"أنا البحر في أحشائه الدرّ كامن.. فهل سألوا الغواصَ عن صدفاتي"، بهذا البيت من قصيدة الشاعر حافظ إبراهيم يبدأ البرنامج الإذاعي الأشهر في مصر "لغتنا الجميلة"، الذي قدمه الشاعر المصري الراحل فاروق شوشة سنواتٍ طويلةً عبر أثير الإذاعة المصرية، حاملاً على عاتقه مهمة تعريف المصريين بمواطن الجمال في اللغة العربية، عن طريق الغوص في أعماقها للتعرف على كنوزها وصدفاتها.
تميّز شوشة بالصوت الجميل العذب، وبالقدرة على تطويع اللغة العربية ليشكل منها أجمل المعاني والأشعار. كانت طريقته في عرض اللغة العربية على المستمعين في مصر تختلف تماماً عن الطريقة الجامدة الخالية من الإبداع التي يتم بها تدريس اللغة العربية في المدارس المصرية ما جعله بالنسبة للمصريين أحدَ "حماة اللغة العربية".
ولد شوشة يوم 9 يناير عام 1936 في دمياط، القرية المصرية البسيطة التي تعلم فيها حب اللغة العربية، من خلال "كتّاب" القرية، وهي فصول بدائية غير حكومية كان يتعلم فيها الأطفال القرآن مقابل مبلغ زهيد على يد أحد شيوخ القرية، لكن في هذا الكتاب لم يتعلم شوشة القرآن الكريم فقط، بل تعلم كذلك أن اللغة العربية عالمٌ كامل من الإبداع، كما قال في أحد حواراته التليفزيونية.
الشاب القادم من الريف المصري تخرج من كلية دار العلوم عام 1956، بعدها عمل مدرساً للغة العربية، لكنَّ طموحه كان أكبر من ذلك بكثير، فتقدم لاختبارات الإذاعة المصرية عام 1958، وقُبلَ على الفور بفضل تميزه اللغوي، كانت حينها الإذاعة تبحث عن الموهوبين في اللغة، وتهتم بهم، قبل أن يتغير الأمر وتصبح "الواسطة" هي كلمة السر التي يتم من خلالها تعيين الناس بالإذاعة. حماسه ومهاراته الكبيرة جعلته يتدرج في العمل في الإذاعة حتى أصبح رئيساً لها عام 1994.
قدم شوشة برنامج "لغتنا الجميلة" عبر أثير الإذاعة المصرية منذ عام 1967، مدة 40 عاماً دون توقف، ومن خلال حلقات البرنامج عرض على المستمعين العديد من التجارب الشعرية المميزة من مصر والعالم العربي، كانت فكرة البرنامج الأساسية هي تبسيط اللغة العربية للمستمعين من كافة المستويات.
يحكي شوشة عن كواليس إذاعة البرنامج في أحد حواراته: "فوجئت باتصال تليفوني من الإذاعي المصري الشهير محمود شعبان (بابا شارو) بعد نكسة 1967، يطلب مني برنامجاً يُعيد الصلة بالقيم المعرفية والتراث العربي، فكان برنامج لغتنا الجميلة".
تميّز شوشة بالصوت الجميل العذب، وبالقدرة على تطويع اللغة العربية ليشكل منها أجمل المعاني والأشعار. كانت طريقته في عرض اللغة العربية على المستمعين في مصر تختلف تماماً عن الطريقة الجامدة الخالية من الإبداع التي يتم بها تدريس اللغة العربية في المدارس المصرية ما جعله بالنسبة للمصريين أحدَ "حماة اللغة العربية".
قدم شوشة برنامج "لغتنا الجميلة" عبر أثير الإذاعة المصرية منذ عام 1967، مدة 40 عاماً دون توقف، ومن خلال حلقات البرنامج عرض على المستمعين العديد من التجارب الشعرية المميزة من مصر والعالم العربي، كانت فكرة البرنامج الأساسية هي تبسيط اللغة العربية للمستمعين من كافة المستويات.
قصائد حب في الشعر العربي
بعيداً عن الإذاعة قدم شوشة للوسط الثقافي العربي العديد من الكتب المهمة، منها كتاب "لغتنا الجميلة" وهو نفس اسم برنامجه الشهير، ثم كتاب أحلى 20 قصيدة حب في الشعر العربي، وأحلى 20 قصيدة في الحب الإلهي، العلاج بالشِّعر، ثم السيرة الشعرية "عذابات العمر الجميل"، وله كذلك عشرات الدواوين الشعرية والكتب الأدبية. تحقق كتب شوشة إلى اليوم مبيعاتٍ جيدةً في المكتبات المصرية، ويبحث عنها بحماس شديد الباحثون الأكاديميون وكل من يرغب بتعلم اللغة العربية والتعرف على عوالمها. كان لشوشة كذلك نشاطات ثقافية عديدة، حيث كان عضواً نشطاً في مجمع اللغة العربية في مصر، ورئيس لجنتي النصوص بالإذاعة والتلفزيون، وعضو لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة، ورئيس لجنة المؤلفين والملحنين، كما كان يهتم بالمشاركة في مهرجانات الشعر العربية والدولية. كان شوشة يحلم بأن تُوزَّع تسجيلات برنامجه "لغتنا الجميلة" على المدارس والطلاب والمعلمين في أُسطوانات كهدايا، لتعليمهم النطق الصحيح للغة العربية، وبالفعل عرض شوشة الفكرة على رئيس شركة صوت القاهرة للصوتيات والمرئيات، وهي شركة مصرية حكومية، لكن الفكرة لم ترَ النور بسبب الروتين والبيروقراطية الشديدة التي تميز المؤسسات الحكومية في مصر. لم يكتفِ شوشة بالبرنامج الإذاعي "لغتنا الجميلة"، فقرر تقديم برنامجه الأشهر "أمسية ثقافية" عام 1977 على شاشة التليفزيون طيلة 30 عاماً، محاوراً عديد الشعراء والكُتاب على مدار 150 حلقةً، أبرزها الظهور الإعلامي الوحيد للشاعر أمل دنقل. حاز شوشة المهموم بقضايا العالم العربي على العديد من الجوائز الشعرية من بينها جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1997، وجائزة النيل. وعام 2016 توفي بهدوء في شقته بمنطقة الزمالك المطلة على نيل القاهرة تاركاً درراً إذاعية لا تزال تبثها الإذاعة المصرية حتى اليوم، ما خلّد اسمَه للأبد حارساً وفياً للغة العربية.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع