمة في عصرنا الحالي. في العام 423 ق.م استولى الإسبارطيون أثناء حرب البيلوبونيز Peloponnese، بالتحالف مع الفرس، على إحدى القلاع الحصينة لمدينة أثينا اليونانية، عبر توجيه دخان منبعث من الفحم المحترق والكبريت والإسفلت من خلال جذوع أشجار مجوفة.
القرن السابع ب.م. - افتتاح المطبخ الكيميائي
استوحى اليونانيون من المعارك التي شُنّت ضدهم، وابتكروا ما يسمى بالنار اليونانية عبر مزج مادة الراتينج مع الكبريت والإسفلت والنفط والكلس والملح الصخري. استخدموها في العمليات الحربية البحرية، لأنها كانت تطفو على سطح المياه. انتقلت العدوى إلى حكام البندقية في القرن الخامس عشر، وقاموا بوضع سموم غير معروفة في قذائف مدافعهم، بهدف تسميم مياه الينابيع والنباتات والحيوانات العائدة لخصومهم. ما من مجتمع دولي يبدي رأيه بالتسمم الحربي بعد.
أوائل القرن التاسع عشر - ميلاد علم الكيمياء الحديث
إنها ثورة الكيميائي العضوي الحديث، انتشرت ذراته في ألمانيا على مختلف أشكالها، مما خلق اهتماماً جديداً باستعمال هذه المواد في صناعة أسلحة كيميائية. في تلك الحقبة أيضاً، ولد الجدل الكبير اللامتناهي، حول أخلاقية الحرب الكيميائية. بدأ الرفض مع البحرية البريطانية التي خالفت طلب الأدميرال توماس كوكران Tomas Cochrane في العام 1821 بتزويد السفن الحربية بحاملات الفوسفور الحارق، تمهيداً لإنزال بحري بريطاني في فرنسا. تبلور الوعي الإنساني لدى البريطانيين، حتى أعلنوا، بعد 42 عاماً رفضهم ذلك الطلب، وعدم جواز تطبيق اقتراح السير ليون بلايفير Lyon Playfair القاضي باستعمال قذائف محشوة بالسيانيد لرفع الحصار عن المدينة الروسية سيباستوبول.
القسم الثاني من القرن التاسع عشر - الحذر من الكيميائي
فشلت محاولات كثيرة لاستخدام الأسلحة الكيميائية، مثل فكرة استعمال قذائف محشوة بمادة الكلورين السامة ضد الولايات الإحدى عشرة، التي انفصلت عن الولايات المتحدة عام 1860، واقتراح نابليون الثالث استعمال حربة مُغطّسة بالسيانيد أثناء الحرب الفرنسية - البروسية. في عام 1874 تمت الموافقة على اتفاقية بروكسل التي دعت الى تحريم استعمال السموم التي تملك القدرة على الفتك بالإنسان، ولكنها ظلت دعوة سطحية، لا قراراً فعلياً يحرم استخدام الأسلحة الكيميائية في الحرب.الحرب العالمية الأولى - اندلاع الحروب الكيميائية
سنة 1910 أطلقت قوات ألمانيا، الرائدة في الصناعات الكيميائية آنذاك، حوالي 150 طناً من غاز الكلورين السام، على منطقة بلجيكية صغيرة، أدت الى سقوط حوالي 800 قتيل. بعد مرور فترة قصيرة، تمكن البريطانيون من إنتاج تلك المادة، وبدأت صناعة الأسلحة الكيميائية تتطور لدى الجانبين. عام 1917، قامت القوات الألمانية باستخدام قذائف مزودة بنوع جديد من المواد الكيميائية مصنوعة من كبريت الخردل، أدت الى وفاة أكثر من 20 ألف شخص قرب مدينة إيبرس البلجيكية. مادة الخردل الكبريتي، يمتصها الإنسان في حالاتها الغازية والسائلة عن طريق العيون والجلد والجهاز التنفسي، ويمكنها إضعاف النخاع العظمي وتسميم الجهاز العصبي والمعدة. أدت الأسلحة الكيميائية إلى وقوع ما يتراوح بين 800 ألف ومليون إصابة في صفوف قوات روسيا وفرنسا وإنكلترا وألمانيا والولايات المتحدة إبان تلك الحرب.ما بين الحربين العالميتين - فترة الجدال
استمر الجدال في المحافل الدولية حول إنتاج واستعمال الأسلحة الكيميائية، إلى أن تمت المصادقة في العام 1925، على بروتوكول جنيف من قبل جميع القوى الرئيسة في العالم باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية واليابان. هو بروتوكول يحرّم اللجوء إلى الكيميائي، ولكن لا يمنع امتلاك هذه الأنواع من الأسلحة. استمر استعمال الأسلحة الكيميائية رغم بروتوكول جنيف. بريطانيا استخدمتها ضد الروس والأفغان، إسبانيا قصفت بها المغرب، إيطاليا موسوليني ألقت بها من الجو على رجال القبائل في الحبشة، اليابان ضد الصين، وهلم جرا...الحرب العالمية الثانية - مرحلة ما بعد التذوّق
هتلر نفسه كان قد أصيب بسموم مادة الخردل أثناء الحرب العالمية الأولى، تذوقٌ دفعه إلى عدم تحبيذ فكرة استعمال أسلحة كيميائية، دون أن يردعه عن استخدام مواد كيميائية أخرى في معسكرات الاعتقالات الجماعية. فرانكلين روزفلت Franklin Roosevelt صرح بأنه سيرد بالمثل لو أن ألمانيا بدأت حرباً كيميائية، فبقي الحذر دقيقاً من قبل الطرفين. اليابان هي الدولة الوحيدة التي استخدمت أسلحة كيميائية في الحرب العالمية الثانية ضد الصين، إذ كانت تلقي بالبراغيث الحاملة للطاعون والكوليرا من الطائرات ومعها حبوب القمح التي تقبل عليها الفئران لنشر الأوبئة هناك.ما بعد الحرب العالمية الثانية - التخزين والتصدير
لم يتوقف تطوير وتخزين واستعمال الأسلحة الكيميائية بانتهاء الحرب العالمية الثانية، فمصر استعملت قنابل الخردل خلال اشتراكها في الحرب اليمنية عام 1963، وعام 1975 استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية مبيدات مكافحة الأدغال في الفيتنام، وهي مواد تسبب سقوط أوراق الأشجار، مدّعية أن اتفاقية منع استعمال الأسلحة الكيميائية لم تتضمن منعاً لاستخدام تلك المواد. خلال الحرب الإيرانية - العراقية، بدأ النظام العراقي باستعمال الأسلحة الكيميائية للأعصاب. أمريكا نفسها متهمة بتزويدها للعراق، وإيران بدورها استعملت أسلحة كيميائية على نطاق محدود رداً على الهجمات العراقية الكيميائية. بعد التأكد من امتلاك العراق لأسلحة كيميائية، أخذت قوات التحالف الدولي، التي اشتركت في تحرير الكويت، استعدادات كبيرة لمواجهة هجمات عراقية كيميائية محتملة، بعد تهديد العراق باستخدامها، ولكن دون اللجوء لها.عام 1988 - أكبر هجمة كيميائية
أما الهدية الكيميائية الكبيرة، فقد قدمّها نظام الحكم العراقي للشعب الكردي. في 1988 استخدم الجيش العراقي غاز الأعصاب وغازات أخرى في الهجوم الكيميائي على مدينة حلبجة، توفي خلالها الآلاف من المدنيين في الوقت نفسه، ونتج عنها مضاعفات صحية وأمراض وعيوب خلقية. تعتبر هذه الإبادة الجماعية، أكبر هجمة كيميائية تم توجيهها ضد سكان مدنيين حتى اليوم. وقد اعترف كبار قادة البعث العراقي بمسؤوليتهم عن الإبادة الجماعية ضمن حملة عسكرية راح ضحيتها 182000 كردي.2013 - الحرب الكيميائية الباردة
الأسلحة الكيميائية تسببت بمقتل أكثر من ألف مدني في سوريا. أصابع الاتهام توجهت من كل صوب الى الجيش السوري النطامي، وحار العالم في كيفية المحاسبة. مشهدٌ مروع مثّل بحد ذاته حرباً باردة بين الأنظمة العالمية. احتل السلاح الكيميائي الساحة السياسية بعض الوقت، وشكل حجر النرد الذي لعب به، كل من جهته، مصالحه. في النهاية، جرى تدمير ترسانة سوريا من الأسلحة الكيميائية بإجماع المجتمع الدولي.
مع ذلك، لا يزال أهل الضحايا ينتظرون تحقيق العدالة، والمحاسبة الحقيقية. هذه المحاسبة تظل قاصرة، إذ لم يمرّ وقت طويل على استخدام إسرائيل قنابل الفوسفور، التي تعد أيضاً أسلحة محظورة دولياً، ضد الفلسطينيين، من دون محاسبة. إذ قبل المسؤولية المباشرة التي يتحملها المتسببون بالهجمات، هناك مسؤولية عامة يتحملها جميع الذين يشرفون على رعاية القانون الدولي.
تم نشر هذا المقال على الموقع بتاريخ 13.09.2013
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...